للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: عبد الحميد سعيد


نداء إلى ملوك الإسلام وشعوبه جميعًا [*]

وإلى علماء الحرمين الشريفين، ورجال المعاهد الإسلامية من أعلام الأزهر
وملحقاته في المملكة الإسلامية، وجامع الزيتونة في تونس، وجامع القرويين في
فاس، ومعهد ديوبند في الهند، ومعهد النجف في العراق، وإلى الجمعيات
الإسلامية في أنحاء الأرض، ولا سيما جمعيات الهند: جمعيات الخلافة في بومباي،
وجمعية العلماء في دهلي، وجمعية أهل الحديث في دهلي. وجمعيات إندونيسيا:
اتحاد الإسلام في سومطرا، وشركة إسلام في جاوة، والجمعية المحمدية في
جكجاكرتا وإلى المجلس الإسلامي الأعلى في القدس، والمجلس الإسلامي في
بيروت، وإلى جمعية ترقِّي الإسلام في الصين، وإلى الصحف الشرقية على
اختلاف لغاتها ولهجاتها:
إن أمة البربر التي استهدت بالإسلام منذ العصر الأول، والتي طالما اعتمد
عليها الإسلام في فتوحه وانتشاره، وطالما استند إليها مستنجدًا أو مدافعًا في خطوبه
العظمى.
هذه الأمة التي سارت مع طارق إلى أسبانيا، ثم مع عبد الرحمن الغافقي إلى
فرنسا، ومع أسد بن الفرات إلى صقلية.
هذه الأمة التي كانت منها دولتا المرابطين والموحدين، فكانت لها في تاريخ
الإسلام أيام غراء مجيدة.
هذه الأمة التي ظهر منها العلماء الأعلام، والقادة العظام، والتي لرجالها في
المكتبة الإسلامية المؤلَّفات الخالدة إلى يوم الدين.
هذه الأمة التي تبلغ في المغرب الأقصى وحده أكثر من سبعة ملايين نسمة [١]
تريد دولة فرنسا الآن إخراجها برمتها من حظيرة الإسلام بنظام غريب تقوم به
سلطة عسكرية قاهرة ممتهنة به حرية الوجدان، ومعتدية على قدسية الإيمان، بما
لم يعهد له نظير في التاريخ.
لقد وردت على مصر كتب من الثقات في المغرب الأقصى تذكر أن فرنسا قد
استصدرت ظهيرًا سلطانيًّا تاريخه ١٧ ذي الحجة سنة ١٣٤٨ (١٦ مايو سنة
١٩٣٠) ونشرته الجريدة الرسمية في المغرب بعددها رقم ٩١٩ تنازل فيه سلطان
المغرب لها عن الإشراف على الأمور الدينية لأمة البربر، وإن فرنسا قد بدأت
بالفعل في تنفيذ ذلك الظهير، فقامت السلطة العسكرية في المغرب الأقصى تحُول
بين ثلاثة أرباع السكان وبين القرآن الذي كانت به حياتهم مدة ثلاثة عشر قرنًا،
فأبطلوا المدارس القرآنية ووضعوا قلوب أطفال هذه الملايين وعقولهم في أيدي أكثر
من ألف مبشر كاثوليكي بين رهبان وراهبات، يديرون مدارس تبشيرية للبنين
والبنات. وأقفلوا جميع المحاكم الشرعية التي كانت في تلك الديار، وأجبروا هذه
الملايين من المسلمين على أن يتحاكموا في أنكحتهم ومواريثهم وسائر أحوالهم
الشخصية إلى قانون جديد سنّوه لهم، أخذوه من عادات البربر التي كانت لهم في
جاهليتهم، وهي عادات لا تتفق مع الحضارة ولا تلائم مستوى الإنسانية، وحسبنا
مثالاً على انحطاطها وقبحها أنها تعتبر الزوجة متاعًا يعار ويباع، وتورث ولا
ترث. وأنها تجيز للرجل أن يتزوج ما شاء كيف شاء ولو أخته فمن عداها في عقد
واحد، وأن قانونًا كهذا القانون يسن للمسلمين مخالفًا للإسلام يعد مَن رضي به
مرتدًّا عن الإسلام بإجماع علماء المسلمين.
إن فرنسا التي تبث الدعاية في أمم الأرض بأنها أمة الحرية قد أجبرت رجال
حكومة المغرب المسلمين على أن يتركوا دينهم بتنازلهم عما للسلطان من الحق في
إقامة أحكام الشرع الإسلامي بين رعاياه من قبائل البربر وجماهيرهم، والاعتراف
لحكومة الحماية الفرنسية بأنها صارت صاحبة التصرف في دينهم وأمورهم
التشريعية والتهذيبية، وهو ما لا تملك الحكومة الحق في التنازل عنه. ومنذ
استصدر الفرنسيون ظهيرًا (مرسومًا) من سلطان المغرب بهذا التنازل اعتبروا
جميع المدارس القرآنية ملغاة، وجميع العبادات الإسلامية معطلة، ووكلوا أمر تعليم
أطفال المسلمين إلى الرهبان توطئة لتنصير هذه الأمة عقيدة وعبادة وعملاً، وحالوا
بين جميع مناطق البربر وبين علماء المسلمين ورؤسائهم فلا يتصل بها أحد منهم.
