للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد بهجت البيطار


نداء للجنس اللطيف
يوم ذكرى المولد المحمدي الشريف من سنة ١٣٥١
في حقوق النساء في الإسلام وحظهن من الإصلاح المحمدي العام
تابع لما نشر في الجزء الماضي وما قبله
٥٨- بر الوالدين وتفضيل الأمهات فيه على الآباء
أوصى الله تعالى في مواضع من كتابه بالإحسان بالوالدين وقرنه بالأمر
بعبادته والنهي عن الشرك به، وأمر بالشكر لهما متصلاً بالشكر له، وخصَّ الأم
بالذكر في بعض هذه الوصايا للتذكير بزيادة حقها على حق الأب، ونذكر ههنا
أجمعها.
قال تعالى في سورة الإسراء: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ
إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل
لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً} (الإسراء: ٢٣) .
(الأفُّ) كل مستقذر من وسخ وقلامة ظفر وما يجري مجراهما، ويقال لكل
مستخف به استقذارًا واحتقارًا له كما قال الراغب وكذا لكل ما يتضجر منه، يقال:
تأفف به: إذا قال له: أف، ومنه {وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ
وَقَدْ خَلَتِ القُرُونُ مِن قَبْلِي} (الأحقاف: ١٧) وخصَّ هذا النهي بحالة كبر
الوالدين أو أحدهما؛ لأن الكبر مظنة وقوع ما يتضجر منه أو يستقذر منهما، وهو
يدل على تحريم ذلك في غير هذه الحالة بالأولى، والنهر والانتهار: الزجر بغلظة
وخشونة، والكريم من الأقوال: آدبها وألطفها، ومن الأعمال أنفعها وأشرفها، ومن
الأشخاص أفضلهم وأجلهم.
{وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً
* رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِن تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُوراً} (الإسراء: ٢٤-٢٥) .
يعبِّر عن العطف في المعاملة بخفض الجناح، وأصله أن الطائر يخفض
جناحه لفرخه يقيه به تارة ويعلمه الطيران أخرى، وخفض الجناح من الذل أبلغ
من خفضه لأجل العطف، فهذا من رعاية الكبير للصغير ومنه قوله تعالى لرسوله:
{وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ المُؤْمِنِينَ} (الشعراء: ٢١٥) وذاك من عناية
الصغير بالكبير، ولم يؤمر أحد به لغير الوالدين، وفي تشبيه ما أمر الولد أن
يطلبه من رحمة ربه لوالديه برحمتهما له عندما ربياه في صغره تعظيم كبير لرحمة
الوالدين ليتدبر الأولاد ذلك ويعلموا أن رحمتهم لوالديهم في الكبر والتذلل لهما لا
يكفي في أداء حقوقهما؛ وإنما عليهم أن يدعوا الله تعالى أن يكافئهما عنهم برحمته
التي وسعت كل شيء ولا يعلوها شيء، ذلك بأن رحمة الوالدين للولد في صغره
ولا سيما الأم التي تتولى إزالة أقذاره وغير ذلك إنما تكون مع اللذة والرغبة
والسرور، ولن تبلغ رحمة الولد بهما هذا الحد.
ولما كان بلوغ هذا الحد من البر والإحسان بالوالدين عزيز المنال ذكَّر الله
عباده بأن المدار فيه على حسن النية وصلاح النفس، فإن وقع مع ذلك تقصير ما
فإنه لا بد أن يُقرن بالتوبة وحسن الأوبة إلى التشمير بعد التقصير، والله تعالى
غفور للأوابين أي الكثيري الرجوع إلى الحق والخير كلما عرض لهم ما يصدهم
عن المضي فيه أو الثبات عليه.
وقال تعالى في سورة لقمان: {وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى
وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ المَصِيرُ} (لقمان: ١٤) .
