للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


اختيار الشيخ محمد مصطفى المراغي
شيخًا للأزهر والمعاهد الدينية

مرت بضعة أشهر على وفاة المرحوم الشيخ أبي الفضل الجيزاوي والحكومة
في حيرة في اختيار خلف له وقد جعل القانون أمره إلى الوزارة حتى وفق صاحب
الدولة مصطفى النحاس باشا إلى اختيار هذا الرجل ولعمري إنه لم يكن في البلد من
يصلح لهذا المنصب في هذا الوقت غيره حتى احتيج إلى هذا الوقت الطويل
لمعرفته - وهو رئيس المحكمة الشرعية العليا أي أكبر رجال القضاء الشرعي
ولكن اختياره على أولئك النفر من المرشحين للمنصب على المعهود في التقليد بين
كبار الشيوخ هو الذي اقتضى طول الروية والبحث من قبل، وللوزراء أهواء
مختلفة ولكل من أولئك المرشحين انتماء إلى وزير كبير أو ضلع مع حزب من
الأحزاب السياسية التي يُعَدّ أولئك الوزراء من زعمائها، فكانت آية إخلاص
مصطفى النحاس باشا في اختياره للشيخ محمد مصطفى المراغي أنه فضَّله على
بعض الشيوخ الموالين للوفد المصري المعدودين من حزب السعديين، وذلك بعد أن
أخبره بمزاياه من ثقات الأزهريين المستنيرين من لا يمتري في معرفتهم وحسن
نيتهم، وهو يعلم مع هذا أنه أعطَى منصبه الشرعي حقه فلم ينتم إلى حزب من
الأحزاب ولم يتزلف إلى وزير من الوزراء كما أنه لا يعادي حزبًا ولا وزيرًا من
الوزراء وأنه مرضي لدى جلالة الملك.
إن بيان ما أجملته من الحكم بأن هذا المنصب لا يصلح له في هذا الوقت إلا
هذا الرجل يتوقف تفصيله على بيان حالة الأزهر من نواحيها المتعددة، وبيان
مزايا الشيخ العقلية والإدارية ومعرفته لحالة العصر من نواحيها المختلفة، وما
يحتاج إليه الإسلام من التجديد والإصلاح، وفوق هذا كله استقلاله في فهم الدين
والعلم فهو في الذروة العليا من نجباء تلاميذ الأستاذ الإمام رحمه الله، فعسى أن
يجعله الله هو المتمم لما بدأ به أستاذه وأستاذنا من إصلاح الأزهر.
كنت أود أن مكنتني صحتي من التفصيل الذي أشرت إليه ولكنني لا أزال
مريضًا، وقد كتبت هذه الكلمة، وأنا مستلق في سريري، وإلى الله المشتكى،
وهوالمسئول بتعجيل الشفاء.
***
اعتذارنا للقراء بمرضنا ومصائبنا
قد علم القراء ما كان من أمر مرضنا، وما كان لنا أن نكتمه عنهم، وقد
كانت وطئة الحمى خفت حتى قلما تتجاوز الدرجة ٣٨ فكتبنا تفسير هذا الجزء
وباب الفتاوى وباب الانتقاد على التفسير، وعرض لنا بعد ذلك التهاب شديد في
اللوزتين فارتفعت الحمى زهاء أسبوع ثم خفت بزواله ثم عادت إلى الارتفاع حتى
منعنا الأطباء من الخروج إلى المكتب ومن مقابلة الناس.
وكنا جعلنا تاريخ هذا الجزء سلخ المحرم من السنة الجديدة ١٣٤٧ ولكن كاد
شهر صفر أن ينتهي ولم نستطع كتابة شيء آخر مما كان في النفس فأذنا الإدارة
بإتمام الجزء ببعض المختارات المفيدة من الصحف والرجوع في هذه الفرصة إلى
تقريظ الكتب التي تأخر تقريظها وإصدار الجزء، وسنجعل تاريخ الجزء الذي بعده
سلخ ربيع الأول، وما ندري هل يقدرنا الله تعالى على كتابة شيء منه أم لا،
والرجاء بفضله عظيم.
***
وفاة فاضلة
ابتلينا في ٣٠ ذي الحجة سنة ١٣٤٦ بوفاة شقيقتنا البارة الفاضلة العاقلة
السيدة الحاجة حفصة رحمها الله تعالى، ولله ما أخذ ولله ما أعطى وما أبقى، وإنا
لله وإنا إليه راجعون.
***
كلمة إلى حضرات المشتركين
إن دَخْلَنَا في هذه البضعة الأشهر التي تضاعفت فيها نفقاتنا بسبب المرض
وغيرها كان أقل مما كان في مثلها من كل عام فنستنجد الوفاء والمروءة من
المدينين لنا باشتراك المنار أو أثمان الكتب أن يعجلوا بإرسال جميع المتأخر لنا
عندهم، ونحن نعده لهم في هذا الوقت كأنه إعانة منهم، ومن لم يؤثر فيه هذا القول
في أداء الحق الذي عليه فهو أعرف بقيمة نفسه وعليه ما يستحق من جزاء الدنيا
والآخرة.