أيها المسلمون: قد أجمع علماؤكم من جميع المذاهب على أن مَن رضي بارتداد
مسلم عن دينه يكون مرتدًّا برضاه عن ذلك، فيجب على جماعات المسلمين وطوائفهم
وجمعياتهم وأفرادهم أن يرفعوا أصواتهم بالاحتجاج على هذا العمل المنكر الفظيع،
بكل ما في وسعهم، كُلٌُّ بحسب ما يليق به، فإذا لم ينفع الاحتجاج فكر المسلمون في
الوسائل المجدية. وإن في وسعكم - أيها المسلمون - أن تجبروا دولة فرنسا على
احترام إسلام هذا الشعب الكبير وتركه يتمتع بحريته الدينية والوجدانية؛ لأن حرية
الدين والوجدان حق من حقوق الإنسان يجب على الإنسانية حمايته من عبث
العابثين، واعتداء المعتدين.
لقد سلكت دولة فرنسا مع إخواننا مسلمي المغرب سبيلاً غير سبيل الرفق
والنصح، فجردتهم من وسائل النهوض، وحالت بينهم وبين التعليم الصحيح،
وأنفقت أموال أوقافهم الإسلامية ضد ما وقفت له، واختصتهم بشر النصيبين من
كل ما تتصل به مصالح الوطنيين والأجانب. وإن في المسلمين من كان يعرف هذا
ويتغاضى عنه إلى حين، رجاء أن يجعل الله لأهل المغرب فرجًا من عنده. ولكن
امتداد يد السلطة القاهرة في المغرب إلى دين الإسلام، واعتداءاتها على حرية
العقيدة والعبادة، قد أوصل هذا العدوان إلى الحد الذي ليس بعده حد، فحق على كل
مسلم أن يبادر إلى إنكار هذا المنكر بكل وسيلة يستطيعها.
يجب أن تعلم فرنسا أن الإسلام لم يمت، وأن المسلمين قد استيقظوا، وصار
بعضهم يشعر بما يصيب البعض الآخر من اضطهاد في دينه ودنياه، وأن بناء
مسجد في باريس يؤخذ باسمه ملايين الفرنكات من أوقاف الحرمين الشريفين
وملايين أخرى من الإعانات الجبرية من جميع مسلمي إفريقية مع إعانات أخرى
من سائر العالم الإسلامي - لا يمكن لفرنسة أن تجعله حجة على حرية الإسلام
ومودة المسلمين في مملكتها - التي تسميها أحيانًا إسلامية - مع هذا الجرم الفظيع
الذي شرعت فيه أخيرًا وظنت أنها تنزع به بضعة ملايين من حظيرة الإسلام بنظام
تنفذه قوة عسكرية قاهرة.
إن فرنسة إذا لم ترجع عن هذه الجريمة فإن العالم الإسلامي يعتبر ذلك
مجاهرة منها بعداوته، وسيعلن ذلك على منابر المساجد، وعلى صفحات المجلات
والجرائد، وفي حلقات الدروس الدينية، وفي نظم الجمعيات الإسلامية.
لقد حان حين امتحان أحرار أوربة فيما يدَّعونه من الانتصار لحرية العقيدة
والوجدان، حتى لقد رضوا بكثير من المنكرات التي يعترفون أنها منكرات، وذلك
حرصًا منهم على بقاء الحرية طليقة من قيودها، وإن أقدس الحريات حرية
الوجدان والاعتقاد، وأسوأ ما أصيبت به هذه الحرية في هذا العصر محاولة فرنسة
أن تحول المغرب الأقصى عن إسلامه إلى النصرانية أو ما شاءت أن تحوله إليه.
لقد سمعنا صوت أوربا - حكوماتها وشعوبها - يرتفع عاليًا باستنكار ما فعلته
روسيا البولشفية من إقفالها بعض المعابد، مع أن يد البولشفيك الحديدية امتدت إلى
الحجارة والطوب، ولم تمتد إلى النفوس والقلوب [٢] ، فالعالم الإسلامي ينتظر من
أوربا التي احتجت على عمل السوفييت في الكنائس أن تقول لفرنسا كلمتها الصريحة
في عدوانها على دين الإسلام في المغرب الأقصى ومنعها سبعة ملايين من البشر
منعًا رسميًا مؤيدًا بالسياسة والجيش من أن يسكنوا إلى دينهم وأن يتصلوا بإخوانهم
المسلمين اتصالاً روحيًّا يطمئنون إليه ويرتاحون له.
