للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


عداء رافضة العلويين للمنار والإرشاديين

إلى جناب حضرة العلامة مفتي الأنام وحامل لواء الإسلام وناشر منار التوحيد
وقامع شوكة البدع السيد الحسيب النسيب محمد رشيد رضا لا زال عونًا للحق.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته لا يخفى عليكم أن في جاوة نهضة هي وليدة
أفكاركم التي تنشرونها بالتوالي في المنار، فلا غرابة إذا كان مديرو أزمة هذه
النهضة يغيرون عليكم كما يغيرون على أنفسهم إزاء كل حسود كَنُود يريد إسقاط
مركزكم ونزع ثقة رجالها بكم، فطالما سمعنا ونسمع من أفواه العلويين بجاوة، وهم
غلاة الشيعة أن صاحب المنار في النار ولا يعمل إلا لخويصية نفسه.
وهؤلاء قد خصصوا فئة منهم لنشر الدعاية ضدكم بين عرب حضرموت
والجاويين حتى لو كان أحدنا يمشي في أي حارة كانت حاملاً بيده عددًا من المنار
حالاً يبادر سكان تلك الحارة بقولهم (هذا مناري) وينفرون الناس منا فهم ضدنا
وضد مناركم، ولهم رؤساء وكبراء ومن جملتهم السيد علي بن عبد الرحمن الحبشي
ومحمد بن عبد الرحمن بن شهاب ومحررو حضرموت، ونحن إزاء حركاتهم
الضالة هذه وحبًّا في نصر الحق والحقيقة لا نفتأ نلقي محاضرات في محلات متعددة
لتفهيم العامة (الذين قد وقعوا في الحفرة التي حفروها) مقاصد الدين حتى خفتت
أصواتهم وسكنت حركاتهم، مع عدم التهور في التفهيم، فالمنزلة التي تحصلوا
عليها في قلوب الجاويين والحضارمة أصبحت لا شيء بحماقتهم وتهورهم (فأقبل
بعضهم على بعض يتلاومون) حتى انحلت الرابطة فيما بينهم أنفسهم؛ ولذلك قامت
شرذمة من الذين لهم نوع من العقل تسعى في إقامة جمعية باسم (الرابطة العلوية)
فكأن القوم أرادوا بها استرجاع ما فاتهم من التبجيل والتكريم وإغراء العوام
واستمالتهم بفتح المدارس لهم تعلمهم الصناعات والتجارة وغير ذلك من الأمور
الدنيوية، هذا قولهم في الظاهر وإذا بحثنا للحقيقة، وأرجعنا الأسباب إلى المسببات
أدركنا أن هؤلاء القوم في حيرة عظمية لاسترجاع عظمتهم، ولا يصدقون بعد اليوم
لا سيما بعد ما قال السيد أبو بكر العطاس: إنه يفضل أن يكون الإنجليز حكامًا في
الأراضي المقدسة (الحجاز) على ابن السعود فنرجو من فضيلتكم كما عهدنا فيكم
أن تشدو أزرنا للدفاع عن الحق الذي هو مبدؤكم منذ عشرات السنين، والسلام
عليكم.
