للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


الرابطة الإسلامية الدولية

(جاء في جريدة صوت الشعب الفلسطينية لصاحبها الكاتب الوطني المعروف
عيسى أفندي بندك بتاريخ ١٢ آذار (مارس) تحت هذا العنوان ما نصه)
ننشر فيما يلي نظام الرابطة الإسلامية الدولية التي يشغل السيد ضياء الدين
طباطبائي وظيفة السكرتير العام لها في جنيف ويشمل سمو الخديوي هذه الرابطة
بنفوذه وعطفه:
(١) اسمها، مركزها، أغراضها، ووسائل عملها
(المادة الأولى) أسست وفقًا للمادة ستين وما يليها من مواد القانون العام
المدني السويسري جماعة اسمها (الرابطة الإسلامية الدولية) ومركزها العام مدينة
جنيف.
(المادة الثاني) ترمي هذه الرابطة على وجه الخصوص إلى ما يأتي:
أولاً: العمل على استدامة الوئام بين مختلف عناصر العالم الإسلامي.
ثانيًا: إنشاء مركز تعاون فكري بين علماء الإسلام وجامعاته ومعاهده.
ثالثًا: السهر على الاحتفاظ بأوضاع الطوائف الإسلامية حيثما توجد.
رابعًا: إعانة أعمال البر والمؤسسات الاجتماعية الإسلامية.
خامسًا: إطلاع غير المسلمين على الأصول الصحيحة لعلوم الإسلام ومذاهبه
ورفع الهجمات غير المبررة التي توجه إليها، والوصول عن هذا الطريق إلى
توثيق العلاقات بين الشرق والغرب.
(المادة الثالثة) تعمل الرابطة بوسائل إذاعة النشرات، وعقد الاجتماعات،
وتقديم الآراء، وإسداء النصائح، وذلك كله في الحدود التي ترسمها القوانين الأهلية
في كل دولة.
(٢) أعضاء الرابطة
(المادة الرابعة) يقبل عضوًا في الرابطة كل مسلم كامل الأهلية تزيد سنه
عن الواحدة والعشرين من غير تمييز للجنس أو اللغة أو المذهب متى قبل قوانين
الرابطة وتعهد باحترام لوائح أنظمتها المختلفة، وبتسديد قيمة اشتراكه في الميعاد.
(المادة الخامسة) أعضاء الرابطة على سبعة أنواع: أعضاء شرف،
ومحسنون، ومتبرعون، ومؤسسون، وعاديون، وجماعيون، ومنتسبون.
(أ) فأعضاء الشرف هم الملوك ورؤساء الدول المسلمون، وكذلك عظماء
رجالات الإسلام، الذين يؤدون للرابطة خدمات أدبية أو مادية يقدرها مجلس
الرابطة الأعلى.
(ب) والأعضاء المحسنون هم الذين يهبون الرابطة هبة أو يوصون لها
بوصية تزيد قيمة أيتهما على عشرة آلاف فرنك سويسري.
(ج) والأعضاء المتبرعون الذين يساهمون في ميزانية الرابطة بمبلغ
سنوي تزيد قيمته على مائة فرنك سويسري.
(د) والأعضاء المؤسسون هم الذين اشتركوا في تكوين الرابطة بمدينة
جنيف، في اليوم الخامس عشر من شهر نوفمبر لسنة ١٩٣١.
(هـ) والأعضاء العاديون هم المسلمون الذين يستوفون شرائط المادة
الرابعة من هذا القانون الأساسي وتصادق اللجنة التنفيذية على طلبات الانضمام
التي يقدمونها إليها.
(و) والأعضاء الجماعيون هم الأحلاف التي تؤسس في عواصم بلاد أوربا
والعالم الإسلامي مع ما يكون لها من فروع في هذه البلاد المختلفة، وتديرها لجان
أهلية تقرر طريقة تأليفها في قوانين الأحلاف التي يجب تصديق المجلس الأعلى
عليه قبل نفاذها.