فيا أيها المسلمون إن دينكم مهدد بالزوال من الأرض، فإن فرنسة إذا أمكنها
تنفيذ مشروعها هذا في المغرب فستحذو حذوها جميع دول أوربة في المشرق. وقد
وجب عليكم في هذه الحال بذل أنفسكم وأموالكم في سبيل الدفاع عن دينكم، فما
الذي يمنعكم من الدفاع عنه؟ ! والله يقول: {فَلاَ تَخَافُوَهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} (آل عمران: ١٧٥) ويقول: {وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ
إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي
الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (البقرة: ٢١٧) ويقول:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} (محمد: ٧)
ويقول: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ المُؤْمِنِينَ} (الروم: ٤٧) .
... ... ... ... محمد شاكر ...
وكيل مشيخة الأزهر سابقًا
... عبد الحميد سعيد ... ... ... ... محمد رشيد رضا
الرئيس العام لجمعية الشبان المسلمين ... ... ... منشئ مجلة المنار
... خليل الخالدي ... ... ... ... أبو بكر يحيى باشا
رئيس الاستئناف الشرعي بفلسطين ... المستشار بمحكمة الاستئناف سابقًا
علي جلال الحسيني بك ... ... ... ... علي سرور الزنكلوني
المستشار بمحكمة الاستئناف سابقًا ... ... من علماء الأزهر الشريف
محمود أبو العيون ... ... ... ... محمود شلتوت
من علماء الأزهر الشريف ... ... ... من علماء الأزهر الشريف
ميرزا مهدي رفيع مشكي ... ... ... محمد عبد اللطيف دراز
من علماء الأزهر الشريف ... ... من علماء الأزهر الشريف
محمود الغمراوي ... ... ... ... عبد المجيد الربيعي
من علماء الأزهر الشريف ... ... ... ... من العلماء
الدكتور يحيى أحمد الدرديري ... ... ... محب الدين الخطيب
المراقب العام لجمعية الشبان المسلمين ... ... منشيء مجلة الزهراء والفتح
صالح جودت بك المحامي ... ... ... ... طنطاوي جوهري
عبد الصمد شرف الدين الهندي الفاروقي ... محمد الههياوي
محمود يونس الأندونسي ... ... ... السيد محمد عفيفي المحامي
خريج دار العلوم
***
(المنار)
اجتمع أصحاب هذه التواقيع في نادي جمعية الشبان المسلمين بالقاهرة
وبحثوا في المكتوبات التي وردت من المغرب الأقصى في شأن شعب البربر فيه
وأجمعوا على إصدار هذا النداء ووقعوه بأيديهم كما ترى، وقرروا أن تسعى إدارة
جمعية الشبان المسلمين لعرضه على بعض علماء المذاهب في الجامع الأزهر
ووجهاء المسلمين لإمضائه، وبالقيام بتبليغه لمَن هو موجَّه إليهم في العالم الإسلامي
كله - وبتأليف وفد من رئيس الجمعية والسيد محمد رشيد رضا صاحب المنار
الإسلامي ليذهب إلى الإسكندرية ويرفعه قبل كل شيء إلى صاحب الجلالة ملك
مصر ويرجو صاحب الدولة وكيل ديوانه السامي أن يبلغ جلالته آمال واضعي
النداء في غيرته الإسلامية - وبالقيام بتبليغه إلى رئيس جمهورية فرنسة وجمعية
الأمم وبعض الصحف الأوروبية الشهيرة.
وقد شرعت الجمعية في تنفيذ ما عهد إليها؛ لأنها تعده أقدس الواجبات عليها،
فذهب الوفد إلى الإسكندرية وانضم إليه فيها فضيلة الأستاذ الشيخ محمد تاج الدين
مراقب التعليم في معهد الإسكندرية الديني من قبل جمعية الشبان المسلمين فيها
فذهب الثلاثة إلى قصر رأس التين ورفعوا النداء إلى دولة رئيس الديوان الملكي
وبلغوه ما كُلفوا أن يبلغوه إياه، وكلموا معالي رئيس الأمناء ورجاله في الموضوع
أيضًا، فقابلهم جميع رجال القصر أحسن المقابلة الدالة على العناية بالموضوع.
