للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


فتاوى المنار

الطريقة الشاذلية
(س٥١) من صاحب الإمضاء بيافا
في رجب سنة ١٣٤٧ ديسمبر سنة ١٩٢٨
إلى حضرة السيد الإمام مفتي الإسلام سيدي محمد رشيد رضا مفتي المنار
المضيء حفظه الله، إنني مسلم موحد الله - لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى
الله عليه وسلم - وأريد أن أطلع على الحقوق المطلوبة مني للحق عز وجل، وأريد
أن أسألكم سؤالاً واحدًا يكون جوابه من لطفكم وعواطفكم لا حرمنا الله من متعتكم
الدنيوية، وأريد نشره في مجلتكم (مجلة المنار) التي أتمنى لها خير النجاح وهو
كما يأتي، ولكم الأجر والثواب عند الله الواحد القهار.
ما هي الطريقة الشاذلية؟ منافعها، مضارها، تأثيرها، مقصودها، خطتها،
نشوءها، نموها، وإن كان عندكم شيء زيدوا على ما سألت أنا ولكم الفضل سيدي.
ملاحظة: إن الذي أجبرني على أن أسأل حضرتكم هذا السؤال هو شيء
واحد، وهو أخي يعرض عليَّ دخول هذه الطريقة ومسلكها، وأيضًا الذي جعلني
أن أمتنع عن القبول هو كلام الناس يحكون في حقها ما لا تقبله المسامع، فيا ترى
هذا الكلام صحيح أم لا؟ أخبرنا فإن كان لا فتكون أولاً نفعتني وثانيًا نفعت الذي
يريد أن يسلك في هذا المسلك، فلهذا سألت هذا السؤال وأملي بأن ينشر على
صفحات مناركم مع جوابه ولكم الفضل سيدي ومولانا.
... ... ... ... ... ... ... ... رجب برزق
... ... ... ... ... أحد مستخدمين السيد أحمد محمود الشريف

(ج) كان سبب تأخير الجواب عن هذا السؤال أنني كنت أريد أن أكتب
خلاصة تاريخية لهذه الطريقة وفروعها، ولا سيما الفرع الذي انتشر واشتهر في
فلسطين بدعوى الحلول والجمع بين النساء والرجال في الأذكار والخلوات وغير
ذلك من المنكرات التي أشار إليها السائل بقوله: يحكون في حقها ما لا تقبله
المسامع، وهذه الخلاصة تتوقف على بحث ومراجعة، ولذلك مرت هذه السنوات
ولم أجد لها فراغًا، ونسيت هذا السؤال بل ضل عني بين الأسئلة المهملة لأسباب
مختلفة منها سبق الجواب عن مثلها ومنها انتظار الفرص للبحث عن موادها وأدلتها
كهذا السؤال، وإن أكثر فتاوى المنار في هذه السنين تُكتب بدون مراجعة شيء من
الكتب، وأقلها بعد مراجعة لا تستغرق وقتًا طويلاً، ولما نجد فرصة لكتابة هذه
الخلاصة.
والذي ننصح به للسائل عن الطريقة الشاذلية أن يتجنبها ويتجنب أمثالها من
هذه الطرائق التي بيَّن غرضها أحد كبار رجالها في القرن الماضي وهو السيد محمد
الزعبي الجيلاني شيخ الطريقة القادرية في طرابلس الشام وهو والد الأستاذ الكبير
السيد عبد الفتاح الزعبي نقيب السادة الأشراف والخطيب المدرس في الجامع الكبير
المنصوري من زهاء قرن، فقد أخبرني هذا الأستاذ أن بعض مريدي والده سأله
عن سبب اختلاف أصحاب هذه الطرائق في عمائمهم وشاراتهم وأعلامهم وأورادهم
وأذكارهم مع دعواهم أن الغرض من سلوك كل طريقة منها معرفة الله تعالى
وعبادته الصحيحة، فقال له السيد المنصف رحمه الله تعالى: (تغيير شكل لأجل
الأكل) .