... ... ... ... ... ... ... من عبد السميع منصور الجاوي
(تعليق المنار)
جاءتنا هذه الرسالة منذ سنة فلم نحفل بنشرها؛ لأن شُذَّاذ إخواننا العلويين لا
يزالون في حيرة من نزعتهم الرافضية الجديدة، فهم فيها يعمهون، وفي ريب من
استعادة جاه سيادتهم المفقودة، فهم في ريبهم يترددون، ولدينا رسائل ومسائل
أخرى في شأنهم، ومصنفات مضلة من بعض كتابهم، وأعداد محفوظة من
جريدتهم، لم نشأ أن نفتح باب الانتقاد عليها، إلا ما أنكرناه على ما نشر في هذه
الجريدة (حضرموت) من السعي لإيقاد نار الحرب بين الإمامين الجليلين إمام
السنة الصحيحة عبد العزيز بن سعود ملك الحجاز ونجد، وإمام الشيعة المعتدلة
الزيدية يحيى بن حميد الدين صاحب اليمن، فإن هذه السعاية شر ما صدر عن
متهوريهم، وأشدها خطرًا على أمتهم العربية وملتهم الإسلامية، التي لم يبق في
الأرض حكومة إسلامية تنفذ شريعتها وتقيم حدودها غير حكومات هذين الإمامين
الجليلين، فلذلك يعتقد كل مسلم يغار على الإسلام وكل عربي يغار على مجد
العرب أن تعاديهما وتقاتلهما أعظم جناية على هذه الأمة وهذه الملة يخشى أن تنتهي
باستيلاء الأجانب على مهد الإسلام وعقر دار العرب ... وإن لم يعقل هذا من قال
من هؤلاء العلويين الأغرار الذين لا يفقهون حتى قال من قال منهم: إنه يفضل
سيادة نصارى الإنكليز على حرم الله وحرم رسوله على حكم ابن السعود المسلم
السني السلفي، ولماذا؟
لأن هذا القائل الغر المسكين يتوهم أن عظمة العلويين وإخضاع عوام
المسلمين لها من طريق الخرافات لأجل نسبهم وحده يمكن بقاؤهما في ظل السيادة
البريطانية التي تحمي في الهند عبادة البقر والقرود وشجر الببل والبيبر وغير ذلك
من معبودات الوثنيين، ولكن لا يمكن بقاؤها ولا بقاء هذه الخرافات في ظل حكم
ابن السعود ولا حيث ينتشر المنار، بل يعتقد هذا الغر الجاهل وأمثاله من
الخرافيين أن انتشار المنار في مسلمي جاوه وخاصة جالية الحضرميين من سكانها
هو الذي زلزل تلك الخرافات، وكان سبب تأليف الجمعيات الإرشادية الإصلاحية
التي يناضلونها العداء.
وتلك الكلمة الملعونة مأثورة عن غير العطاس يرحمه الله بالتوبة والإنابة فقد
نقلها لي بعض الناس عن شيخ كبير من أكبر هؤلاء العلويين العارفين بحال العصر،
ولكنه لا يعلم أن بقاء عظمة شرفاء النسب واستعلائهم على عوام المسلمين بالخرافات
والبدع إذا لم تقض عليهما حكومة ابن السعود بنشر السنة وهدم هياكل البدع فإن
الحرية العصرية ستقضي عليهما، ويخشى أن تقضي على الدين الإسلامي نفسه في
بلاد العرب كلها، وأن محاولة إسقاط دولة ابن السعود بالخرافات الرافضية وافتراء
الكذب حماقة وجنون، فقد أخبرني الثقة الثَّبْت أنه قال أمام هذا الشيخ العلوي الذي هو
من أركان دعاة الرفض: إن ما ينقله الغرة عن سيدنا علي رضي الله عنه من أنه كان
يقول: أنا باعث الأمم، أنا محيي الرمم ... مما لا يعقل أن يصدر عنه - أو ما هذا
معناه، فقال له الشيخ العلوي: بل هو فوق ذلك! ! أي إن هذا قليل عليه، ولازمه
أن مقامه مقام الربوبية أو هو هو والعياذ بالله تعالى، وسمعته أنا بمصر يقول:
إن حكومة ابن السعود تجلد مَن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم تحت أستار
الكعبة؟ فهذا مثل لغلوهم ولبهتانهم على ابن السعود أربوا فيه على روافض الإمامية
الذين استحسنوا منع حكومة إيران لرعاياها من أداء فريضة الحج وعَدُّوهُ جائزًا شرعًا
بزعمهم أنه لا أمان لهم على حياتهم في الحجاز - وقد تواتر لدى أهل المشرق
والمغرب من حجاج جميع الأقطار وغيرهم أن الأمان الوارف الظلال في الحجاز في
عصر ابن السعود لم يتمتع الحجاز بخير منه في عصر من العصور بل قلما تمتع
بمثله، حتى إن صاحب مجلة العرفان على تعصبه وتتبعه لعثرات ابن السعود
ونشرها، وعلى افترائه فيها قد نشر بعض ما سمعه من حجاج شيعة بلاده عن أمن
البلاد التام وعن حفاوة ملك الحجاز ونجد بمن زاره منهم، ثم ذكر أن بعض الناس
لامه على نشر ذلك وإن كان حقًّا.