وعرض النداء على صاحب الفضيلة الشيخ محمد الأحمدي الظواهري شيخ
الأزهر ليمضيه فأبى ولم يصدر نداءً ولا إنكارًا غيره! ، فاستنكر منه هذا كل مَن
عرفه من المسلمين أولي الغيرة وخاضت فيه الجرائد وكان أشد ما نُشر فيها إنكارًا
وتثريبًا عليه كتاب مفتوح بإمضاء عبد الحميد بك سعيد رئيس جمعية الشبان
المسلمين، ومقالة بإمضاء مسلم نُشرت في جريدة (العلم المصري) . وإنكار جريدة
المؤيد الجديد ولا نستحسن نشر شيء من ذلك في المنار. ولكن أمضى النداء كثير
من العلماء وسائر الطبقات الراقية، وتوالت علينا وعلى جميع الصحف - ولا سيما
الإسلامية - الاحتجاجات بالطعن في الدولة الفرنسية والتحريض على عداوتها
ومقاطعتها، بعضها من الجمعيات المنظمة وبعضها من الجماعات التي اجتمعت
لأجل ذلك في مدن القطر المصري وفلسطين، وقد نشر كثير من ذلك ولا يزال
يُنشر في الجرائد اليومية؛ إذ هي التي تتسع له.
ولم يتصدَّ للدفاع عن فرنسة في هذا العمل المنكر إلا جريدة الأهرام فكذبت
الخبر وهي تعلم صدقه، وطعنت في واضعيه بدون أدب، فردت عليها الصحف
الإسلامية ردودًا شديدة، ووصفوها بالتعصب الفرنسي والمسيحي وكراهة الإسلام.
وردت عليها جمعية الشبان المسلمين ردًّا أدبيًّا لم تَرَ بُدًّا من نشره، ومما ردت به
عليها الجمعية وغيرها أن حكومة فرنسا لم تكذب الخبر وكان وزيرها المفوض
بمصر أحق بتكذيبه لو لم يكن حقًّا وعلى إثر ذلك نشرت الأهرام - ثم غيرها -
البلاغ التالي من قِبَل المفوضية الفرنسية بمصر:
مسألة قبائل البربر
بيان المفوضية الفرنسية
(بترجمة الأهرام)
ترى المفوضية الفرنساوية أن من المفيد نشر البيان التالي بناءً على ما تلقته
من طلبات الاستفهام العديدة عن موضوع نظام الأحوال الشخصية لقبائل البربر في
بلاد المغرب، ففي ١٦ مايو سنة ١٩٣٠ أصدر سيدي محمد سلطان المغرب ظهيرًا
يجعل لبلاد البربر نظامًا مشروعًا في المشاكل القضائية.
فهذا القرار الذي يشرك السلطان وفرنسة في خدمة العدالة نحو قبائل البربر
دون مساس بعقيدتهم الدينية الإسلامية هو التتمة المنطقية لظهير سابق صادر من
المأسوف عليه السلطان مولاي يوسف بتاريخ ١١ سبتمبر سنة ١٩١٤ وفيه التسليم
للبربر بنظامهم الخاص المبني على التقاليد، وعلى حقهم بأن يحتفظوا بنظامهم،
الأمر الذي لم يجادل فيه أي مسلم حتى أشد العلماء تدينًا! .
والست عشرة سنة التي مرت بين صدور الظهيرين بالدرس والتفكير أظهرت
إظهارًا كافيًا أن عمل فرنسة في المغرب لا يتطرق إليه شك بالتسرع والخفة.
والنص الجديد لا يزيد فوق ما تقدم على أن يجعل الواقع المتبع منذ القديم
أمرًا مشروعًا. فليس هناك إذن قرار تحكمي ولا ابتداع بل تقرير مشروعية حالة
موجودة ومرعية منذ أبد الدهور ومعترف بها في الظهير الصادر في سنة ١٩١٤
وذلك بالتوفيق بين هذه الحالة والضرورات الحاضرة للقضاء والإدارة.
ويتناول الظهير ثلاثة أمور:
الأول - اختصاص القانون المعترف به بين البربر والجهات الأخرى أيضًا
ضمن حدوده ذاتها.
الثاني - الاختصاص القانوني للجماعة المتبع في جميع الأعمال المدنية
والتجارية وفي الثوابت والمنقولات ونظام الإرث والأحوال الشخصية.
الثالث - إدخال قاضٍ فرنساوي بين العدول الوطنيين في المسائل الجنائية
فقط.
ولا شك بأن هذا الظهير يتفق مع أماني البربر المغاربة كما تدل الرسائل
العديدة التي وصلت إلى رباط بشكر السلطان، والسلطان لا يجد في ذلك انتقاصًا
من سلطته؛ لأن القضاء في بلاد البربر يصدر بعد اليوم باسمه والقضاة يعينون
بقرارات وزارية.
وأقوى سلاطين المغرب وأشدهم تدينًا احترموا دائمًا عادات وتقاليد البربر
المختلفة عن قواعد الشرع! فلم يكن بوسع فرنسا أن تفعل غير ذلك، لا سيما أن
المبدأ الأساسي للحماية هو عدم التدخل في المسائل الدينية.
