للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


جمعية مكارم الأخلاق الإسلامية

هذه الجمعية أقدم الجمعيات الإسلامية التي أنشئت للوعظ والإرشاد في مصر،
فإنني لما هاجرت إلى مصر في منتصف سنة ١٣١٥ لم أجد فيها غيرها، واتفق أن
كانت هي الجمعية الأولى التي تعودتُ إلقاء الخطابة الارتجالية على منبرها،
فوجئت بذلك أول مرة مفاجأة إذ حضرتُ أحد اجتماعاتها متفرجًا، فكان من الخطباء
فيه إسماعيل بك عاصم المحامي المشهور رحمه الله تعالى فرآني بين الناس وكان
قد عرفني، فلما فرغ من خطبته دعاني مشيدًا بذكري، مطريًا لأدبي، وكان هذا
غريبًا منه وهو لا يعلم من أمر استعدادي للخطابة شيئًا؛ ولكنني أعتقد أنه كان
مخلصًا في طلبه لا مورطًا، إذ قابلني بالمودة منذ عرفته وثبت عليها طول عمره
واشترك في المنار منذ سنته الأولى، وكان ممن يدفعون قيمة الاشتراك في أول
السنة، ولما تم للمنار عشرة أعوام أقام له حفلة أدبية كانت هي الأولى من جنسها
دعا إليها جميع أصحاب المجلات العربية بمصر ووزير المعارف وبعض رجال
العلم والأدب إلى مأدبة حافلة ألقيت فيها الخطب البليغة في الثناء على المنار
ومنشئه، فرحمه الله وجزاه أحسن الجزاء.
وأقول بعد هذا الاستطراد الذي أراه من حقه علي: إنني أجبت دعوته
وصعدت المنبر على غير استعداد ولا سبق حضور موقف من هذه المواقف غير
المعتادة في بلدنا طرابلس الشام في العصر الحميدي، وألقيت ما فتح الله به علي في
موضوع مناسب للمقام، صفق له الحاضرون مرارًا وهنأوني به، وما أظن أنني
أجدت الإلقاء؛ ولكنني أعتقد أنني قلت حقًّا نافعًا بعبارة عربية صحيحة لا خطابية،
ثم كان المرحوم الأستاذ الشيخ زكي الدين سند خطيب الجمعية المؤسِّس لها يدعوني
إلى الخطابة في كل اجتماع يراني فيه بعد أن يستشيرني فأقبل، ثم أسسنا جمعية
شمس الإسلام فكنت خطيبها الأول.
ثم إن جمعية مكارم الأخلاق ضعفت بعد وفاة المرحوم الشيخ زكي الدين سند،
ثم عُني بإنعاشها ومساعدة مجلتها محمد سعيد باشا الإسكندري في عهد وزارته
وخليل باشا حمادة البيروتي الذي تولى أمانة الجمارك في الإسكندرية، فإدارة
الأوقاف العامة بمصر، فصار يُطبع من مجلتها ألوف كثيرة من النسخ، ثم عاودها
الضعف والذبول، حتى كادت تزول، فتداركها الله باللطف ونهضت نهضة جديدة
بهمة أصحاب النجدة والغيرة: رئيسها ووكيلها ومراقبها.
اتخذوا لها أولاً مكانًا مشهورًا في القاهرة هو القاعدة الأثرية المشهورة بدار
السادات الوفائية المسماة بأم الأفراح، يتبعها حجرة للإدارة وباحة واسعة من وراء
الدار، فكانت الخطب والمحاضرات تُلقى في القاعة مدة فصل الشتاء وزمن البرد،
ثم تلقى في الباحة سائر أيام السنة، وموعدها بعد صلاة المغرب من يوم الجمعة،
وكان أكثر من يحضرها طلبة الجامع الأزهر، وقد دعيت إلى إلقاء محاضرات
كثيرة فيها كانت الإدارة تعلن خبرها في الجرائد اليومية فيحضرها خلق كثير من
جميع الطبقات، ولا أزال أدعى فأجيب، بعد نقل الجمعية إلى مكانها الجديد.
نقلت الجمعية إلى حي شبرا لمقاومة دعاة النصرانية فيه إذ كثرت جمعياتهم
وتصديهم فيها لإغواء عوام المسلمين، فاتخذت لها دارًا فسيحة ذات حجرات كثيرة
وباحة واسعة، وأنشأت في الدار مدرسة ابتدائية تعلم فيها أطفال المسلمين بأجرة
زهيدة مع تربية عملية مفيدة.
وقد أنشئ لمجلتها (مكارم الأخلاق الإسلامية) مطبعة خاصة بها، وأنشئ لها
مجلة أخرى باسم (المصلح) فالمجلة الأولى في السنة الثامنة من حياتها الجديدة
وهي تصدر في منتصف كل شهر عربي في أربع كراسات بقطع المنار، وقيمة
الاشتراك فيها ١٥ قرشًا في السنة لطلاب المعاهد والمدارس، و٢٥ قرشًا لسائر
الناس، وأما صحيفة المصلح فتصدر في كل شهر أو شهرين في كراستين أو ثلاث
بقطع أكبر وقيمة الاشتراك فيها في القطر المصري خمسة قروش وأجرة البريد،
وفي خارج القطر ١٠ قروش، ويرى القارئ لهما في كل منهما فوائد كثيرة من
تفسير السور الصغيرة التي تُقرأ في الصلاة وشرح بعض الأحاديث الصحيحة
وبيان السنن النبوية المتروكة لإحيائها، والبدع الفاشية مع النهي والتنفير عنها،
والمسائل الفقهية والأدبية والتاريخية والمواعظ وغير ذلك ونرى جل ما في
الصحيفتين بقلم وكيل الجمعية الأستاذ العالم الكاتب الخطيب الشيخ محمود محمود
الأستاذ في مدارس الحكومة العليا، حمد الله سعيه وأدام توفيقه.