للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


عبد الحميد بك الرافعي

في اليوم السابع عشر من شهرنا هذا اهتزت أسلاك البرق وخفقت بنعي
صديقنا الكريم، وولينا الحميم، عبد الحميد بك الرافعي رحمه الله تعالى، وفي مثل
هذا الشهر من سنة ١٣٤٨ احتفل في طرابلس بالعيد الذهبي لهذا النابغة السوري
العربي، وقد بيَّنا مناقبه ووصفنا أدبه في المنار يومئذ، فلم يكن بين الاحتفال بعيد
مجده، والاحتفال بتجهيزه لعيد لقاء ربه إلا سنتان فقط، فسبحان الذي يحيي ويميت
وإليه المصير، ولقد كان عازمًا على زيارة مصر في هذا الربيع، فسررنا جد
السرور بخبر عزمه، ومنينا النفس بعودة ما كان لنا في سن الشباب من التمتع
بأدبه، ولم نلبث أن حزنا أشد الحزن لما حال دون إنجاز وعده، فنسأل الله تعالى
أن يجمعنا به في دار كرامته.
ليس المقام الآن مقام التأبين والرثاء، بل مقام الصلاة والدعاء، والعبرة
والعظة، والشهادة الحسنة بما نرجو به لفقيدنا الرحمة والمغفرة، فلقد كان أحسن الله
مآبه، وأجزل ثوابه، من أحسن الناس أخلاقًا، ولقد قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: (إن خياركم أحسنكم أخلاقًا) رواه البخاري من حديث عبد الله بن عمرو،
وقال: (إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسًا يوم القيامة أحسنكم أخلاقًا) رواه
الترمذي وحسنه، والحاكم وصححه.
وكان رحمه الله من أوصل الناس للرحم وأبرهم بالوالدين والإخوة والأهل،
فهو المربي لغير واحد من إخوته، ولا يزال في كنفه كثير من أولادهم، وقد قال
صلى الله عليه وسلم: (الرحم شجنة من الرحمن، فقال الله: من وصلك وصلته،
ومن قطعك قطعته) رواه البخاري من حديث أبي هريرة وعائشة، وقال صلى الله
عليه وسلم: (من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه)
متفق عليه من حديث أنس ورواه البخاري من حديث أبي هريرة.
إن أدب عبد الحميد لا ينسى، وإن شعره الخالد لا يبلى، وإن ذكراه بنجابة
نجليه لأدوم وأبقى، فهما المثل الحي لآدابه وفضائله، والعزاء للوطن عن شخصه،
وإن سميرًا لشاعر عصري وكاتب مجيد، ووطني صادق، فلا زال هذا البيت
الكريم مفخرًا للعرب، في العلم والأدب، والفضل والحسب، آمين.