ويجب أن يكون جميع المسلمين واثقين من الحياد الفرنساوي التام في المسائل
الدينية الصرفة، والبربر مسلمون وسيظلون مسلمين.
وقد قدمت فرنسا في الجزائر من الأدلة على احترام الحرية ما يكفي حتى لا
تتهم بأنها تعمل خفية في الغرب ما لم تعمله أبدًا في الشرق.
وفوق ما تقدم أليس تشجيعًا - وبفضل تنظيم المالية المغربية على يديها -
ترمم الآن المساجد المتهدمة والمدارس التي كانت مقفرة؟ !
***
تعليق المنار على هذا البلاغ
في هذا البلاغ ما يرى القراء من الإبهام والإيهام المعهودين في البلاغات
السياسية، وهو مع هذا يدل على صدق الأنباء التي جاءت من عدة مدائن من
المغرب الأقصى في مسألة البربر، فكانت سبب إصدار البيان العام المتقدم، وعلى
بطلان تكذيب الأهرام لها، فهو يعترف بالظهير السلطاني الذي بنت عليه فرنسة
وضع نظام مبتدع للقضاء في البربر دون سائر المسلمين، ولكنه يدعي أن هذا النظام
خدمة للعدالة يشترك فيها السلطان مع فرنسة، كأن الشريعة الإسلامية غير عادلة!
والسلطان لا يعتقد عدم عدالة الشرع، ولكنه مكره بالطبع. ودعوى البلاغ أن والد
هذا السلطان الشاب كان أصدر ظهيرًا قبل هذا في أول مدة الحرب لا تعد حجة
على حقية الظهير الثاني؛ لأن ما بُني على الباطل باطل ولو كان كل منهما
اختياريًّا، فكيف وهو غير اختياري كما لا يخفى؟ .
وأما قول سعادة الوزير: إن هذه الخدمة لا تمس عقيدة البربر الدينية، فهو
مغالطة لا تروج لها في مصر بلد العالم الإسلامي. ونختصر في ردنا عليه بأن
الأحكام القضائية إذا كانت من قسم الأعمال الإسلامية لا من قسم العقائد - فإن من
أصول العقائد الإيمان بوجوب العمل بكل ما هو منصوص في القرآن وبكل ما أجمع
عليه المسلمون منها، ومن استحل ترك العمل بنصوص القرآن القطعية يعد مرتدًّا
عن الإسلام إذا كان يعلم ذلك، ويجب على أولي الأمر من المسلمين - كسلطان
المغرب ورجال حكومته - أن يعلِّموا الجاهل لا أن يقروه على جهله بضروريات
الدين ويشرعوا له قوانين ينسخون بها قانون الشرع.
فإن كان سلطان المغرب السابق أو اللاحق (فرضًا) قد جعل تقاليد بعض بدو
البربر المخالفة لنصوص الشريعة القطعية المعلومة من الدين بالضرورة - حقًّا ثابتًا
لهم جاحدًا لتلك النصوص أو مستحلاًّ لتركها، فقد صار بذلك كافرًا مرتدًّا عن الإسلام،
وبطل حكمه وسقط سلطانه شرعًا؛ إذ الواجب عليه إرجاعهم عن تلك التقاليد
بالتعليم والإقناع، وإلا فبالقوة إن استطاع، ولعل السلطان يعذر نفسه أو يعذره
المنافقون من الحكام وعلماء السوء بأنه مكره على ذلك بقوة فرنسة المسيطرة على
بلاده لا مختار، وقد قال الله: {مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ
مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} (النحل: ١٠٦) الآية وهو يعلم كما يعلم غيره أن فرنسة قادرة
على إخراجه من السلطنة كما أخرجت السلطان عبد الحفيظ. وهذه شبهة ولكنها
باطلة، فإن التهديد بالعزل من السلطنة ليس عذرًا يبيح لصاحبه نقض أحكام الشريعة
القطعية. فمن لا يستطيع أن يكون سلطانًا إلا بجعل نفسه آلة للكفار مساعدًا لهم على
إخراج المسلمين من دينهم أو ما دون ذلك من المعاصي - فلا يجوز له قبول السلطنة
بهذا الشرط، وقبولها لا يعد عذرًا كعذر من هُدد بالقتل على قول كلمة الكفر بلسانه
دون قلبه حتى ينجو من مهدِّده كما وقع لعمار بن ياسر رضي الله عنه، فكان سببًا
لنزول الآية في الرخصة.
