للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


مؤتمر الرياض وشكل الحكومة السعودية

لقد كان في المؤتمر أو مجلس الشورى العام، الذي عقد بالرياض في هذا
العام آيات لأولي النهى والأحلام؛ إذ كان مظهرًا للنشأة الأولى لحكومة الإسلام،
التي تفضل جميع الحكومات النيابية المعروفة في هذه الأيام، وتشير إلى فوائده
العامة بالإجمال:
١- قد أظهر لنا هذا المؤتمر أن حكومة الإمام عبد العزيز آل سعود حكومة
إسلامية شورية مقيدة لا شخصية مطلقة، ملكية الصورة جمهورية الروح،
استقراطية المظهر، ديمقراطية المخبر، بل هي زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد
زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار، وهي أشبه بحكومة الخلفاء الراشدين من كل
حكومة إسلامية جاءت بعدهم إلا حكومة عمر بن عبد العزيز.
٢- أن نجد وملحقاتها هي القطر الوحيد الذي يوجد فيه الجماعة التي تسمى
في عرف الشرع بأهل الحل والعقد، الذين تنعقد الإمامة (أي السلطة العامة)
بمبايعتهم، وتنفذ أحكام الإمام برضاهم وإقرارهم وينعزل بعزلهم، وهم كبار العلماء
وأمراء الأجناد ورؤساء العشائر.
٣- إن هؤلاء الزعماء يدينون الله بوجوب طاعة إمامهم عبد العزيز آل سعود
وعدم عصيانه في معروف، والشعب تَبَعٌ لهم في ذلك، والإمام يدين الله
باستشارتهم في مصالح الأمة العامة، وكل منهما يدين الله بتحكيم كتاب الله وسنة
رسوله صلى الله عليه وسلم فيما يتنازعون فيه، والمرجع في كل ما ذكر قوله
تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن
تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ
خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} (النساء: ٥٩) .
٤- تجدد لعبد العزيز آل سعود باتساع ملكه عهود مع بعض الدول، وتنازع
في بعض المصالح مع بعض البلاد المجاورة لنجد والحجاز، وأقضية وأعمال في
الرعايا الذين تخالف أحوالهم أحوال النجديين، وعرضت لبلاده أحوال غريبة عن
مداركهم ومألوفاتهم كالمواصلات البخارية والبرقية من تلغراف وتليفون وسيارات
وغيرها فلما رآها بعض عوام النجديين في الحجاز الذين لم يكونوا رأوها ولا
سمعوا بها ظنوا أنها من السحر وصنع الشياطين. وقد أنكر بعضهم إقرار إمامهم
كل ما ذكر، وأنكر بعض قوادهم عليه منعهم عن غزو جيرانه، وبعضهم صبره
على أذاهم مع قدرته على الانتقام منهم.
فكان من مقتضى ما ذكرنا من شكل حكومته أن كتب ذلك الكتاب العجيب إلى
العلماء والقواد والرؤساء باستقالته من حكم البلاد والعهد إليهم باختيار غيره مع تأكيد
الوعد بمبايعته لمن يرضونه وطاعته له فكان هذا سببًا لذلك المؤتمر العظيم الذي
جددت فيه الأمة مبايعتها له.
وسنبين في جزء تال حال الشاذين منهم.