وتنظر هذه اللجان الأهلية على وجه الخصوص في أمر قبول الأعضاء
المنتسبين، وتسهر على تحصيل الاشتراكات وإرسال عشر قيمتها إلى المجلس
الأعلى وتقف هذا المجلس على حالة الطائفة الإسلامية في بلادها، وتنفذ قراراته
في حدودها، كما تفصل بصفة ابتدائية في الخلافات التي تنشأ بين الفروع التابعة
لها.
(ز) والأعضاء المنتسبون هم الذين ينتمون إلى حلف من أحلاف الرابطة
ويدفعون له اشتراكًا سنويًّا تُعادل قيمته خمسة فرنكات سويسرية.
(المادة السادسة) أعضاء الرابطة العاملون هم المؤسسون والمنتسبون
والمتبرعون الذين يطلبون ذلك.
(٣) نظام الرابطة
أنظمة الرابطة هي:
(أ) المؤتمر العالمي الإسلامي.
(ب) المجلس الأعلى.
(ج) اللجنة التنفيذية.
المؤتمر العالمي الإسلامي:
(المادة السابعة) يؤلف المؤتمر العالمي الإسلامي من الأعضاء المؤسيسن،
ومن الأعضاء المتبرعين العاملين، ومن مندوبين عن الأحلاف، يمثل الواحد
منهم ألف عضو منتسب، وينعقد المؤتمر بهيئة جمعية عادية مرة في كل ثلاث
سنين وبهيئة جمعية عامة فوق العادة كلما وجد المجلس الأعلى ضرورة لذلك.
ويرسل المجلس الأعلى الدعوات لعقد الجمعية العامة العادية قبل موعد الانعقاد
بستة أشهر على الأقل، ولعقد الجمعية العامة فوق العادة قبل موعد انعقادها بشهر
واحد على الأقل.
المجلس الأعلى:
(المادة الثامنة) يدير الرابطة مجلس أعلى مؤلف من الأعضاء المؤسسين
وخمسة أعضاء ينتخبهم المؤتمر العالمي الإسلامي بين المرشحين الذين يقدم كل
حلف اثنين منهم، ويكون انتخابهم لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد.
(المادة التاسعة) يجب على المرشح لعضوية المجلس الأعلى أن تكون سنه
قد جاوزت الأربعين، وأن يكون قد أمضى أكثر من سنتين عضوًا في لجنة أهلية.
(المادة العاشرة) يجتمع المجلس الأعلى كل ثلاثة أشهر مرة على الأقل،
ولا تكون قراراته صحيحة إلا بحضور خمسة من أعضائه على الأقل.
(المادة الحادية عشرة) يدعو المجلس الأعلى إلى اجتماع مندوبين عن
الأحلاف بواقع واحد عن كل حلف مرة في كل عام قصد التشاور وتبادل الرأي.
(المادة الثانية عشرة) يختص المجلس الأعلى بالفصل بصفة نهائية فيما
ينشأ من خلاف بين حلف وحلف آخر، كما يختص بالنظر استئنافيًّا بناء على طلب
أحد الأطراف ذات الشأن في الأحكام الصادرة في الخلافات بين الفروع.
(المادة الثالثة عشرة) يرفع المجلس الأعلى إلى المؤتمر العالمي المنعقد
بهيئة جمعية عامة عادية تقريرًا عامًّا عن سير أعمال الرابطة وإدارة أموالها.

اللجنة التنفيذية:
(المادة الرابعة عشرة) يختار المجلس الأعلى بين أعضائه رئيس الرابطة
ووكيلها وسكرتيرها العام وأمين صندوقها الذين يكونون لجنتها التنفيذية.
(المادة الخامسة عشرة) رئيس الرابطة هو في الوقت نفسه رئيس
المجلس الأعلى واللجنة التنفيذية والمؤتمر الإسلامي العام.
(المادة السادسة عشرة) يجدد المجلس الأعلى اختصاص اللجنة التنفيذية
والسكرتير العام وأمين الصندوق في لائحته الداخلية التي تشمل كذلك أحكامًا خاصة
بالنشرة الرسمية للرابطة وبمفتشيها الزائرين.
(المادة السابعة عشرة) تجتمع اللجنة التنفيذية مرة في كل شهر، ولا
تكون قراراتها صحيحة إلا بحضور اثنين على الأقل من أعضائها.