وأما قول البلاغ: (إن أشد العلماء تدينًا لم يجادل في ذلك) فهو غير مسلَّم
على إطلاقه في إجماله. ولا ثقة لمسلم بمن تُعدِّله فرنسة في إسلامه وعلمه كابن
غبريط ولا الكتاني إن صح ما نقل عنه، وكالذين رضوا من مسلمي تونس
الجغرافيين (المنافقين) بمساعدة مؤتمر المبشرين (الأفخارستي) وغيرهم من حملة
شارات الشرف الفرنسية.
نعم، قد يعذر بعض جهلة بدو البربر في بعض التقاليد والعادات المخالفة
للشرع إذا كان عن جهل بها بشرطه المعروف في الفقه، ولكن السلطان وغيره من
أولي الأمر لا يعذرون بإقرارهم على هذا الجهل فضلاً عن جعله تشريعًا يبطل به
شرع الله. ومثل أولئك الجاهلين من بدو البربر كمثل الجاهلين من بدو العرب
الذين كانوا يستبيحون قتل الحُجاج وسلب أموالهم وغير ذلك من مخالفتهم للشريعة،
وكانت الحكومات الحجازية قبل حكومة ابن السعود مقصرة في تأديبهم، ولكن ذلك
التقصير لا يعد احترامًا من السلاطين وأمراء الحجاز والعلماء لتلك العادات ولا
إقرارًا لها، وكذلك يقال في سلاطين المغرب.
وأما كون الأحكام الجديدة تصدر باسم السلطان الذي لم تُبقِ له فرنسة من
الحكم إلا الاسم، فهو مؤيِّد لخروج هذه الأحكام عن الشرع الإسلامي؛ لأن فرنسة
تعده هو الشارع لها وإنما شارع الإسلام هو الله تعالى وباسمه تصدر أحكامه.
وأما قول البلاغ: (إن البربر مسلمون وسيبقون مسلمين) ، فالجملة الأولى منه
من قبيل: السماء فوقنا، والثانية خبر عن المستقبل، وكلاهما لا يقال في
البلاغات الرسمية.
وأما الأمور الثلاثة التي أشار البلاغ إلى اشتمال الظهير عليها فهي مؤيدة
للتهمة لا مبرئة منها، وإننا نطالب الدولة الفرنسية بنشر نص الظهيرين الأول
والثاني وإطلاع الرأي العام الإسلامي عليهما وعلى القانون الذي بُني عليهما.
وأما ما جاء من شكر بعض البربر للسلطان على عمله هذا فلا ينقض من
التهمة شيئًا - إن صح - لجواز أن يكون هؤلاء الشاكرون من الجهلة بأمور الدين
أو من المحمولين على الشكر بالإكراه والقهر، كما وردت به الأخبار من هناك،
فهو كما قال الشاعر:
ولم أَرَ ظلمًا مثل هضم ينالنا ... يساء إلينا ثم نؤمر بالشكر
ونحن نعلم من الروايات الصادقة أن من البربر وغير البربر من أنكر ذلك
بقدر ما في إمكانه مع فقد الحرية هنالك فعوقبوا.
وأما دعوى البلاغ الخاص بمعاملتها لمسلمي الجزائر فهو ضد الواقع، ولا محل
هنا لنقضه بالشواهد، وأما ما فيه من ذكر ترميم المساجد في المغرب فهو إيهام.
الحق أن فرنسة جعلت جميع أوقاف المساجد وغيرها تحت سيطرتها واستولت على
أموالها وجعلت التعليم الديني في أضيق من جحر الضب مع المراقبة على العلماء
كما فعلت في الجزائر من قبل. فهل لها أن تمُن على المسلمين مع هذا إن سمحت
بترميم قليل من المساجد المتداعية إرضاءً لعلماء الآثار من قومها مثلاً؟ !
ألا إنها مِنَّة عليهم كمنة فرعون على موسى بتربيته مع استعباده لقومه،
فأجابه كما حكى الله عنه {وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ} (الشعراء: ٢٢) نكتفي بهذا الرد على البيان لنحكي رد غيرنا عليه فيما يلي:
رأي شيخ الأزهر في البلاغ
جاء في (المقطم) أن أحد مندوبيه في الإسكندرية قد تحدث إلى حضرة صاحب
الفضيلة الأستاذ الأكبر شيخ الجامع الأزهر في صدد هذا البلاغ فأفضى إليه فضيلته
بما يأتي:
(لقد ارتحت إلى ما تضمنه بيان المفوضية من أن فرنسا واقفة في المسائل
الدينية على الحياد، وأن البربر مسلمون وسيبقون مسلمين. وأنه بتشجيعها رُممت
مساجد كثيرة في بلاد المغرب الأقصى.
