للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


المقال الرابع
مقدمة تاريخية للرد على مجلة مشيخة الأزهر
في تصدي المنار للإصلاح ومقاومة الشيوخ له

إن هذا التنازع والتخاصم بين مجلة المنار ومجلة مشيخة الأزهر تنازع في
مسائل من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وطريق فهمهما ودفع
ما يرد عليهما من الشبهات العصرية وما عارضهما من شوائب البدع، فمن حق
الأمة أن تعرفه وأن يكون لها حق الحكم فيه، وأرى من المفيد لها في أسباب صحة
الحكم أن أقدم على الرد العلمي على مسائل التهم البهتانية مقدمة تاريخية وجيزة في
تصدي المنار لإصلاح التعليم والتربية في الأزهر ومقاومة البدع والخرافات في
المسلمين وعداوة بعض الأشياخ له حملني عليها استعداء الشيخ يوسف الدجوي
مشيخة الأزهر عليَّ في مقالته التي نشرها في جريدة الجهاد يوم الأحد ٢٣ جمادى
الآخرة وإغرائه إياها بما يرجوه من سعيها لإسقاط المنار، وهو شيء سعى له هو
وغيره من قبل فخاب سعيهم، وقد دونت هذا بالتفصيل في مجلدات المنار وفي
الجزء الأول من تاريخ الأستاذ الإمام رحمه الله.
وأذكر هنا حكاية فكاهية في الموضوع لم تُدوَّن من قبل كان قصها عليَّ أحد
علماء الجامع الأحمدي خلاصتها أن أحد وجهاء طنطا الموافقين لمذهب المنار في
محاربة البدع زار شيخ الجامع الأحمدي في أيام مولد البدوي منذ سنين خلت وكلمه
في المنكرات التي تقع في المسجد الجامع وعند ضريح السيد وما يجب عليه من
العمل لإبطالها وإنقاذ المسلمين من فضائحها التي يعيرنا بها الأجانب، فوافقه
الأستاذ على ذلك ووعده بالسعي لإبطالها بالتدريج، وبعد أن انصرف زار الشيخ
رجل آخر من القبوريين فقال له: يا مولانا الشيخ إن مجلة المنار قد فضحتنا بما
تكتبه في منكرات الموالد والتوسل بالأولياء وآل البيت فإلى متى أنتم ساكتون عنها؟
فقال له الشيخ: إننا نفكر في تأليف لجنة من العلماء لبيان أغلاط المنار المخالفة
للشرع والرد عليها.
ثم بلغنا في سنة ١٣٣٥ أنه قد ألَّف بعض علماء الأزهر جمعية لمثل هذا
الغرض الذي كان وعد به شيخ الجامع الأحمدي الذي يُسمى الآن (معهد طنطا)
بعد أن أعلن الحرب على المنار اثنان منهم أحدهما الأستاذ الشيخ يوسف الدجوي
والآخر المرحوم الشيخ عبد الباقي سرور، فشرعا في نشر مقالات لهما في جريدة
اسمها الأفكار، وكانت معركتهما الأولى مسألة من المسائل التي أثارها الشيخ
الدجوي في معركته الحاضرة وأشرت إليها في المقالة الأولى وهي أبوة آدم عليه
السلام للبشر وما يعارضها من مذهب دارون وقول الأستاذ الإمام إنه إن فرض
ثبوت نظريته في تعليل الأنواع؛ فإنها لا تنقض شيئًا من نصوص القرآن القطعية
فيظل القرآن فوق كل شيء.
فلما رأيت أن مطاعنهما تدل على أنهم يكتبان ما لا يعتقدان وما لا يفهمان
بمحض البغي والعدوان، دعوت البادئ منهما وهو الشيخ عبد الباقي إلى المذاكرة
والمناظرة في المسألة بالمشافهة ومعاهدة الله على الأخذ بما يظهر من الحق وإلا
رفعت عليه قضية إلى محكمة الجنايات، فأبى المناظرة فرفعت القضية وفي يوم
الجلسة حضر المحكمة كثير من علماء الأزهر، وانتهت القضية بالصلح الذي ساء
أولئك الشيوخ فقالوا له: والله إن الحكم عليك بأشد العقوبات كان يكون خيرًا لك من
هذا الصلح المخزي.
ولقد كان عفا الله عنه ذكيًّا قريبًا من مذهب المنار الإصلاحي بمقدار بُعد زميله
عنه؛ وإنما دفعه إلى الطعن حب الشهرة، وقد عاد بعد أمة من الزمن لما كان سبق
له من مودتي، ولما كتبت مقدمة المغني في أسباب خلاف الأمة في الفقه وبيان
المخرج من مضاره وما يجب على جميع المسلمين من أحكام الإسلام، وما لا يجب
إلا على من ثبت عنده، قال لي إنه لم يكتب مثلها في الإسلام وهي جديرة بأن
يطبع منها مئات الألوف من النسخ ويطَّلع عليها جميع طلاب العلم الإسلامي.