(٤) أموال الرابطة
(المادة الثامنة عشرة) تتكون إيرادات الرابطة التي يعهد بإدارتها إلى
المجلس الأعلى من هبات أعضاء الشرف والأعضاء المحسنين ووصاياهم ومن
مساهمات الأعضاء المتبرعين، واشتراكات الأعضاء العاديين، وعشر اشتراكات
الأعضاء المنتسبين.
أما الأحلاف فيستقل كل واحد منها بإدارة إيراداته المكونة فقط من تسعة أعشار
اشتراكات الأعضاء المنتمين إليه.
وقيمة الاشتراك السنوي للأعضاء العاديين خمسة فرنكات سويسرية تدفع في
مركز الرابطة العام اهـ.
رأي المنار في هذه الجمعية
وفي سمو مؤسسها
إن موضوع هذه الجمعية لعظيم جدًّا، وإن هذا الهيكل العظمي لنظامها لكبير
جدًّا، وإن حاجة العالم الإسلامي إليها لشديدة جدًّا، وإن همة مؤسسها الأمير الكبير
عباس حلمي خديو مصر السابق لكبيرة، وإن إرادته لقوية، وإن ثروته لواسعة؛
وإنما يتوقف نجاح هذا العمل العظيم مع استخدام هذه القوى الثلاث على طائفة
من الرجال العظام؛ وإنما أعني العظام بعقولهم وقلوبهم وأخلاقهم وعلومهم وأعمالهم
وإخلاصهم وحريتهم واستقلالهم، لا بألقابهم.
يوجد في بلاد الإسلام المتفرقة أفراد من هؤلاء الرجال، لا يعوزهم للقيام بمثل
هذا المشروع العظيم إلا القوة والمال، وأغنياء المسلمين أولو المال كلهم أو جلهم
أغبياء أو بخلاء، وأمراؤهم أولو القوة والنفوذ كلهم أو جلهم مستبدون أو جهلاء،
فهم لا يعرفون أقدار عقلاء المصلحين ولا يقدرون على الاتفاق معهم؛ لأنهم
يريدون استخدامهم لأشخاصهم لا لأمتهم، ويحاولون تسخيرهم لأهوائهم دون العمل
بمقتضى عقيدتهم، والرجل المصلح المخلص لا يتبع في عمله هوى نفسه، فكيف
يتبع هوى غيره؟
ولا أعرف أحدًا من أمراء المسلمين قد جرب الناس وخبرهم كالأمير عباس
هذا، ذلك بأنه كان في عهد إمارته قليل التحجب والترفع، كثير المقابلة للناس من
الطبقات العليا والوسطى، واسع الحرية في محادثتهم، وقد تدلى عن أفق الإمارة
والمُلك إلى معاداة رجال من خواص أمته واتخاذهم خصومًا، ثم ارتقى إلى مقامه
اللائق به فأدنى الباقين منهم واتخذ منهم أولياء وأنصارًا، وقد رأى كثيرًا من الناس
الذين يتبعون هواه، ويبيعون دينهم بدنياه، لا حبًّا فيه بل حبًّا لأنفسهم، وتوسلاً به
إلى شهواتهم، ورأى قليلاً من الناس لا يعملون إلا لأمتهم، ولا يؤثرون أحدًا على
ملتهم، فلا يلفتهم المال ولا الجاه أقل لفتة عن عقيدتهم، ورأى أن قليل هؤلاء
الصادقين، خير من كثير أولئك المنافقين، وأن جميع علماء الأزهر ما كانوا يغنون
غناء الشيخ محمد عبده، وأن جميع رجال بطانته وحاشيته لا يبلون بلاء حسن
عاصم باشا وحده، فماذا كان مبلغ استفادة سموه من هذه التجارب، هذا ما لا أعلمه.
ولكنني كنت ممن عاداهم ثم أدناهم، وقد وعدني بالمساعدة على ما أقوم به
من الإصلاح الإسلامي إلى مدى بعيد، وشرع في الوفاء فحالت الحرب العالمية
دون استمرار العمل الذي بدأت به بمساعدته - وهو مدرسة الدعوة والإرشاد -
وكان من مقاصده فيه الاتفاق مع الدولة العثمانية على مثله وما هو أوسع منه بعد
وقوع ما كان يتوقعه من شعور رجالها بخطئهم في عدم تنفيذهم لمشروع الدعوة
والإرشاد في الآستانة، ولا أدري ما كان يرمي إليه من وراء ذلك الاتفاق وما
ظننت إلا خيرًا.
