للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


خاتمة المجلد التاسع والعشرين للمنار

بسم الله وبحمده نختتم المجلد التاسع والعشرين كما افتتحناه. متبرئين من
حولنا وقوتنا إلى حوله وقوته، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وقد كنا نؤمل أن يتم هذا
المجلد قبل تمام الذي قبله بشهرين لانتظام الإدارة، وحسن استعداد المطبعة، ولكن
قدر الله تعالى أن يتأخر عنه ثلاثة أشهر كاملة، ذلك بأنه تعالى قد ابتلانا بمرض
طالت مدته، وحسنت بفضله ومنته عاقبته، فكان نقمة في الظاهر، ونعمة في
الباطن؛ إذ كنت سمنت حتى زمنت، فاحتميت به حتى اعتدلت، وكنت أسرفت
في العمل حتى سئمت، فتركته أشهرًا حتى استجممت ونشطت، وابتلانا فوق ذلك
بعسرة مالية، أعقبها سعة نسبية، وابتلانا في أثناء ذلك وأطوائه بتضييق أهل
دارنا المستأجرة علينا بزيادة الأجرة، بعد أن تقاضونا لأجلها إلى المحكمة وعاملونا
شر معاملة؛ إذ جاملناهم أحسن مجاملة، فعاضنا الله تعالى دارًا خيرًا منها مكانًا،
وأكرم جيرانًا، وأمتن بناء وجدرانًا، وأرفع سمكًا وسقفًا، وأوسع حجرًا وغرفًا،
وأشرع صففًا وطنفًا، وأنقى هواءًا، وأطيب فناءًا، وأجمل رواءًا، وأحسن مرافق،
وأنظف طرائق، وجعل جل ثمنها نجومًا سنوية، كالكواكب الدرية، والمرجو
من فضله تيسير أدائها عند حلول آنائها، وجَعْل انتهائها، أسهل من ابتدائها.
اقتضى السعي لاختيار الدار ولابتياعها ولإنفاذ ذلك زمنًا إذا أضيف إلى عطلة
المرض، ثم إلى ضيق أوقات رمضان، عما سوى الصيام والقيام وتلاوة القرآن،
ولقاء الإخوان، وقد زاد زائرونا في هذا العام عن المعتاد في أكثر الأعوام، ثم إذا
أضيف إلى كل ذلك الشروع في تهيئة الدار، وبناء مكان في باحتها للمطبعة
والعمال، ومراقبة نقل الآلات والمطبوعات، والأمتعة، والأدوات والماعون
والأثاث، ثم وضع كل شيء في مكانه - يعلم قراء المنار عذرنا في تأخير هذا
الجزء منه ويقابلونه من كرمهم بالقبول، وعسى أن يكون عذر المرجئين
والمسوفين منهم في أداء المتأخر لنا بعض ما علموا من عذرنا، وأن يبادروا وقد
وفيناهم حقهم أن يوفونا حقنا.
***
نحن والرافضة
وأما ما وجه إلينا من النقد في هذه المدة فقد نشرناه وبيَّنا رأينا فيه واضطررنا
إلى تحكيم بعض العلماء فيما اختلف علينا فيه. ومما اضطررنا إليه في هذا المجلد
صد حملات بعض الرافضة على السنة وأهلها عامة، وعلى النجديين وعلينا خاصة،
بعد أن خاب أملنا في رصيفنا وصديقنا التليد الأستاذ الشيخ عارف الزين الذي لم
يكتف بسكوتنا عن إسرافه في نزعته الشيعية، وإكثاره من التعريض بنا ثم
التصريح بالطعن علينا في مجلته التاريخية الأدبية، حتى جاهر أخيرًا في إذاعة
دعاية غلاة فرقته ونشر كتبهم في مهاجمة السنة ومحاولة إغواء أهلها، ولما نبذنا
إليه وإليهم على سواء، وعلم كما علموا أن بني عمهم فيهم رماح، لجأ في الدفاع
إلى القذع بالسب والشتم، ثم إلى التهديد بما هو شر وأدهى وأمر، وأقول له
ولصاحبي (كشف الارتياب) ، و (الكلمات) ذينك الكتابين المؤلفين لهدم أركان
السنة، وهي أشد من السماء خلقًا وأرفع سَمْكًا، وللإدالة منها للبدعة، وهي أظهر
بطلانًا ومحكًّا، أقول لهم: إن صاحب المنار لا يخشى منهم ولا من أولي نحلتهم
ردًّا؛ لأنه يطلب الحق لذاته لا لمذهب ولا لفرقة ولا لشخص، فإن ظهر له الحق
على لسان أي إنسان قبله مسرورًا مرتاحًا، وأما السبابون والبُهْت فإنه يعرض عنهم،
ويرى أنهم عون له على أنفسهم.
***
انتقاد أو جهالة يوسف نجم
ومرآة الغرب
ومما انتقد علينا ولم يكتب به إلينا، مقالات لعامي سوري أو لبناني اسمه
يوسف نجم نشرها في جريدة مرآة الغرب العربية التي تطبع في مدينة نيويورك
قرأنا بعضها وأعرضنا عن بعض؛ لأنها جهل محض، ودعاوي غرور وإفك لا
تستحق أن يعنى بالرد عليها، وإنما عجبنا لنشر مرآة الغرب لها؛ لأننا كنا ظننا
أنها رجعت عما كانت عليه من الطعن في الإسلام والمسلمين، فإذا هو من المقاصد
الدينية التي تخبو أحيانًا ثم تعود إلى تسعرها والتهابها، كما جاء في مقال نشر في
جريدة الأخبار المصرية في الرد على نجمها وعليها.
وأخيرًا: جاءنا كتاب من تاجر مسلم في هفانا يذكر فيه طعن يوسف أحمد
نجم في الإسلام ومذاهبه وعلمائه المتقدمين والمتأخرين ولا سيما المصلحين حتى
السيد جمال الدين وكتابه المشهورين في تعظيم شأنه والدفاع عنه كالأمير شكيب
أرسلان وصاحب المنار ويقول: إنه داعية للنصارى بلسانه وقلمه كما أنه عدو
للإسلام بلسانه وقلمه، ويتحامل عليه بما لم نسمع مثله من النصارى أنفسهم، ثم
يستفتينا في يوسف نجم هذا بما سننشره في الجزء الآتي مع الجواب عنه إن شاء
الله تعالى.
هذا وإننا نرجو أن يوفقنا الله تعالى في عامنا الجديد، لزيادة العناية بالمنار
وتنويع فوائده، كما نرجو من محبي الإصلاح أن يعينونا بأفكارهم وأقلامهم على
الدفاع عن الحق والدين، ومناضلة الملاحدة والمتفرنجين، والله ولي المتقين،
وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.