ولكني لم أَرَ فيه ما يكشف الحقيقة من جميع وجوهها ولا ما يرد على كل تلك
التفاصيل التي وردت بها الأنباء وكانت سببًا في هياج الرأي العام الإسلامي، فهو
لم يتعرض لما قيل من إرسال نحو ألف راهب إلى تلك النواحي لتشجيع التبشير
المسيحي، ولا إلى ما قيل من إلغاء المكاتب القرآنية والمحاكم الشرعية، ولم يبين ما
هو نظام الإرث الذي أُقر الآن لأمة البربر، ولا ما هي الأحكام الشخصية التي
أُقروا عليها الآن أيضًا، مع أنهم ما داموا مسلمين لا يجوز شرعًا أن يكون لهم نظام
إرث غير نظام الإرث الشرعي ولا نظام أحوال شخصية غير النظام الإسلامي،
وتلك هي النتيجة المنطقية لأنهم مسلمون وسيبقون مسلمين.
وإن المسلمين فيما يوجهونه من الاحتجاجات موقفهم دفاعي محض، ولا
يقصدون أكثر من إبقاء الأمور على ما كانت عليه قبل حماية فرنسا، ولا
يرضيهم جعل العادات القديمة لبعض القبائل نظامًا مشروعًا ما دام في ذلك
مساس بالمسائل والشعائر الدينية. وفي إفريقية عادات متبعة منذ القدم وهي
استرقاق الأحرار والاتجار بهم، ولم يقل أحد: إن مثل هذا الاسترقاق ينبغي أن
يكون مشروعًا ما دام موجودًا، وأن المعروف عن فرنسة وغيرها من جماعة الأمم
أنها تعمل على توطيد دعائم السلم وإبعاد دواعي الاضطرابات.
فالمأمول منها بناءً على ذلك أن تستأصل الداء من مكامنه الخفية، فلا تساعد
ولا تقر المبشرين على أعمالهم في البلاد الإسلامية فإن ذلك مكمن عظيم من مكامن
الخطر، وعليها أن تفصل بين نشر الثقافة والتبشير.
وإني بصفتي الدينية - التي أعمل بها على توطيد دعائم السلم ومعاملة
الأجانب من أي دين أو جنس بالحسنى وبالتسامح - آمل من القائمين بالأمر ألا
يساعدوا ما يثير حفائظ النفوس، وأن يعملوا على إعادة الاطمئنان إلى تلك البلاد
الإسلامية) .
(المنار)
أحسن ما في هذا البيان الذي كان الفضل في إظهاره لمندوب المقطم - ما قاله
الشيخ في مسألة الرق، ولا يوافقه أحد من المسلمين على قوله: إنهم لا يقصدون أكثر
من إبقاء الأمور في المغرب كما كانت قبل الحماية الفرنسية، بل يطلبون إصلاح
ما كان من خلل وجهل كما أشرنا إليه، ولا يوافقونه أيضًا على كلمته في الثقافة
والتبشير على ما فيها من إجمال، وقد انتقدت الجرائد الإسلامية منه أمورًا أخرى.
***
رد جمعية الشبان المسلمين
على بيان المفوضية الفرنسية
نشرت المفوضية الفرنسوية في مصر بيانًا في مسألة مسلمي البربر بالمغرب
الأقصى فيه اعتراف صريح بأن ظهيرًا سلطانيًّا قد صدر في ١٦ مايو سنة ١٩٣٠
يشرك فرنسا مع السلطان في الإشراف على الأحوال الشخصية للبربر المسلمين
ويجعل القانون في هذه الأحوال الشخصية هو العرف والتقاليد البربرية القديمة وبأن
هذا العرف وهذه التقاليد تخالف قواعد الشرع الإسلامي وأن تنفيذ ذلك في مناطق
البربر منوط بالقواد.
يعترف البيان بهذا ويحاول مع ذلك أن يُفهم المسلمين أن الظهير لا يمس
(العقيدة الإسلامية) كما ترجمه المقطم. ويطلب إلى جميع المسلمين أن يثقوا
بحياد فرنسا (في المسائل الدينية الصرفة) حسب ترجمة الأهرام. أو (في تلك
المسألة المصطبغة بصبغة دينية محضة) حسب ترجمة المقطم. ولا يمكن التوفيق
بين ذلك الاعتراف وبين هذا الطلب إلا على أساس أن مُصدر البيان لا يفهم ما
الإسلام أو أنه يظن أن المسلمين لا يفهمون!
إن أخص خصائص الإسلام في الحياة الاجتماعية للفرد وللمجموع هو أحكامه
في الإرث والأحوال الشخصية، ونظامه في ذلك هو النظام الواحد الباقي قائمًا إلى
الآن من نظم الإسلام المدنية والاجتماعية، فزواله من أي قطر أو إقليم إسلامي
معناه زوال البقية فيه من الإسلام في المجتمع وفي البيت من قلب الفرد ومن بين
الناس. ولم يتهم أحد فرنسا بتهمة أكبر مما يدل عليه بيان مفوضيتها صراحة من
أنها تُخرج قبائل البربر بقوة القانون من الإسلام عن طريق حملهم في الإرث
وأحوالهم الشخصية على العرف البربري القديم.