وأقول الآن: لو كان معه في مؤسسي هذه الرابطة الإسلامية رجلان كالشيخ
محمد عبده وحسن باشا عاصم، في بصريتهما واستقلال عقولهما وإرادتهما
وإخلاصهما لرجوت له الفوز والنجاح فيها، إذا هو أعطاهما حقهما في استقلالهما
وحريتهما، وقنعا بالعمل معه لخدمة الإسلام بالذات، وخدمته هو بالتبع لخدمة
الإسلام؛ وإنما اقتصرت على ذكر رجلين اثنين في هذا المثل لأنه ذكر في المادة
السابعة عشرة من قانون رابطته أن اللجنة التنفيذية لمجلسها الأعلى تنعقد بحضور
اثنين من أعضائها، وتكون قراراتها صحيحة، وهذا مما ينتقد من مواد هذا القانون؛
ولكن عبقريي الرجال يغني قليلهم عن كثير غيرهم إن وجدوا، ولا يفري فريهم
ألوف الدهماء إن فقدوا.
وأريد بهذا المثل أن مثل هذا العمل لا يمكن أن ينهض به إلا كبار رجال
الإصلاح العالمين بأمراض العالم الإسلامي العارفين بطرق علاجها، الذين يهمهم
أمر أمتهم أكثر مما يهمهم أمر أنفسهم وأهليهم وأولادهم، فإن كان الأعضاء
المؤسسون لهذه الرابطة مع سموه في جنيف (سويسرة) من هذه الطبقة؛ فإن ذكر
أسمائهم في ذيل قانون الرابطة أعظم تأثيرًا في العالم الإسلامي من جميع مواده
الواسعة النطاق، المحيطة بالآفاق، ولكن أنى له برجال من هذه الطبقة؟
أسس سموه هذه الرابطة في ١٥ نوفمبر سنة ١٩٣١ الموافق خامس رجب من
هذه السنة في مدينة جنيف، ولا نعلم أنه كان فيها من رجال العالم الإسلامي الذين
يصلحون للنهوض بهذا العمل إلا الأمير شكيب أرسلان، الملقب بأمير البيان،
والمشهور بجهاده في خدمة الإسلام في كل مكان، وإنا نعلم علم اليقين أنه لم يكن
من المؤسسين مع سموه لهذه الرابطة ولا ممن استمد رأيهم فيها، ولقد يعز على من
يعرف هذا الرجل أن يثق بمشروع إسلامي يرغب مؤسسوه عن اشتراكه، أو
يرغب هو عن مشاركتهم فيه.
أسس سموه الرابطة بعد أن وصل إليه كتاب الدعوة إلى المؤتمر الإسلامي
الذي عُقد في القدس الشريف وكان وعد بأن يحضره أو يرسل مندوبًا عنه يحضره،
ورأينا في أساس نظامها عقد (مؤتمر عالمي إسلامي) في كل ثلاث سنين مرة،
رأينا في مقدمته أن السيد الطباطبائي سكرتير لجنة هذا المؤتمر التنفيذية المنتخب
جعل سكرتيرًا لجميعة الرابطة الإسلامية الدولية أيضًا، وهو كفؤ لها باستعداده
الفني والسياسي؛ ولكنه لا يمكنه الجمع بين العملين ولا إدغام أحدهما في الآخر.
زار سمو الأمير عباس - بعد تأسيس هذه الرابطة - أنقرة وجدد مودته
لحكومتها الجمهورية اللادينية، وزار فلسطين وسورية فاحتفى بزيارته المندوب
السامي البريطاني في الأولى والمندوب السامي الفرنسي في الثانية، وزار شرق
الأردن وجدد مودته لأميرها عبد الله بن الملك حسين، وكل زيارة من هذه
الزيارات تضعف الثقة بهذه الرابطة التي أسسها، فإذا قرن ذلك بمن استخدمهم
سموه في زيارته هذه وباختياره لنشر قانون الرابطة جريدة رجل مسيحي في (بيت
لحم) من فلسطين على المجلات الإسلامية والجرائد اليومية المشهورة؛ فإن الثقة
بها تزداد وهنًا على وهن، وظنة على ظنة.