وخاف الأستاذ الدجوي أن أرفع عليه قضية تنتهي بحكم مهين، أو صلح
مخزي مبين، فتوسل إلى بعض أهل الفضل بالسعي لصلح شريف بالجمع بيننا
فاجتمعنا واعتذر الأستاذ عما كان يكتبه بأنه كان عن سوء فهم لا عن سوء قصد،
وأن سببه أن الذي قرأ له عبارات المنار عرف بعضها وأعرض عن بعض ... إلخ،
فقلنا عفا الله عما سلف.
ثم إن الأستاذ الدجوي نقض الصلح الأول كما نقض الصلح الأخير في هذه
الأيام، وألَّف جمعية للبحث عن هفوات المنار لأجل الطعن والتشهير، وما هو شر
منهما من استعداء مشيخة الأزهر والحكومة على صاحب المنار للانتقام منه، وهذا
ما يحاوله اليوم بما له من المكانة في هيئة كبار العلماء، والقلم الطعان في مجلة
المشيخة الرسمية، وبما للمشيخة من النفوذ في الحكومة.
ولكن المشيخة كانت أعقل منه وأعلم بسوء تأثير كلامه وما فيه من العار عليها
وعلى الأزهر إذا أقرته، فقد سعت لانتياشه مما تهوك [١] فيه فعجزت عنه فلم
تستطع منعه من استمرار الطعن في أثناء المفاوضة في الصلح ولا بعد عقده،
لضعفها عن تنفيذ سلطتها الرسمية عليه، حتى أن رئيسها الأستاذ الأكبر أمر بجمع
الرسالة البذيئة ووضعها في إدارة المعاهد وصرَّح بتألمه منها فلم ينفذ أمره - كما
تقدم - وهو مرءوس له وموظف عنده، وأجدر بعجز الرئيس عن المرءوس فيما
هو صريح حقه عليه في قانون الأزهر أن يكون مثار العجب، فهل سببه قوة
الإرادة وضعفها، أم هنالك قوة خفية يعتز المرءوس بها، ومن مظاهر هذا العجز
أن يكون الغرض من الصلح إقناعه بالكف عن هذه الكتابة التي لا تسلم المشيخة من
عارها، بل لا يُعرف في تاريخ الأزهر وسيرة شيوخه مثلها، وأن يكون هذا
الصلح بأخذ وثيقة مني بدفن الماضي قبل أن تظهر براءتي من مطاعنه، وأن
ترضى المشيخة بجعل الرد عليها وعلى مجلتها دونه، وأن يظل هو مع هذا كله
يستعديها علي، ويوجب عليها الانتقام مني، ويصفها بقوله: (وهي المشرفة على
جميع المسائل الدينية وصاحبة السلطان على ذويها بنص القانون) كأن قانون
الأزهر وُضع للسيطرة على غير أهله، والانتقام لشيوخه من غيرهم بالباطل [٢]
فكانت المشيخة بسعيها هذا كمن يحاول إنقاذ الغريق فغرق معه، فهي إنما رغبت
إلي بأن أنقذها وأنقذه، وقد علمت الأمة أنني واتيت، ثم عجزت بعجزها فانثنيت،
وأمسكت عن بيان الحق شهرًا ونصف شهر.
وأما هو فرأيي في عداونه الأخير كرأيي في عدوانه الأول سنة ١٣٣٥، ولولا
أن كان عدوانه هذا في مجلة مشيخة الأزهر الرسمية، وأن كان الساعي للصلح معه
الأستاذان الأكبران: شيخ الجامع الأزهر ومفتي الديار المصرية، لاجتنبت ذكر
اسمه اليوم كما اجتنبته من قبل حفظًا لكرامة الأزهر وكرامتي كما عللت ذلك في
وقته، ورأيي في جمعيته واستعدائه اليوم هو رأيي في مثلهما بالأمس، ومنه أن
مثلي لا يرد على مثله؛ لأنني لا أستطيع أن أناظره بمثل هجوه الذي أتنزه عن
وصفه، لئلا يقال إنني شاركته في شيء منه ولو بتسميته باسمه؛ ولأنه يفتري
التهم، ويحرِّف الكلم، ويقول ما لا يعلم وما يعلم خلافه، وذلك لا يمكن أن يكون
خدمة للعلم ولا لبيان الحق، وسيرى القراء الشواهد على هذا فيما ننشره من الرد،
ولو أنني أعرف كلمة في اللغة أخف من الافتراء والتحريف تؤدي معناهما لما
كتبتهما، وأحمد الله أن رضيت المشيخة بجعل الرد على مجلتها لا عليه؛ لأنه
يغنيني عن عزو كلامه إليه.
