للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


مسيح الهند القادياني الدجال
(٢)

إن جمعية ندوة العلماء قد دعتني في سنة ١٣٣٠ (١٩١٢ م) إلى الهند لأتولى
الرياسة والصدارة لمؤتمرها الإسلامي الذي تريد عقده في مدرستها الجديدة التي
أنشأتها في مدينة (لكهنؤ) فأجبت الدعوة، وحقق الله تعالى بي رجاء الجمعية في
إقبال مسلمي الهند عليها، فلم تر مثال إقبالهم في تلك السنة. وكان من جملة الوفود
الذين حضروا من أقطار الهند للسلام عليَّ وفد قاديان من أتباع غلام أحمد منتحل
المسيحية في الإسلام، وقد دعوني إلى زيارة بلدهم فلم أجبهم؛ لأنهم يستغلون هذه
الزيارة فيوهمون المسلمين أن ضيف الهند الذي احتفلت به وأكرمت مثواه يحترم
هذه الطائفة الضالة المضلة، ويحترم دعيَّها المسيح الكذاب، وقد بلغني أن رئيس
جمعية الندوة شمس العلماء الشيخ شبلي النعماني رحمه الله تعالى قد منع الوفد من
البحث في بدعتهم معي في دار ضيافة الندوة، فلما أردت السفر وخرجت الجموع
إلى محطة السكة الحديدية لتوديعي خرج معهم الوفد القادياني ولم يملك رئيسه نفسه
أن جهر بدعاية مسيحيتهم في المحطة - ومَن يدري ماذا كان يقول لو سكت عنه أو
تكلمت بما لم يسمعه غير وفدهم ومن يقرب مني وأكثرهم لا يفهمون العربية -
فوقفت في نافذة القطار ورددت عليهم بصوت جهوري يسمعه الجم الغفير مفندًا
نِحلتهم، دامغًا بدعتهم، وما أذكره من ذلك أن مسيحه يزعم أن الحرب قد بطلت
من الأرض بظهوره ونسخت فرضية القتال الذي فرضه الله على المسلمين فلم يبق
من حاجة إلى الجهاد، وقد كذبه الله تعالى بعدوان دول إيطالية هنالك على طرابلس
الغرب وبرقة وقتالها للمسلمين هنالك بغيًا وعدوانًا، ومن المجمع عليه عند المسلمين
أن الكفار إذا اعتدوا على بلاد المسلمين يكون القتال لدفعهم عنها فرضًا عينيًّا على
كل مَن قدر عليه.
ومسألة الجهاد هذه كمسألة ادعاء النبوة قد خالف فيها المسيحيون القاديانيون
إجماع المسلمين فيما هو قطعي معلوم من دين الإسلام بالضرورة، فخرجوا بذلك من
الملة الإسلامية، وقد بيَّنا من قبل ضلالهم فيها، وإبطال تأويلهم لها، ولما رددت
على مسيحهم في زمنه أجاب عنها في الكتاب الذي ألفه في الرد والانتقام مني، وفي
كتب أخرى من كتبه المضحكة المبكية، وقد نقل الحصني الدمشقي بعض كلامه
مترجمًا عن كتاب له بغير العربية، وسأبين ذلك في النبذة التالية بما يدل على جهل
مسيحهم وجهلهم، ومما قاله داعيتهم في محطة لكهنؤ: إن المسيح عيسى ابن مريم قد
توفاه الله، وثبت وجود قبره في كشمير، فوجب أن يكون المسيح الذي ينزل في آخر
الزمان غيره. فاكتفيت من الرد عليه في ذلك الوقت القصير بأن قولهم هذا لا
يقتضي أن يكون ميرزا غلام أحمد القادياني هو المسيح الموعود به.
والمراد من ذكر هذه المسألة أن ما زعمه الحصني من صدق قول مسيحهم
عني (سيهزم فلا يرى) كذب فإنني ظهرت عليه في تفنيد دجله في عصره،
وظهرت على خلفائه من بعده حتى في بلاده، ولا أزال ظاهرًا مبطلاً لدعوتهم،
هادمًا لضلالتهم، ولله الحمد والمنة.
((يتبع بمقال تالٍ))