للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


نداء جمعية الهداية الإسلامية في دمشق

أرسلت إلينا هذه الجمعية كتابًا ذكرت فيه أنها أرسلت كُتبًا إلى ملوك المسلمين
وأمرائهم وصحفهم وأغنيائهم لإعانة الحرمين الشريفين ومعه صورة ما أرسلته
إلى ملكنا المعظم وهذا نصه:
خطابها إلى جلالة ملك مصر المعظم
لصاحب الجلالة الملك فؤاد الأول ملك مصر المعظم أعزَّ الله به الإسلام
والمسلمين.
لقد استفاض الخبر، وصح النقل باشتداد الضائقة على إخواننا أهل الحرمين
الشريفين وتضاعُف العسر عليهم، فقد أخبر المطلعون بأنهم أصبحوا بحالة تدمي
القلوب وتفتت الأكباد، وذلك لتقاعس الناس عن أداء فريضة الحج وتلكؤهم عن
زيارة تلك الأماكن المقدسة.
إن الأزمة في البلاد الحجازية قد اتسع نطاقها، وتفاقم خطبها، فشمل الكبير
والصغير، وعمَّ أكثر السكان والمجاورين، في هذين البلدين الشريفين، وهي اليوم
آخذة بالازدياد والعياذ بالله تعالى.
لم يختلف أحد من الناس في استتباب الأمن في بلاد الحجاز كلها حتى أصغر
بقعة فيها، فلو فُرض أن شخصًا نثر هناك آلاف الدنانير الذهبية على رءوس
الناس في الطريق العامة لما تجاسر أحد على مس دينار واحد منها، على حين أن
هؤلاء الذين نُثر الذهب على رؤوسهم فزهدوا فيه يتسابقون إلى التقاط ما يُلقى في
الأرض من قشر البرتقال والبطيخ تقليلاً لِسَوْرَةِ جوعتهم، وشدة ألمهم.
إلى هذا الحد وصل أولئك الإخوان المجاورون والقاطنون في تلك البلاد
الشريفة، ولا شك أن هذا الحال أدى وسيؤدي إلى موت الكثيرين منهم بلا سابقة
جناية ولا تقدم ذنب أو جريمة.
إن هؤلاء الضعفاء المساكين الذين أعوزتهم الحاجة، وبلغ بهم الفقر مبلغًا
جعلهم يذكرون أيام الحرب العامة بمزيد من المدح والثناء - يموت الكثيرون منهم على
قارعة الطريق في أشرف بلاد الله، يموتون وبطونهم جائعة، وأجسامهم عارية،
وعيونم شاخصة تتطلع إلى السماء شاكية ما حل بها من قسوة أخيها الإنسان وجوره
وعتوه وظلمه.
فرحمة بأولئك البؤساء الذين ذهب الفقر بأرواحهم، وأحاطت الحاجة بأولادهم
وبناتهم ونسائهم، وقيامًا بالواجب الديني والإنساني، اجتمع أعضاء (جمعية الهداية
الإسلامية) بدمشق، وبعد المذاكرة وتتبع الموضوع من عامة أطرافه رأوا أن
يستصرخوا غيرتكم وحميتكم باسم كونكم أعظم ملوك الإسلام والمرجع الأعلى
لمختلف شؤونه لتعملوا على مساعدة هؤلاء البائسين، وتمدوا يد المعونة إليهم
بإرسال ما تَراكَمْ لهم في خزانة الأوقاف من مال الحرمين الشريفين، وبذلك تحيون
أنفسًا قضى على حياتها الفقر، وأجسامًا أضر بها الجوع والعري، وذلك كما لا
يخفى من أفضل الأعمال، وأشرف الخلال، ففي حديث أنس رضي الله عنه عند
الديلمي مرفوعًا: (ما عمل أفضل من إشباع كبد جائعة) ومن حديثه أيضًا عند
أبي يعلى يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم: (من اهتم بجوعة أخيه المسلم
فأطعمه حتى يشبع وسقاه حتى يروى غفر الله له) على أن في هذا العمل أيضًا
براءة للذمة مما هي مطوقة به من وجوب العمل بنص الواقف الذي هو كنص
الشارع، وليت شعري هل يرضى الواقف للحرمين الشريفين بصرف ثمرة أوقافه
على غير قطان تلك البلاد الشريفة، وخصوصًا عند حاجتهم، وتحقق ضرورتهم.
إن اختزان أموال الحرمين أو صرفها لغير أهلها في أيام اليسر جريمة يجب
أن تتنزه عنها الحكومات الإسلامية، فكيف والوقت عسر، والمستحقون لهذه
الأموال في أشد درجات الضيق، وأقصى أحوال الجهد والعناء.
قال أهل العلم: من منع المال مستحقيه فقد خان الله ورسوله والمؤمنين، وعُدَّ
غاصبًا للمال، وظالمًا من جملة الظالمين، ومن صرفه حيث أمر الله عُدَّ من الذين
صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وكان خير أمين فيما أسند إليه.
ولما كنتم أدام الله عز المسلمين بكم ممن لهم السابقة في خدمة الدين، والاهتمام
بأمور المسلمين، تحدبون عليهم حدب الوالد على ولده، والراعي على رعيته
خصوصًا أهل الحرمين الشريفين، أتينا بكتابنا هذا مرفوعًا لسدة جلالتكم راجين أن
تكونوا لأهل حرم الله تعالى وحرم رسوله المعظم عند حسن ظننا بكم، لا زلتم
موئلاً للبائسين، وعضدًا متينًا لعموم المسلمين سيدي.