للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


نبي دعي في دبي

رسالة لصاحب الإمضاء الفاضل جاءتنا في أواخر السنة الماضية فَنُسِيَتْ في
الرسائل المهملة وهي:
قدم (دبي) في أوائل شهر ذي القعدة نبي جديد يُدْعَى (السيد جلال) الهندي
مرسل إلى هداية العجم الكورخردية خاصة - وإلى بعض أفراد من البستكية.
يدعوهم إلى الشرك والخرافات، ويسوقهم إلى (النار) فُرَادى وجماعات (بدجل
وتحاريق) ويوهم البسطاء وضعفاء العقول منهم أنها كرامات.
مال إليه الكثير، وهرع إلى داره الكبير والصغير. يتقدمون بين يديه بذلك
الخشوع التام، ولا كخشوعهم بين يد الملك العلام، وبذلك الانحناء والانكسار،
الذي لا يجوز فعله إلا لله، لا لنبي من الأنبياء، ولا لولي من الأولياء، فضلاً عن
هذا المشعوذ الشيطاني وإن شئت فقل نبي (النار) وذلك بمناسبة (نار) أجَّجَها لهم
ليريهم من آياته العظام، وليبين لهم من خوارقه ومعجزاته، ما يجعلهم يصدقون
برسالته!
وقال ادخلوا فيها باسم الشيطان، واطلبوا المدد مني في أثناء دخولكم إياها
وإذن لا تحرقكم، بل تكون بردًا وسلامًا عليكم! كما كانت بردًا وسلامًا على
إبراهيم عليه السلام. فأطاعوا لأمره، وصدقوا لأول وهلة من قوله، وأخذوا
يتهافتون على تلك (النار) المتقدة، ولسان حالهم يردد (مدد بوهاشم مدد) ظانين
أنها لا تحرقهم ولا تلذعهم ولا تصليهم من حرها، وكأن أبا هاشم نسي أو تناسى
حيث احترقوا جميعًا وتشوهت أعضاؤهم وجسومهم بحروق خطيرة وصاروا عبرة
لمن اعتبر، وآية لمن أراد أن يتذكر، وجلبوا على أنفسهم الخزي والعار، والفضيحة
والشنار، وسببوا على أنفسهم بهذه الفعلة الشنيعة لفت أنظار الناس إليهم ورمقهم لهم
بكل هزء وسخرية، فلا حيا الله (السيد جلال) الذي أحرق هؤلاء المساكين في هذا
الفصل فصل الحر.
وأخيرًا اتضح لعقلاء أهل (دبي) وشقيق أميرها المحبوب الشيخ حشر بن
مكتوم من أعمال هذا المشعوذ الشركية وأفعاله الكفرية فأصدر أمره البات له
بمبارحة بلاده وعند أول (باخرة) رست في ميناء (دبي) سافر عليها , ومن
حسن حظ الكوخردية والبستكية أن (الباخرة) بقيت في الميناء إلى يومين من
ركوبه كانوا يترددون فيهما إليها كل آونة وأخرى زرافات للسلام عليه وموادعته
من جهة أخرى! !
وإني لأشكر أهل (دبي) جميعًا وأخص بالذكر منهم الشيخين الهمامين الشيخ
مانع بن راشد ولي عهد إمارة دبي، والمحسن الكبير الشيخ محمد بن أحمد بن دلوك
على مقاومتهما للبدع والخرافات وتخليصهم لهؤلاء المساكين من هذه الورطة
وإنقاذهم لهم من هذه (النار) التي كاد يقع في شركها ويهوي في هويها الكثير من
أولئك المغفلين الذين هم أتباع كل ناعق فيا لله العجب.
الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لم يأتوا بشيء من الخوارق النارية وإنما أتوا
بمعجزات تبهر العقول وبآيات تحير الألباب وهي من لدن العزيز الحكيم مما تدل
على عظمة الله سبحانه وتعالى وإخلاص العبادة له ولا يشرك معه فيهما سواه، فأي
إيمان يبقى عند اقتحام هذه (النار) وأي تقوى يتقيها الإنسان بعد عمله الشرك،
وقد قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ} (النساء: ٤٨) فليتنبه لهذه الممخرقات السحرية المسلمون وليأخذوا حذرهم من كل
شيطان مريد.
فالواجب على العلماء أن يبذلوا النصيحة للعامة ويأخذوا بأيديهم إلى سبيل
الحق والرجوع إلى الدين الصحيح وينقذوهم من مهاوي الضلال ومظان الشرك،
وإلا فما فضلهم وهم سُكُوتٌ عن مثل هذه الأعمال الشركية، والخزعبلات الخرافية،
كأنهم لا يسمعون، وكأن الأمر لا يعنيهم ولا يهمهم فلا حول ولا قوة إلا بالله.
... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... دبي ...
... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... مبارك بن سيف الناخي
(المنار)
ما دام عوام المسلمين الجهلاء يقبلون كلام الدجالين دعاة الخرافات
والبدع، وخصوم القرآن والسنن، غرورًا بأنسابهم، وانخداعًا بألقابهم، وجهلاً
بشعوذتهم وحِيَلهم التي يسمونها كرامات، فهم لا يزالون عُرْضَة للضلال بمثل هذا
الهندي الدجال , فطوبى للوهابيين المحاربين لهذا الضلال المبين.
وإن من آثار فساد العقول والدين، وموت العلم والعلماء الراسخين، أن يدعي
الولاية أو النبوة مثل هذا الدَّعِي الدجال، ويحاول التلبيس على المغرورين بدعوى
الإسلام، بالإتيان بكرامة تدل على صحة ما قال، فيأتي بما يبوء به بالخزي
والنكال، وهو أن تحرق النار من ادعى أنها لا تحرقهم كرامة له، فهو لم يأت
بشيء يشبه خوارق العادات بشعوذة ولا سحر، فكيف ظلوا متعلقين بأذياله،
ضالين بإضلاله؟