للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


مشروع الاتفاق الجديد
بين إنكلترة ومصر

ذهب صاحب الدولة محمد باشا محمود سليمان إلى إنكلترة مصطافًا، ولم يكن
يخطر بباله أن الفرصة سانحة لعقد اتفاق جديد بين إنكلترة ومصر؛ ولكن فاجأه
فيها أن وزارة العمال الجديدة أكرهت المندوب السامي (لورد لويد) على الاستقالة
من منصبه كراهة؛ وإنكارًا لما كان من استبداده بمصر وافتئاته عليها، ثم فاجأه أن
فتح له وزير الخارجية البريطانية باب المفاوضة في المسألة المصرية على
مصراعيه فولجه ووقع ما توقعناه في مقالنا الماضي، فانتهت هذه المفاوضة بعرض
وزير الخارجية الاقتراحات التالية لأجل أن تُعْرَض على الأمة المصرية في برلمان
قانوني، فإن قبلها عرضتها الحكومة البريطانية على برلمانها وأوصته بقبولها،
وهذا نص ترجمتها على ضعف فيها:
اقتراحات وزير خارجية إنكلترة لتسوية العلاقات الإنجليزية المصرية
١- ينتهي احتلال مصر عسكريًّا بجيوش ملك بريطانيا العظمى.
٢- تُعقد محالفة بين الدولتين المتعاقدتين توطيدًا لصداقتهما، والتفاهم الودي
وحُسن العلاقات بينهما.
٣- أن مصر رغبة منها في أن تصبح عضوًا بجمعية الأمم ستقدم طلبًا
للانضمام إلى تلك الجمعية طبقًا للشروط التي نص عليها في المادة الأولى من عهد
الجمعية، وتتعهد حكومة جلالته البريطانية بتأييد هذا الطلب.
٤- إذا قام أي نزاع مع دولة ثالثة نشأت عنه حالة تنذر بخطر قطع العلاقات
مع تلك الدولة؛ فإن الفريقين المتعاقدين يعملان معًا بقصد تسوية ذلك النزاع
بالوسائل السلمية طبقًا لنصوص عهد جمعية الأمم ونصوص أي تعهد دولي يمكن
تطبيقه على تلك الحالة.
٥- يتعهد كل من الفريقين المتعاقدين أن لا يقف في البلاد الأجنبية موقفًا لا
يتفق مع هذه المحالفة، أو ينشئ صعابًا للفريق الآخر، وعملاً بهذا التعهد لا يقاوم
أحدهما سياسة الآخر في البلاد الأجنبية، ولا يعقد مع دولة ثالثة أي اتفاق سياسي
قد يكون مجحفًا بمصالح الآخر.
٦- تعترف حكومة جلالته البريطانية بأن تبعة المحافظة على أرواح الأجانب
في مصر وأملاكهم تقع من الآن فصاعدًا على عاتق الحكومة المصرية، ويتكفل
جلالة ملك مصر بتنفيذ تعهداته بهذا الشأن.
٧- إذا اشتبك أحد الفريقين المتعاقدين في حرب رغم نص الفقرة ٤ الواردة
آنفًا؛ فإن الفريق الآخر يبادر لمعونته مع مراعاة نص الفقرة ١٤ التي ستُذكر فيما
بعد وذلك بصفته حليفًا، وبوجه خاص فإنه في حالة وقوع حرب أو خطر وقوع
حرب يقدم جلالة ملك مصر إلى جلالته البريطانية في الأراضي المصرية جميع
التسهيلات والمساعدات التي في وسعه، ومن ذلك استخدام موانئه ومطاراته
ووسائل مواصلاته.
٨- نظرًا إلى الرغبة في توحيد نظام التعليم والأساليب في الجيشين المصري
والبريطاني يتعهد جلالة ملك مصر بأنه إذا رأى من الضروري الالتجاء إلى مدريين
عسكريين أجانب؛ فإنهم يُختارون من الرعايا البريطانيين.
٩- تسهيلاً وضمانًا لمحافظة جلالته البريطانية على قناة السويس بصفة كونها
طريقًا ضروريًّا للمواصلات بين أجزاء الإمبراطورية المختلفة - يجيز جلالة ملك
مصر لجلالته البريطانية أن يبقي على الأراضي المصرية، وفي مواقع يتفق عليها
فيما بعد شرقي الدرجة ٣٢ من خطوط الطول: القوات التي يراها جلالته
البريطانية لازمة لهذا الغرض، ووجود هذه القوات لا يعتبر احتلالاً بأية حال من
الأحوال، ولا يمس حقوق سيادة مصر.
١٠- نظرًا إلى الصداقة بين الدولتين، وإلى المحالفة المرجو عقدها بهذه
الاقتراحات؛ فإن الحكومة المصرية عند احتياجها لخدمات موظفين أجانب تستخدم
رعايا بريطانيين كقاعدة عامة.