وأخبرني الأستاذ الشيخ محمد الحسيني أشهر علماء طرابلس لهذا العهد أنه كان
مرة في درس الشيخ الخضري الكبير في الجامع الأزهر فمرَّ بالقرب من الجامع
موكب لأهل الطريق بدفوفهم وصنوجهم وضجيجهم فسكت الشيخ عن تقرير الدرس
إلى أن بعدوا وخف صوتهم وقال لتلاميذه: إن جميع طرق الصوفية دخلتها البدع
إلا الطريقة النقشبندية والطريقة الدمرداشية اهـ.
ولكنني انتظمت بعد سماع هذا القول في سلك الطريقة النقشبندية فألفيتها لم
تخل من البدع، ثم اختبرت الطريقة الدمرداشية فوجدتها كذلك، ولكن بدعهما أهون
من بدع غيرهما فليس فيهما معازف ولا ملاه ولا أغاني ولا عبادة قبور، ولا أوراد
غير ذكر الله تعالى، وقد تكلمت على بدعة الرابطة عند النقشبندية وبدعة الذكر
بالأسماء المفردة عندهم وعند غيرهم من قبل، وأين هي من التيجانية والحلولية
والإباحية من الشاذلية الترشيحية وغيرها، فعليك أيها المسلم أن لا تقرب أحدًا منهم،
وإن لبعض من تفقه من شيوخهم فائدة في إرشاد العوام إلى الصلاة والصيام وذكر
الله، وإن كان بعضه غير مأثور أو مبتدع كالذكر بالأسماء المفردة، وهو هو، وآه
آه، فلو اعتصموا بالمأثور لكان خيرًا لهم، وقد فصَّلنا هذه المسائل مرارًا، وعليك
بتلاوة القرآن والأذكار والأوراد المأثورة في السنة الصحيحة، وحسبك من
مختصراتها كتاب (الكلم الطيب من أذكار النبي صلى الله عليه وسلم) لشيخ
الإسلام ابن تيمية، فإن أحببت المزيد فعليك بكتاب الأذكار للإمام النووي أو
الحصن الحصين للمحدث الجزري.
***
استعمال الماء
الممزوج بالسموم وجراثيم الأمراض المعدية
(س٥٢ و ٥٣) من صاحب الإمضاء في زنجبار:
حضرة العلامة الأستاذ الكامل السيد محمد رشيد رضا متعنا الله بوجوده:
(١) ما تقول فيمن بنى مسجدًا وجعل فيه موضعًا لقضاء الحاجة وموضعًا
للطهارة بالحيطان، وكان الاسم ينطلق بالمسجد، فهل يجوز ذلك والحال أن الاسم
اسم المسجد.
(٢) وما تقول في ماء بلغ قلتين، وتوضأ صاحب القروح فيه وأهل
الأمراض العدوية، وحكم أهل الخبرة بحدوث الأمراض بالمتوضئين، فهل يعمل
قولهم بالاجتناب عن هذا الماء الذي بلغ القلتين ولم يحمل خبثًا؟ أفتوني أثابكم الله
تعالى.
لا زلتم عامرين لما اندرس من المعالم الدينية.
... ... ... ... ... ... ... ... من العبد المسيء
... ... ... ... ... ... ... ... قناوي بن عيسى
... ... ... ... ... ... ... ... بزنجبار
(ج) يجب اجتناب استعمال الماء الذي دخلت فيه جراثيم الأمراض الوبائية
والأدواء المعدية في الوضوء وغيره كالهيضة الوبائية وقروح الزهري والطاعون
والسل لا لنجاسته الفقهية، بل لاتقاء ضرر سمومه المرضية، وأما السؤال الأول
فلم نفهمه فإن كان المراد منه أن المستنجين ينجسون جدران المسجد فعملهم غير
جائز ولا يعقل أن يعد الواقف جدران المسجد لذلك.
