للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


اقتراح
مناظرة في الخلاف بين أهل السنة والشيعة
(جاءنا الكتاب الآتي من حضرة صاحب الإمضاء، أحد علماء الشيعة
الإمامية الأعلام ننشره بنصه وحروفه وننشر بعده جوابنا له وقد سبق هو إلى
نشرها في بعض الصحف)
بسم الله تعالى
بأزكى التحية وأفضل السلام أحيي مقام ذلك الإمام السيد الرشيد آل رضا،
ألهمه الله قول السداد، وسلك به سبيل الهدى والرشاد، أما بعد:
فإني أحمد إليك الله سبحانه الذي عرَّفنا أولياءه وأهل محبته، وهدانا إلى ما
سنَّه من شريعته {وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} (الأعراف: ٤٣) وأسأله
أن يوفقنا جميعًا لنصرة الحق وإرشاد الضال، وإحياء السنة وإماتة البدعة، فإنه
ولي ذلك والقادر عليه. ثم إني رأيتك قد أرهفت يراعتك ونثلت كنانتك منتصبًا في
وجه الشيعة زاعمًا أنهم قد نشطوا في هذه الأيام لدعاية الرفض والبدع، والصد عن
السنة وأعلامها، فإن يكن ذلك منك حمية للحق وغيرة على الإسلام (والسرائر لا
يعلمها غيره سبحانه) فحَقِّقْ دَعْواك - إن رأيت - بأن تفتح لنا بابًا في مجلتك
الغراء نذكر فيه المسائل الهامة التي وقع الخلاف فيها بين الطائفتين، ونحقق الحق
في ذلك متبعين البرهان، غير متحيزين إلى فئة، ملتزمين آداب المناظرة، وايم
الحق، لئن فعلت ذلك إنها لأعظم حماية للدين، وأعْوَد نفعًا على المسلمين، وأكون
لك بلسان أهل الحق من الشاكرين، فأرجوك؛ وظني بك ستحقق رجائي، ولك عهد
الله سبحانه أن لا أذكر في مناظرتي كلمة أقصد بها جرح عاطفتك، والغض من
كرامتك، وأحتمل لك كل قول، وبذلك يظهر فساد ما ليس من الدين مما يعتقد
صحته الكثير من الطائفتين، وتنال لقب المصلح، ويكون لمجلتك شأن، وإنني
بانتظار الجواب وإلا فسندرج صورته في مجلة العرفان الغراء وغيرها.
... ... ... ... ... ... ... ... صاحب الكلمات
... ... ... ... ... ... ... ... عبد الحسين نور الدين
جواب صاحب المنار
بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد رشيد رضا إلى الأستاذ الكبير، والعلامة الشهير، السيد عبد
الحسين نور الدين، هدانا الله وإياه الصراط المستقيم، آمين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد:
فقد أُلقي إليَّ كتاب منك أنكرت فيه عليَّ ما كتبته أخيرًا في دعاية الشيعة،
وما هو إلا ردي على كتاب السيد عبد المحسن العاملي فيما طعن به عليَّ أقبح
الطعن الديني والشخصي بالتبع لطعنه على الوهابية، وعلى شيخ الإسلام ابن تيمية،
بما تضمن الطعن على سلف الأمة الصالح في عقيدتهم، ثم انتقادي ما كتبتَه أنت
في الجزء الأول من كلماتك في موضوع غزوة حُنين، وقد عبرت عن ذلك تعبيرًا
منتقدًا أغضي عنه، وأخص بجوابي ما دعوتني إليه من فتح باب في المنار
للمناظرة (في المسائل الهامة التي وقع فيها الخلاف بين الطائفتين) لتحقيق الحق
فيها بالبرهان (غير متحيزين إلى فئة، ملتزمين آداب المناظرة..) إلخ.
فأقول: لبيك لبيك، لقد دعوتني إلى ما كنت أتمنى مثله، فإنني ما كتبت ولن
أكتب في هذه المسألة ولا في غيرها إلا ما أعتقد حقيته، وأقصد به النصيحة لله
ولكتابه ولرسوله وللمسلمين، وهو ما أرشدنا إليه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم
بقدر ما يصل إليه علمي ورأيي، فإنني لا أنتحل مذهبًا من مذاهب الفرق الإسلامية
أتعصب له، ولا أقلد عالمًا من أئمتها أتقيد برأيه واجتهاده، فأخشى أن يظهر
بالمناظرة بطلان قوله، بل طالما ذكرت في المنار ما هو منتقد عندي من المذاهب
الشهيرة، وليس للمنار أدنى مساعدة مالية ولا معنوية من طائفة من الطوائف، ولا
أهل مذهب من المذاهب، ولا من فرد من الأفراد، فأخشى على نفسي أن تتبع
الهوى في الانتصار لمذهبهم أو شخوصهم من حيث أدري ولا أدري.
فإن كنت تعاهد الله كما أعاهده على ما نقلته عنك آنفًا فهلم.
ولا أحفل بما قلت قبله ولا بعده من الأمور التي أملاها عليك سوء الظن بي
من ترغيب وترهيب، وشك مريب.
ولما كانت مسائل الخلاف كثيرة، وكان الباب الذي نفتحه لها مع بقاء سائر
أبواب المنار مفتَّحة - ولا سيما التفسير والفتاوى والشؤون الإسلامية العصرية - لا
يتسع لدخول هذه المسائل كلها فيه إلا في سنين كثيرة، وجب أن نقتصر على
المسائل المهمة، وأن نلتزم فيها الاختصار غير المخل بالغرض، وأن تكون
وجهتنا جمع الكلمة، والتأليف بقدر الطاقة، على المنهج الذي شرحته في الجزء
الرابع من (منار) هذه السنة.
فعسى أن تكتب إليَّ برأيك في هذا، تمهيدًا للشروع في هذا العمل. وأسأله
تعالى أن يوفقنا جميعًا لما يحبه ويرضاه من جمع كلمة المسلمين على كتابه وسنة
رسوله صلى الله عليه وسلم ونبذ البدع، ثم على مصالحهم الدنيوية العامة، والسلام.
((يتبع بمقال تالٍ))