١١- يعترف جلالة ملك بريطانيا العظمى بأن نظام الامتيازات القائم في
مصر الآن لا يلائم روح العصر، ولا حالة مصر الحاضرة، وعليه فإن جلالته
البريطانية يتعهد ببذل كل ما له من نفوذ لدى الدول ذوات الامتيازات في مصر لنقل
اختصاص المحاكم القنصلية الحالي إلى المحاكم المختلطة، وتطبيق التشريع
المصري على الأجانب بشروط تضمن مصالحهم المشروعة.
١٢- نظرًا إلى الصداقة بين الفريقين المتعاقدين، وإلى المحالفة المراد عقدها
بموجب الاقتراحات الحاضرة، يمثل جلالة ملك بريطانيا العظمى لدى بلاط جلالة
ملك مصر سفير يعتمد بالطرق المرعية، ويحفظ جلالة ملك مصر أسمى مركز
سياسي في بلاطه لممثل جلالته البريطانية. ويمثل جلالة ملك مصر سفير لدى بلاط
سانت جيمس.
١٣- مع الاحتفاظ بحرية عقد اتفاقات جديدة في المستقبل تعديلاً لاتفاق سنة
١٨٩٩ يتفق الفريقان المتعاقدان على أن تكون حالة السودان هي الحالة المترتبة
على الاتفاق المذكور، وعلى ذلك يواصل الحاكم العام استعمال السلطة المخولة له
بموجب الاتفاق المذكور بالنيابة عن الفريقين المتعاقدين.
١٤- لا يُقصد بهذه الاقتراحات، ولا يمكن أن ينبني عليها الإخلال بالحقوق
والالتزامات المترتبة أو التي يمكن أن تترتب لأحد الطرفين المتعاقدين أو عليه
بمقتضى عهد جمعية الأمم أو ميثاق نبذ الحرب الموقع عليه في باريس في ٢٧
أغسطس سنة ١٨٢٨.
١٥- يتفق الفريقان المتعاقدان على أن أي خلاف ينشأ بينهما في تطبيق
نصوص هذه الاقتراحات أو تفسيرها مما لا يتسنى لهما تسويته بالمفاوضات مباشرة
يُعالج بمقتضى نصوص عهد جمعية الأمم.
١٦- في أي وقت بعد انقضاء خمس وعشرين سنة من نفاذ معاهدة تبنى على
الاقتراحات المار ذكرها، يجوز إجراء أي تعديل في شروطها يُرى من الملائم
عمله وفقًا للظروف القائمة وقتئذ، وذلك بالاتفاق بين الفريقين المتعاقدين.
المذكرات المفسرة لهذه المقترحات
الجيش
المذكرة البريطانية
حضرة صاحب الدولة:
في خلال محادثاتنا الأخيرة نشأت بعض مسائل عسكرية، وتم النظر فيها بأتم
العناية، وتنقسم هذه المسائل بطبيعتها إلى قسمين:
أولهما: ما يتعلق بقوات الجيش المصري التي قد يمكن أن تدعى لمعاونة
القوات البريطانية المحالفة معاونة فعلية فيما لو نشأت لسوء الحظ أحوال من التي
أُشير إليها في الجملة الأولى من الفقرة السابعة من الاقتراحات.
وثانيهما: المسائل الخاصة بالقوات البريطانية التي سيكون مقامها بجوار
قنال السويس طبقًا للفقرة (٩) لضمان الدفاع عن ذلك الشريان الحيوي من طريق
المواصلات البريطانية الإمبراطورية.
فأما فيما يتعلق بالقسم الأول فقد اتفقنا على ما يأتي:
١- ينتهي النظام الحالي الذي يقوم بموجبه المفتش العام وأركان حربه بتأدية
بعض الوظائف، ويسحب الموظفون البريطانيون من الجيش المصري.
٢- على أن الحكومة المصرية ترغب وفقًا للفقرة الثامنة من الاقتراحات في
الإنتفاع بمشورة بعثة عسكرية بريطانية، وحكومة جلالة ملك المملكة المتحدة
وشمالي أرلندا تتعهد بتقديم بعثة كهذه.
وترسل الحكومة المصرية موظفي الجيش المصري لتدريبهم في بريطانيا
العظمى فقط، وتتعهد حكومة جلالته من جانبها بقبول جميع الموظفين الذين تريد
الحكومة المصرية إرسالهم إلى بريطانيا العظمى لهذا الغرض.
٣- لمصلحة التعاون الوثيق المشار إليه آنفًا يجب أن لا يختلف نوع الأسلحة
والمهمات في الجيش المصري.