عبارة قانون الرابطة ضعيفة، ومنها ما لا يفهم معناه إلا بالقرينة، وفي مواده
على نقصها أمور مبهمة وأخرى غير معقولة، ومن أغربها أن من أعضاء الشرف
في هذه الجمعية ملوك المسلمين ورؤساء دولهم (أي الجمهورية) فمن ذا الذي يعقل
أن يرضى إمام اليمن وملك مصر وملك الحجاز ونجد وملك الأفغان وشاه إيران
وملك العراق أن يكونوا أعضاء لهذه الجمعية، وليس للمسلمين حكومة جمهورية إلا
حكومة الترك؛ ولكنها حكومة لا دينية لا حكومة إسلامية، فهي قد حلت جميع
روابط الإسلام وتبرأت من كل صلة لها بالمسلمين، ومن الشرق والشرقيين، فأنى
يقبل رئيسها أن يكون عضوًا لهذه الرابطة الإسلامية؟ إلا أنه قد يكون له هوى
سلبي فيها، وقد يكون منه شيء يتعلق بالخلافة؛ ولكنه لا يرضى أن يكون عضو
شرف لها.
تداولت الصحف نبأ اضطراب هذه الحكومة اللادينية وانزعاجها من عقد
مؤتمر إسلامي في القدس الشريف، وخوفها أن يكون من مقاصده إحياء منصب
الخلافة الإسلامية، فخاطبت وزارة خارجيتها الدولة الإنكليزية باعتراضها على عقد
مؤتمر هنالك يبحث في مسألة الخلافة، فبلغتها هذه الدولة أن ذلك ليس من عمل
المؤتمر، ولم يمنعها هذا من الكتابة إلى الدول الإسلامية: إيران وأفغانستان
ومصر والحجاز والعراق مقترحة عليها عدم الاشتراك في هذا المؤتمر.
وجملة القول أن أسباب الارتياب في هذه الجمعية كثيرة منها ما ذكرناه آنفًا،
ومنها ما ذكرناه في الكلام على المؤتمر الإسلامي العام من هذا الجزء، وهو ما
شاع من سعي سمو العباس ليكون ملكًا لسورية أو رئيس جمهورية لها في ظل
الانتداب الفرنسي، وقد تناقل المشتغلون بالقضية السورية عنه أنه مهَّد السبيل لهذا
السعي مع فرنسة وحكومة الترك الجمهورية بما حملهم على بث الدعاية لمقاومة
سعيه، وإحباط عمله.
ويمكنني بعد هذا كله أن أقول إن مشروع هذه الرابطة الإسلامية هو أكبر عمل
فكر فيه العباس، وأنه خير له من ملك سورية في ظل الانتداب، وقد يكون أفضل
له من ملك مصر مع سيطرة الاحتلال، إذا هو أعطاه حقه، واختار له من الرجال
أهله، وما أراه إلا يعتقد إخلاصي في النصح له، عملاً بحديث (الدين النصيحة لله
ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم) رواه مسلم في صحيحه، وقد صرَّح لي بمثل
هذا الاعتقاد إذ شرفني بالدعوة إلى مقابلته في قصر القبة بعد إبعادي عنه، وإلحاحه
في عداوتي تسع سنين.
فليتأمل سمو العباس مقالي هذا تأملاً، وليتدبره تدبرًا، وليتفكر فيه تفكرًا؛
فإنه إن يعطه حقه من ذلك غير مشوب بشعور عظمة ماضية، ولا بأماني حاضرة
وآتية، يعلم أن ما قلته هو الحق لا ريب فيه، وحينئذ يجب عليه أن يقف مواهبه
النفسية والمالية على أخذه بربانه، وتوسيد العمل فيه إلى أهله، فبذلك يحدث أكبر
إصلاح في الشرق والغرب، وإلا فالأجدر به تركه والتفصي منه و (كل ميسر لما
خلق له) .