أما اعتذار البيان عن هذه الفعلة الشنعاء بأن العرف البربري كان قائمًا قبل
الآن معترفًا به من أقوى السلاطين حولاً وتدينًا - فغير صحيح ولا معقول؛ لأن معناه
- إذا صح على وجه يستقيم به الاعتذار - أن البربر لم يكونوا مسلمين قط،
والبيان نفسه يقول إنهم مسلمون وسيظلون مسلمين!
إن الذي كان مُعترفًا به من عُرفهم في بعض قبائلهم هو ما لم يناقض أصول
الشرع وصريح القرآن، وإلا فما حاجة فرنسا إلى أن تحمل السلطان يوسف منذ ستة
عشر عامًا - كما يزعم البيان - على التسليم بذلك العرف أولاً في ظهير لتجيء هذا
العام - بعد أن مضت الحرب وأمنت أو ظنت أنها أمنت أثر هذا التغيير في الناس
- فتحمل ابنه الذي لم يبلغ بعدُ عشرين عامًا على جعْل ذلك العرف قانونًا في
ظهير آخر مقابل إصدار الأحكام باسمه في مناطق البربر منذ الآن؟ !
لو كان العرف البربري قائمًا معمولاً به بين مسلمي البربر في الإرث والأحوال
الشخصية لما تدرجت فرنسا في الأمر ولما استصدرت من سلطان المغرب هذا
الظهير.
على أننا إذا سايرنا البيان إلى أقصى حد وسلمنا جدلاً بأن بعض مسلمي
البربر كان يسير في أحواله الشخصية على العرف المخالف لأحكام الشرع، فالبعض
الآخر الكثير كان من غير شك يسير في أحواله الشخصية على أحكام الشرع.
والمحاكم على أي حال لم تكن إلا بأحكام الشرع، وفرنسا قد قلبت هذا الآن رأسًا
على عقب، فجعلت المحاكم تحكم في الأحوال الشخصية بما يناقض الشرع وقهرت
على ذلك مسلمي البربر أجمعين، مَن كان - جدلاً - يسير على العرف منهم ومن
كان يسير على أحكام الدين.
إن هناك ملايين من مسلمي البربر قد أخرجتهم فرنسا بهذه الفعلة عن الإسلام،
وهذا ما ينكره عليها المسلمون.
على أن البيان قد اقتصر على مسألة الأحوال الشخصية وسكت عن الأمور
الخطيرة الأخرى التي جاءت الأخبار الوثيقة من المغرب بأن فرنسا ترتكبها هناك
كمنع تعليم القرآن واللغة العربية بين البربر، وإخراج العلماء وحملة القرآن من
بينهم، ووضع أطفالهم بين أيدي الراهبات والرهبان يعلمونهم النصرانية باللغة
الفرنسية. وقد اعترف البيان صراحة بصدق تلك الأخبار في مسألة الأحوال
الشخصية. فسكوته عن الأمور الخطيرة الأخرى يعتبر اعترافًا ضمنيًّا بها حتى
تصدر المفوضية الفرنسية بيانًا آخر في الموضوع.
أما رسائل الشكر العديدة التي يزعم البيان أنها جاءت إلى السلطان تشكره
على الظهير فهي - إن صحت - لعبة تلعبها السياسة في كل مكان.
وإذا كان هناك رسائل شكر عديدة فهناك أيضًا هياج كبير واحتجاجات كثيرة
سكت عنها البيان. وهناك ضرب وجلد وحبس في سبيل تنفيذ الظهير.
وأما استشهاد المفوضية بما تسميه (احترام الحرية في الجزائر) فإن الحرية
الدينية التي نحن الآن بصددها قد أصيبت في الجزائر بما لا تشرف به فرنسة؛
ففرنسا مثلاً مستولية هناك على الأوقاف الإسلامية وأوقاف الحرمين الشريفين
والعالِم المسلم لا يستطيع أن يقرأ درسًا في مسجد إلا تحت الرقابة الشديدة،
والمسلم ليس له حق تمثيل بلاده في الهيئات النيابية إلا إذا قبل القانون الفرنسي حتى
في الأحوال الشخصية. أي أن فرنسا تحرم المسلم الجزائري من كل حقوقه السياسية
إلا إذا خرج عن دينه في الأحوال الشخصية من زواج وإرث، فهي تعمل على
إخراج المسلم من دينه في الجزائر كما تعمل على إخراج المسلم من دينه في
المغرب وإن اختلف طريق العمل في القطرين.
... ... ... ... ... ... ... ... رئيس الجمعية العام
... ... ... ... ... ... ... ... عبد الحميد سعيد