وإنني أنقل للأمة في جرائدها ما كتبته بشأن عدوانه الأول في فاتحة المجلد
العشرين من المنار الذي صدر في شوال سنة ١٣٣٥ بعد بيان مذهب المنار في
الإصلاح وهذا نصه:
كلمة المنار في المجلد العشرين سنة ١٣٣٥
تلك دعوة المنار، التي رددت صداها الأقطار، فكانت كالبرق المبشِّر بما
يتلوه من المطر، في نظر سليمي العقول صحيحي الفطر، وكالصواعق المحرقة
على أهل البدع، ومتعصبي الأحزاب والشيع، وقد آذانا لأجلها الظالمون فصبرنا
لله بالله، ولم نكن كمن أوذي في الله فجعل فتنة الناس كعذاب الله، وجهل علينا
بعض أحداث السياسة المغرورين، وبعض أدعياء العلم الجامدين فقلنا: {سَلامٌ
عَلَيْكُمْ لاَ نَبْتَغِي الجَاهِلِينَ} (القصص: ٥٥) وكاد لنا أعداء الدعوة كيدًا خفيًّا،
أضر بنا ضررًا جليًّا، إذ حجب المنار عن كثير من قرائه الأخيار، وحرمنا بذلك
وبغيره كثيرًا من المال، وحسبنا أن حمد الدعوة كل من عرفها من طلاب الإصلاح،
وأهل الروية والاستقلال.
وأما الأزهريون خاصة، فقد كانوا أزواجًا ثلاثة، فقليل من الشيوخ وكثير من
الشبان يرون أن المنار من ضروريات الإسلام في هذا الزمان، وكثير من الشيوخ
والشبان يكرهون منه حمد الاستقلال وذم التقليد، ورمي جماهير علماء العصر
بالجمود والتقصير، والسواد الأعظم منهم مشغولون بأمور معيشتهم، وبمطالعة
دروسهم ومناقشات طلبتهم، عن النظر في مثل المنار لتقريظ أو انتقاد، وعن كل
ما يتجدد في الدنيا من إصلاح وإفساد.
وقد دخل المنار في السنة العشرين، ولم ينتقده أحد من الأزهريين، إلا أنه قام
في هذا العام شاب متخرج في الأزهر فنشر في بعض الجرائد الساقطة مقالات سب
فيها صاحب المنار وكفَّره، بانيًا ذلك على زعمه أنه أنكر كون آدم أبًا لجميع البشر،
على أن المنار قد صرَّح بإثبات هذه الأبوة تصريحات آخرها ما في الجزء الأول
من المجلد التاسع عشر، وزعمه أنه فضل شبلي شميل على الخلفاء الراشدين،
ويعلم كذب هذا الزعم مما نشرناه في شميل من ترجمة وتأبين، ومن لا يزعه هدي
القرآن عن السب والكذب والبهتان، قد يزعه عقاب السلطان، لهذا رفع أحد كبار
المحامين عنا أمر هذا الطعن إلى محكمة الجنايات، بعد أن أنذرنا بذلك كاتب
المقالات، ونصحنا له بلسان بعض ذوي رحمه وصحبه بأن يستحلنا تائبًا من ذنبه،
فلم يزده ذلك إلا إصرارًا على الذنب وتماديًا في الطعن والسب؛ ولكنه جنح في
المحكمة للسلم، وطلب هو وصاحب الجريدة من رئيسها الصلح، على أن يعتذرا
عما اتهما به من المطاعن الشخصية، ويعترفا باحترام عقيدة صاحب المنار وآرائه
الدينية، وأمضيا عبارة في ذلك أثبتت في محضر القضية، وقد قبلنا ذلك منهما،
وكان خيرًا لهما لو فعلاه من تلقاء أنفسهما، على أنهما عادا إلى هذيانهما، ولا قيمة
عندي لمثل هذا الكلام؛ فإنه مما يقال لصاحبه سلام؛ وإنما ذكرناه في فاتحة المنار
التي نشير فيها عادة إلى ما تجدد في تاريخ الإصلاح تمهيدًا لذكر ما قيل إنه ترتب
على تلك القضية، من تأليف جمعية أزهرية لأجل البحث عن أغلاط المنار الدينية
والعلمية وبيانها للناس وللحكومة المصرية، ذكرت ذلك الجريدة التي وقفت نفسها
على الطعن في صاحب المنار، متوهمة أنه سيترتب عليه إبطال المجلة أو إخراج
صاحبها من هذه الديار؛ لأن عند أعضاء هذه الجمعية من حقائق العلوم الأزهرية
ما ليس عند صاحب المنار الذي تلقى العلم في البلاد السورية، فنقول للواهمين،
ولمن يمدونهم في غيهم من المغرورين: إنا نعلم من كنه علم الأزهر ما لا تعلمون،
فاعملوا على مكانتكم إنا عاملون وانتظروا إنا منتظرون {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ
عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ
تَعْمَلُونَ} (التوبة: ١٠٥) .