***
أسئلة من جاوة
في ولادة عيسى عليه السلام
(س٥٤ - ٥٦) من الأستاذ المرشد الشيخ محمد بسيوني عمران إمام
مهراج (سمبس برنيو) .
حضرة صاحب الفضيلة الإمام العلامة الحجة، مولاي الأستاذ السيد محمد
رشيد رضا صاحب المنار الأنور نفعني الله تعالى والمسلمين بعلومه آمين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد فإني قرأت في بعض المجلات
الملاوية مقالة مطولة لبعض الطلبة الملاويين في بيان ولادة عيسى ابن مريم قال
فيها إنه لا بد لولادته من أب؛ لأن الله قال في كتابه: {وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً} (الأحزاب: ٦٢) وقال تعالى: {وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً} (فاطر:
٤٣) ورفض الأقوال المؤيدة بدلائل القرآن أن عيسى ولد بغير أب، وقال غيره
من بعض أصحاب المجلة: ليأتنا من يعتقد أن ولادة عيسى بلا أب بآيات القرآن
والأحاديث النبوية مع بيان درجتها ومآخذها.
هذا، وإني قد قرأت تفسير المنار لسورة آل عمران في بيان ولادته بلا أب
ورأيت فيه ما يشفي الغليل من الذين يريدون الحق وإزهاق الباطل وفهم مراد الله
من كتابه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه؛ ولكن لما صارت هذه
المسألة موضع النزاع الآن عندنا بين طلاب الأدلة من الكتاب والسنة جئت باب
فتاوى المنار سائلاً عن هذه المسألة ليكون جوابه عنها هو القول الفصل كما سبق له
مما به أجاب، أنه الحكمة وفصل الخطاب، وها أنذا أصور الأسئلة كما يأتي:
١- هل ولادة عيسى ابن مريم بلا أب مجمع عليها أم لا؟ وهل يكفر من
جحدها أم لا؟
٢- هل آية {قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ
يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ} (آل عمران: ٤٧) نص
في أن ولادة مريم لولدها عيسى بلا أب أم لا؟ وهل كذلك آية سورة مريم {قَالَتْ
أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِياًّ} (مريم: ٢٠) أم لا؟
٣- هل وردت أحاديث نبوية يصح الاحتجاج بها على هذه المسألة أم لا؟
فإذا وردت فما درجتها من الصحة وفي أي كتاب أو كتب هي؟
هذا، وتفضلوا بالجواب عن هذه الأسئلة في أقرب وقت ممكن، ولكم مني
ومن الناس الشكر الجميل، ومن الله الأجر الجزيل.
... ... ... ... سمبس برنيو الغربية ٢٥ صفر سنة ١٣٥١ ...
... ... ... ... ... ... محمد بسيوني عمران

أجوبة المنار
ولادة عيسى ابن مريم عليه السلام من غير أب مجمع عليها ومستند الإجماع
نصوص القرآن المجيد يكفر من جحدها على علم، وأما الآيتان اللتان في السؤال
الثاني فهما في البشارة به وبأنه يكون بقدرة الله تعالى لا بالسنن العامة في الحمل
والوضع، وفي بقية القصة خبر الولادة وجملة الآيات نص قطعي في المسألة،
وورد فيها أحاديث مختلفة الدرجات في الصحة وما دونها دلالتها دون دلالة آيات
القرآن القطعية الرواية والدلالة، فلا ينبغي لمسلم أن يلتفت إلى ما يهذي به الملاحدة،
ولا أتباع مسيح الهند الدجال غلام أحمد القادياني وراجع ما كتبناه في الرد على
ملحد دمنهور في شبهة السنن الكونية وهو في الجزء الأول من منار هذه السنة، فقد
بيَّنا بها جهل من يماري في هذه الآيات بأنها على خلاف سنن الله تعالى في الخلق،
وكذلك الفصل الذي عقدناه في الآيات الكونية من بحث الوحي، وهو في الجزء
الثامن الماضي، ففيه القول الفصل في معنى سنن الله وآياته ومنه المسيح وأمه
عليهما السلام.