وتتعهد حكومة جلالته بالتوسط لتسهيل الحصول على تلك الأسلحة والمهمات
من بريطانيا العظمى كلما أرادت الحكومة المصرية ذلك.
أما فيما يتعلق بالقوات البريطانية المشار إليها في الفقرة (٩) من الاقتراحات:
١- فإن الحكومة المصرية تقدم مجانًا لحكومة جلالته الأراضي والثكنات ...
إلخ في الأماكن التي يتفق عليها وتكون معادلة لما تشغله القوات البريطانية في مصر
في الوقت الحاضر.
وعند إكمال المحال الجديدة تُنقل تلك القوات إليها وتُسلم الأراضي والثكنات
إلخ ... بعد إخلائها إلى الحكومة المصرية.
ونظرًا إلى العقبات الفنية التي تعترض إجراء النقل تدريجيًّا؛ فإنه ينتظر إكمال
المحال الجديدة، ثم يؤخذ في النقل.
ونظرًا لطبيعة المنطقة الواقعة شرقي درجة ٣٢ من خطوط الطول، فتُتخذ
التدابير لتقديم وسائل الراحة المعقولة بزراعة أشجار وحدائق وهلم جرًّا للجنود،
ومدهم أيضًا بمورد للماء العذب يكون كافيًا في الأحوال الطارئة.
٢- تستمر الامتيازات التي تتمتع بها الجيوش البريطانية في مصر في
المسائل القضائية والمالية، ويجوز تعديل ذلك في المستقبل بالاتفاق بين الحكومتين.
٣- تمنع الحكومة المصرية مرور الطيارات فوق الأراضي الواقعة على كلتا
ضفتي قناة السويس إلى مدى عشرين كيلو مترًا منها إلا في حالة الاتفاق بين
الحكومتين على عكس ذلك.
على أن هذا المنع لا يتناول قوات الحكومتين أو الخطوط التي تقوم بتسييرها
هيئات بريطانية أو مصرية حقيقية تعمل تحت سلطة الحكومة المصرية.
قد اتفقنا أيضًا على أن تقدم الحكومة المصرية جميع التسهيلات اللازمة
للطيارات الحربية البريطانية وموظفيها ومهماتها المتجهة إلى المطارات الموضوعة
تحت تصرف القوات البريطانية طبقًا للفقرة (٩) من الاقتراحات أو القادمة من
تلك المطارات.
وتقدم حكومة جلالته التسهيلات الملائمة للطيارات الحربية المصرية
وموظفيها ومهماتها في الأراضي الواقعة تحت مراقبتها.
(هذا نص ترجمة المذكرة البريطانية في المسألة العسكرية، وقد أجاب
عليها رئيس الوزارة المصرية بالموافقة التامة، ويليها مذكرات متبادلة في مسائل
المستشارين المالي والقضائي، والبوليس الأجنبي، وإلغاء الامتيازات الأجنبية
والموظفين الأجانب، كلها في الدرجة الثانية من عظم الشأن) .
المذكرات في مسألة السودان
مسألة السودان أهم مسائل هذا الاتفاق على الإطلاق لأن مصر لا حياة لها
بدون السودان، فهو منها بمنزلة القلب من البدن، والنيل الآتي منه بمنزلة الدم
الذي يغذي الجسد ويحفظ حياته، وقد ورد في شأنه ثلاث مذكرات بريطانية أجاب
عن كل منها وزير مصر بالموافقة (إحداها) مسألة الديون التي على مصر، وقد
اتفق الفريقان (على أن تفحص مسألة الديون التي على السودان في الوقت الحاضر
بقصد تسويتها على أساس العدل والإنصاف) (الثانية) مسألة (جعل الاتفاقات
الدولية منطبقة على السودان) وقد اتفقا على أن هذه الاتفاقات ستكون (فنية أو
إنسانية) وأن الاتفاق عليها سيكون بين مندوبين عن الحكومتين، وفي هذا من
الإبهام والغموض ما يخول إنكلترة تفسيره كما تريد (الثالثة) مسألة عود الجنود
المصرية إلى السودان، وفي المذكرة البريطانية أنه إذا نُفِّذَتْ المعاهدة بالروح
الودية التي تفاوض فيها الفريقان في هذه الاقترحات؛ فإن الحكومة البريطانية
(تكون مستعدة لأن تفحص بروح العطف الاقتراح بشأن عودة أورطة مصرية إلى
السودان في الوقت الذين تنسحب فيه القوات البريطانية من القاهرة) ! !
وقد أجمع الناس هنا وفي أوربة على أن هذه المقترحات وتفاسيرها أعظم
تساهل وسماح صَدَرَ عن حكومة بريطانية مع مصر، وسنتكلم عليه في الجزء
الآتي إن شاء الله تعالى.
((يتبع بمقال تالٍ))