إننا ندعو إلى الله على بصيرة، ونكتب ما نكتب عن علم وبينة؛ ولكننا
كغيرنا عرضة للخطأ والغلط، كما هو شأن غير المعصومين من البشر، فلهذا
ندعو قراء المنار في كل عام إلى أن يكتبوا إلينا بما يرونه فيه من الأغلاط والأوهام
لننشره فيه، فيطلع عليه جماهير قارئيه، وإنا لنتمنى أن تؤلف لجنة من علماء
الأزهر تقرأ مجلدات المنار التسعة عشر، وتحصي ما تراه من الأغلاط المتفق
عليها، بقدر ما يصل إليه علمها وفهمها، وأن نتحرى في ذلك ما يليق بكرامة أهل
العلم من صحة النقل والتروي في الحكم، واجتناب الطعن والبذاء، والسخرية
والاستهزاء، وإننا نعد ذلك إذا سمت إليه همة بعض الأزهريين أعظم خدمة للمنار
يخدم بها العلم والدين، ونعد بأن ننشر لهم ما يكتبونه فرحين مغبوطين، مقرين
إياهم على ما نراه فيه من الصواب، مبينين ما نراه من الخطأ مع التزام الآداب،
وترديد عبارات الحمد والشكر، التي تبقى بقاء الدهر، ولثواب الله خير للذين
يُصلحون في الأرض ولا يفسدون، والذين هم على البر والتقوى يتعاونون
{وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ
وَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ} (آل عمران: ١٠٤) .
وإننا على ضعف أملنا بتحقيق تلك الأمنية، واحتقارنا لكل ما يكتب بجهالة
وسوء نية، ليحزننا أن يقوم في الأزهر بعض علمائه، ورئيس جمعية من جمعياته
ينتقم ممن يقاضي بعض أصحابه بافتراء الكذب عليه [٣] ، ونسبة ما ينقله عن غيره
إليه [٤] وتحريف آيات القرآن، استدلالاً بها على ما رماه به من الكفر والفسوق
والعصيان [٥] بذلك الكذب والبهتان، الذي زاد فيه على ما سبقه إليه ذلك الطعان؛
وإننا لنكرم كلاًّ من المنار والأزهر بعدم ذكر اسمه، وعسى أن يثوب إلى رشده
ويتوب من إثمه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً
بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} (الحجرات: ٦) {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ وَلاَ نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَى أَن يَكُنَّ
خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلاَ تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلاَ تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ
وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (الحجرات: ١١) .
انتهى ما نقلناه من مقدمة المجلد العشرين من المنار، وكأنه كتب في هذه
الحادثة، وما أشبه الليلة بالبارحة.
هذا وإنني أختم هذه المقدمة بالتنويه بأولئك الشيوخ الكبار الذي كنا ننتقدهم فيما
نكتبه في إصلاح الأزهر؛ فإنهم لم ينقموا من المنار صده عن البدع والخرافات،
ولا ما كتبه في افتتان الناس بالكرامات، ولا إنكار عبادة الأموات، ولا طعن أحد
منهم في ديننا، ولا بهتنا ولا افترى علينا، فرحم الله من مات منهم وأطال عمر من
بقي، كالأستاذ العلامة الشيخ محمد بخيت المطيعي الذي لم نصرح في المنار
بمناظرة أحد منهم غيره؛ وإنما كانت مناظرة علم، لا عداء فيها ولا إثم، وقد أثنى
خيرًا على مقدمتنا للمغني آكد الثناء، وهي خلاصة رأينا في الإصلاح [٦] .
وقد حاول الخديو أن يحمل بعض الكبار من أولئك العلماء على طعن في المنار
يتوسل به إلى نفي صاحبه من مصر، فأبوا ذلك عليه على ما يعلم الناس من
ضعفهم أمامه، فلم يصل الضعف بهم إلى مثل هذا العدوان على عالم يخدم الدين
بعقيدة وإخلاص، احتمل في سبيلهما عداوة الخديو والسلطان، وسترى الأمة في
المقالات الآتية مبلغ المعتدي عليه من العلم والدين الآن.
((يتبع بمقال تالٍ))