للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: أحمد بن عرفان


حول النشأة الإسلامية في الهند
ترجمة السيد إمام أحمد بن عرفان الشهيد
مجدد القرن الثالث عشر
رسالة للأستاذ السيد أبي الحسن علي الحَسَنِي ابن العلامة السيد عبد الحي ناظم
ندوة العلماء (سابقًا)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله
وأصحابه الطاهرين الطيبين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فلم تزل سنة الله في عباده ولا تزال {وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً} (الأحزاب:
٦٢) أن يبعث فيهم - وقد أخذ الشيطان قيادهم، وذهب بهم النسيان مذهبه حتى
{نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ} (الحشر: ١٩) - مذكِّرًا مبشرًا منذرًا.
فترى أن الإنسان يذكر شيئًا فكأنه لا ينساه أبدًا، ثم يُضرب عنه صفحًا فكأنه
لم يكن قط على ذكر منه {وَكَانَ الإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً} (الكهف: ٥٤)
{وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً} (طه: ١١٥) ، {وَلَكِن
مَّتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْماً بُوراً} (الفرقان: ١٨) ، {فَلَمَّا نَسُوا
مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً
فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ} (الأنعام: ٤٤) ، {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ
عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} (الأعراف:
١٦٥) ، {فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الكَلِمَ عَن
مَّوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظاًّ مِّمَّا ذُكِّرُوا بِهِ} (المائدة: ١٣) ، {وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا
اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ} (الحشر: ١٩)) .
فلا بد من التذكير ولا غنى عنه {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ
إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُم مَّقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ
وَشُرَكَاءَكُمْ} (يونس: ٧١) ، {وَذَكِّرْهُم بِأَيَّامِ اللَّهِ} (إبراهيم: ٥) ، {فَذَكِّرْ
إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ} (الغاشية: ١) .
وكان محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن
رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} (الأحزاب: ٤٠) به أكمل الله للبشر دينه
وأتم عليهم نعمته.
مجددو الأمة ومصلحوها بعده
قال صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا
يضرهم مَن خالفهم) رواه الشيخان وغيرهما، وفي السنن: (إن الله يبعث على
رأس كل مائة عام مَن يجدد لهذه الأمة أمر دينها) رواه أبو داود وغيره.
فلم يزل في هذه الأمة مَنْ جدد لها أمر دينها، أيقظها وقد طال بها الكرى،
وبث فيها روح الحياة والعمل.
وأرجو أن يكون السيد الإمام أحمد بن عرفان مجدد القرن الماضي، وأنا على
ثقة وبصيرة إن شاء الله، فمنه كان عصر النهضة الإسلامية، وإليه يرجع فضل
النشأة الحاضرة.
حالة الهند العامةفي عهد نشأته
انتهت الحرب السياسية التي دارت بين المسلمين واليسوعيين في القرن
الثامن، وذهبت على أثرها السياسة الإسلامية؛ إذ ذهبت الحمية الإسلامية، وسكرة
العزة الملية، وفقد العالم الإسلامي نشاطه وروحه ولم يبق يومئذ من الإسلام إلا
اسمه ومن الدين إلا رسمه.
طرأت على الهند حوادث سياسية، فكثر المفسدون وأخذوا يعيثون فيه فسادًا،
ويغرسون بذور الفتنة استئثارًا بالإمارة، فلم يكن فيه من يكبح جماحهم ويقطع
دابرهم، فحدثت ثورة، وبغوا وطغوا وأكثروا فيه الفساد، وانقطعت وسائل الراحة
والطمأنينة.
حتى إذا احتلت الهند الإنكليز لعبت يدهم بسياسته، وساروا على قاعدة:
(فَرّق تَسُدْ) وأوقدوا نار العداوة بين أمراء الهند وملوكه حتى صار بأسهم بينهم
شديدًا، وصار يقتل بعضهم بعضًا، وكانوا مع الحروب الداخلية يحاربون عدوًّا
آخر؛ وهو الفرنساويون، فانكسروا وانكسر الفرنساويون وآل الأمر إلى الإنكليز.