وقد سبق لي أن نصحت لهؤلاء العلويين وبينت لهم الوسيلة الوحيدة التي
يمكن أن تحفظ لهم كرامة عنصرهم بالاستحقاق وهو العلم وخدمة الأمة بالدعوة
والقيام بمصالحها العامة كالمدارس والجمعيات العلمية والخيرية مع التخلق بأخلاق
سلفهم الصالحين، والتأسي بجدهم خاتم النبيين، وسيد ولد آدم أجمعين، صلوات
الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين له ولهم إلى يوم الدين، ولا سيما
خلق التواضع والإيثار على النفس، واعترف لي خاصتهم بقيمة هذه النصيحة،
ولكنهم لم يعملوا بها، لما يعوزهم من السعي الحثيث، والعزم البعيث، والمال
الكثير والجهاد الكبير، ولا سيما جهاد النفس، وغير ذلك مما يعسر عليهم الآن
وزعماؤهم على ما نعلم ... على أن فيهم من أصحاب الدثور وأرباب الجد والنشاط
من يقدرون على تأسيس جمعية تُعْنَى بالقيام بذلك، ولكن زعماءهم رأوا أن هذه
شقة بعيدة، تكبدهم مشقة شديدة، وأن الغلو الرفضي في أجدادهم أقرب منالاً كقول
بعضهم في أحد أئمة آل البيت:
قلامة من ظفر إبهامه ... تعدل من مثل البخاري مائه
ولكن العقيدة الإسلامية الصحيحة تنافي هذا الغلو وأهله ومن فهم الإسلام
وقول الله تعالى لخاتم أنبيائه: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ} (الكهف: ١١٠) إلخ،
يعتقد أن جميع أظافر الصالحين والأنبياء لا تعدل عند الله تعالى أقل رجل مؤمن لا
يشرك به شيئًا، فإن فضائل الأنبياء وغيرهم بأرواحهم وعقولهم وأخلاقهم ومعارفهم
الإلهية التي تترتب عليها أعمالهم الصالحة لا أظافرهم، فما دام علماء هؤلاء
الحضارمة وسادتهم ينشرون فيهم هذه الدعوة ويحاولون تفضيلهم على الناس بهذا
التبجح الباطل المنكر، فلا يزيدهم العالم الإسلامي إلا تحقيرًا وازدراء، بل ذلك مما
يأتي بضد ما يريدون منه بحسب سنة الله تعالى في الخلق، المعبر عنها في عصرنا
بناموس رد الفعل، كما كان الرفض سبب النصب فهم الذين يُجَرِّئُونَ الناس على نقد
أجدادهم أو وضعهم في المواضع التي تليق بعلمهم وعملهم، وبناء التفاضل بينهم وبين
غيرهم على قواعد الشرع الإسلامي، وحينئذ يقولون لهذا الرافضي: إن الإمام محمد
بن إسماعيل البخاري يَرْجُح بمائة ألف من العلويين، بل بالملايين من أمثال هؤلاء
الجاهلين، بل مِن الغَضِّ من كرامته أن يُوزَن بأمثالهم، وإنما يُوزَن بأكبر أئمتهم
فَيَرْجُحُ بالكثيرين منهم.