للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: أبو إسحاق إبراهيم أطفيش


تفسير المنار
تقريظ ونقد
للأستاذ الفاضل علامة الإباضية الشيخ أبي إسحاق إبراهيم إطفيش

نشره في مجلته المنهاج (ج ١ و ٢ م ٦) قال:
ظهر في السنة الماضية الجزء التاسع من تفسير المنار، وفي هذه السنة ظهر
الجزء العاشر منه، وتفسير المنار من أسمى التفاسير وأوفرها ثروة، وأشملها
لحقائق من التفسير مفقودة من مناهج المفسرين، وليس السيد مفسر المنار ممن
يحشر ما هب ودب ويجمع ما يملأ الأوراق، ويمتد إلى ترهات الإسرائيليات التي
شوهت جمال كثير من الكتب، وما ليس له علاقة بالتفسير، إلا حب الاستكثار
والولوع بالتخليط، حتى صار الكتاب أشبه ما يكون بقصص الرواة اليوم، وهو ما
يجب أن ينزه عنه تفسير كلام الله. ولكنه - والحق يقال - تفسير ممتع بطلاوته،
مبدع في أسلوبه، جامع في إلمامه بمقتضيات الآية، مع الإيجاز في مقام الإيجاز،
والإطناب في مقام الإطناب، إذا مررت بآية في سنن الكون رأيته يدني إليك من
الحقائق ما يسحر، أو بآية في سنن العمران رأيت بين يديك من الدقائق ما يبهر، أو
بآية التوحيد رأيت من تحبير وتحرير ما يغنيك عن طائفة من الكتب، مع استقلال في
البحث والترجيح، أو بآية في الفقه وأصوله أوقفك على ما يأخذ بتلابيبك، مالكًا لك
من جوانبك، أما تحقيقات البلاغة فهي السحر الحلال، لست ترى في أسلوب هذا
التفسير المبتكر خروجًا عن منهاج العربية، وعما تقتضيه الآيات الكريمة وتبينه
الأحاديث النبوية، أما آيات مخاطبة الأمم ودعايتها إلى الهداية الإسلامية فإصداع
وإقناع وإشباع بالحق والحجة، والأدلة التي يسلِّم بها الخصم.
ذلك هو تفسير المنار نقدمه إلى قراء المنهاج، ولا يفوتني أن أذكر أنه بقي في
ذهني أن قطب الأئمة شيخنا محمد بن يوسف أطفيش رحمه الله ورضي عنه ذكر
بإعجاب تفسير المنار وأثنى عليه [١] ، وفي ظني أنه في بعض تآليفه أو سمعته
مشافهة، وكفى بثناء هذا الإمام العظيم الذي فسر القرآن ثلاث مرات (داعي العمل
ليوم الأمل، هميان الزاد إلى دار المعاد، تيسير التفسير) .
على أنني لا أهمل أن آخذ على هذا العلامة الكبير شدة لهجته عند الكلام على
صفات الله، والآيات المتشابهات، والحال أنه اختار أن يأخذ بجانب عدم التأويل،
والتأويل هو ما يقتضيه كلام الله، وعليه أهل البلاغة والخلف من أصحاب المذاهب
الأربعة والمفسر منهم، وكمال التنزيه موجب للتأويل، ولنا كلام في هذا الموضوع
وغيره في هذا المكان، فللمصنف اختياره، وله ترجيحه؛ ولكن لا يجوز لأحد من
أهل العلم أن يشتد على مخالفه في النظر والمذهب، وهو رأي ومذهب أساطين من
أهل العلم من السلف والخلف، ونرجو الله أن يمد في عمر المفسر حتى يتم تفسير
القرآن الكريم الذي هو من أنشودة الأمة الإسلامية اليوم ومناها. اهـ.

(المنار)
نشكر للأستاذ العلامة صاحب المنهاج تقريظه العلمي الاستقلالي، وكذا نقده
المذهبي في مسألة التأويل على ما فيه من تعارض وإجمال وإبهام وسببها توخي
الاختصار، فهو يقول إن المفسر من (الخلف من أصحاب المذاهب الأربعة) فماذا
يريد بهذا القول؟ إن أئمة المذاهب الأربعة يعدون من علماء السلف لا من الخلف،
وكان مذهبهم في الصفات إمرار الصفات في صفات الله تعالى كما وردت من غير
تعطيل ولا تمثيل ولا تأويل، وهذا ما ندين الله تعالى ونقرره في تفسيرنا وغيره
علمًا لا تقليدًا لهم، وأما المتأولون من المتكلمين المنتمين إليهم في الفقه كالمعتزلة
من الحنفية والأشعرية من المالكية والشافعية - فقد خالفوا أئمتهم في هذه المسألة
الاعتقادية، واعتذر بعضهم كالغزالي عن ذلك بأن الضرورة ألجأتهم إلى علم
الكلام المبتدع لأجل الرد على الفلاسفة والمبتدعة، وقد رجع بعض فحول هؤلاء
المتكلمين عن تأويلاتهم إلى مذهب السلف الصالح في الصفات كما يفضلونهم في
سائر الأمور.
وأما كون البلاغة وكمال التنزيه يوجبان التأويل، فهو دعوى أو دعويان لا
يقوم عليهما دليل، فهؤلاء المتكلمون المتأولون ليسوا أكمل تنزيهًا لله تعالى ولا
أقوى فهمًا لبلاغة كتابه من علماء الصحابة والتابعين، بل دونهم فيهما بدون نزاع؛
وإنما كلامهم في التنزيه مبني على نظريات اصطلاحية، ما أنزل الله تعالى بها من
سلطان، وقد أفضت بالجهمية والمعتزلة إلى نفي الصفات التي أثبتها الله تعالى
لنفسه وهي عين الكمال، بالتحكم فيها كما يتحكمون في صفات المخلوقات، كما أن
فهمهم للبلاغة مقيد بقواعد واصطلاحات الفنون وأصول المذاهب التي يُحكِّمونها في
القرآن، والقرآن فوق الفنون والمذاهب وإنما الواجب تحكيمه فيهما، كما بيَّنا ذلك
مرارًا في تفسيرنا، والشيعة والإباضية على مذهب المعتزلة في التأويل.
وأما شدتنا عليهم في الرد عليهم فهم دون شدة غلاتهم في الرد على أهل
الإثبات وسلف الأمة، فهم قد يكفرون مخالفهم في صفة العلو ولو بطريق اللزوم،
ونحن نخطئهم ولا نكفرهم، وسنتوخى اللين في ذلك إن شاء الله تعالى.