أما ملوك دهلي [١] فبقوا كأعجاز نخل خاوية، أو خشب مسنَّدة حتى إذا
استشهد المغفور له السلطان طيبو الذي حارب الإنكليز، ودفع عن المسلمين سنة تسع
وتسعين وسبعمائة وألف (م) ضاقت على المسلمين أرض الهند وكادت تلفظهم.
إن مما امتاز به العرب عن غيرهم أنهم إذا دخلوا قرية غيَّروا دينها ومدنيتها
واجتماعها ومعاشرتها وآدابها ولسانها من غير جبر ولا استكراه، وانقاد أهلها رضًا
وطاعة لهم، وحبًّا وكرامة لطاهر عواطفهم الملية، ولكرمهم وتقواهم وحسن
معاملتهم لهم.
وأما ملوك الهند وفاتحوه فقد خلوا من تلك العواطف الملية الطاهرة، وإنما
ألجأتهم إليه مطامعهم، فزحفوا عليه وفتحوه، وحكموا ما شاء الله أن يحكموا. فداس
أكثرهم أحكام الإسلام وشرائع الدين كما يظهر من أعمالهم المنكرة التي يأباها كل
ذي ضمير حي فضلاً عن المتدينين.
فالتيموريون لما استقرت بهم الحكومة أراد بعضهم أن يستتب أمره فلم يجد بُدًّا
من معاضدة الوثنيين له، فألان جانبه لهم حتى ازورَّ جانبه عن المسلمين، ومال
إليهم ميلاً شغله عن الدين، بالرغم من المتدينين، فتزوج فيهم، وخَرَّ لأوثانهم،
وصار كأنه واحد منهم لا يخيل لأحد أنه مسلم، ثم أمرهم بعبادة شخصه، فخروا له
سُجدًا وكفروا له، فهذا كان شأن الحكومة الإسلامية في الهند في ربيع حياتها، أو
ريعان شبابها، فما ظنك بها في وهنها وهرمها؟ !
اتخذوا القرآن هزؤًا، بل كان تلقينه والاستمساك به ذنبًا لا يُغفر! ، فلم يكن
يوجد للقرآن ترجمة في أي لسان إلا الترجمة الفارسية المنسوبة إلى الشيخ سعدي
رحمه الله حتى إن الشيخ العلامة ولي الله بن عبد الرحيم الدهلوي حين ترجمه
خشي على نفسه واضطر أن يهاجر من الهند.
وأما الحديث فلم يبق منه إلا روايات وأساطير كأساطير ألف ليلة وليلة كانوا
يسجدون بين يدي القبور سجودهم بين يدي الله، فكان القبر قبلتهم التي يتوجهون
إليها، وملجأهم الذي يلجئون في شدائدهم وحاجاتهم إليه، فكانوا يزينونه
ويزخرفونه ويطوفون به، ويعتكفون عليه، وكانت تنعقد عليه الأسواق وتجتمع عنده
المواكب، وكل أمير رضي بشيخه رائدًا، وإلى النجاة قائدًا، حتى إذا توفي أحدهم
دفنت معه صحيفة عليها اسم شيخه ونسبه ظنًّا أنها تقيه سوء العذاب!
ثم المتصوفون - تصوفًا مبتدعًا - فأحلوا ما حرم الله وجعلوا المنكر معروفًا،
والباطل حقًّا، واعتدوا وأسرفوا، واتبعوا أهواءهم، فضلوا وأضلوا، ونبذوا كتاب
الله وراء ظهورهم، واتخذوا دينهم لهوًا ولعبًا، ولذةً وطربًا، وزين لهم الشيطان ما
كانوا يعملون، وكان الإسلام يومئذ كالمسيحية، ما هي إلا أوهام، ومعتقدات
وأسماء سموها استغناءًا بها عن الأعمال.
(لها بقية)