الوهن: الضعف، أي ذات وهن أوتهن مدة حمله وهنًا على وهن بالوحم
والأثقال والوضع، وفصاله أي فطامه في انتهاء عامين يكون كل همها فيهما إرضاعه
وتغذيته وتنظيفه، والجملتان معترضتان بين الوصية والموصى به وهو الشكر لله
الذي خلقه ولوالديه اللذين عُنيا بتربيته ولا سيما الأم التي كانت أكثر تعبًا وعناية به،
فقرن شكرهم بشكر الله تعالى وجعله ثانيه للإيذان بأن فضلهما عليه يلي فضل ربه
وقوله بعده: {إِلَيَّ المَصِيرُ} (لقمان: ١٤) تذكير بأن جزاء الشكر وضده في
الآخرة لله وحده.
{وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا
فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} (لقمان: ١٥) .
هذه الآية أدل على عظم حق الوالدين على الولد؛ فإن الله يأمره بها أن
يصاحب والديه المشركين في الدنيا بالمعروف من البر والإحسان إلا في شركهما
وما يلزمه من معاصي الله تعالى، فإن جاهداه على أن يشرك بالله تعالى فلا يطعهما
لأن حق الله تعالى عليه أكبر من حقهما وتوحيده، وطاعته هي الوسيلة إلى سعادته
ونعيمه الذي لا نهاية له، وقوله:] وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ [أي واتبع في الدين
سبيل من أناب إليَّ من النبيين والمرسلين، ومن اهتدى بهم من المؤمنين دون تقليد
الآباء الكافرين قال:] ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ [أي مرجعك ومرجع والديك] فَأُنَبِّئُكُم بِمَا
كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [عند حسابكم وأجازي كلاًّ بما يستحق، فعليَّ حساب والديك وجزاؤهم
لا عليك، والآية نص في البر والشكر للوالدين الكافرين فيما عدا الكفر ولوازمه فهي
أرحم مما ينقله النصارى عن المسيح عليه السلام من التفرقة والعداوة بين الوالدين
والأولاد.
ففي إنجيل متى: (١٠: ٣٤ لا تظنوا أني جئت لألقي سلامًا على الأرض
ما جئت لألقي سلامًا بل سيفًا ٣٥ فإني جئت لأفرق الإنسان ضد أبيه والابنة ضد
أمها والكنة ضد حماتها ٣٦ وأعداء الإنسان أهل بيته) .
وأما قول الله تعالى: {إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُواًّ لَّكُمْ فَاحْذَرُوَهُمْ} (التغابن: ١٤) فقد نزلت في قوم من أهل مكة أسلموا فأبى أزواجهم وأولادهم أن
يدعوهم، ومع هذا فقد قال الله تعالى فيهم: {وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ
اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (التغابن: ١٤) .
وقال في سورة الأحقاف: {وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً
وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ
رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً
تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ المُسْلِمِينَ} (الأحقاف:
١٥) .
ثبتت القراءة بلفظ الإحسان ولفظ الحسن، وبفتح الكره وضمه ومعناهما واحد
(كالضعف والضعف) وهو المشقة، وهو أقسام منها ما يكرهه الإنسان ويشق عليه
طبعًا وإن أحبه عقلاً أو شرعًا وبالعكس كالدواء والصبر على المكاره، ومنه قوله
تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ القِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ
وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ} (البقرة: ٢١٦) وكره الأم لمشقات الحمل
والوحم طبيعية لا عقلية ولا شرعية ولا فطرية، وقوله تعالى: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ
ثَلاثُونَ شَهْراً} (الأحقاف: ١٥) معناه أن مدة تعب الأم في حمله إلى فطامه
ثلاثون شهرًا، وهو مبني على أن مدة الرضاعة الغالبة ٢١ شهرًا وهو ما كان عليه
الناس في الغالب لا أنه تشريع، إلا تحديد أكثر الرضاعة بسنتين في آية البقرة؛
فإن الأم لا تكلف أن ترضع طفلها أكثر من ذلك؛ لأنه بعد اكتمال السنتين لا
يضره التغذي بغير لبنها مما جرت العادة والتجربة بتغذي الأطفال به، ويوجد في
هذا العصر من الألبان الحيوانية المجمدة أو المجففة ومن المستحضرات الأخرى
(كالفوسفاتين) ما يوافق كل طفل في كل وقت ولم يكن هذا في زمن التنزيل، على
أن لبن الأم أفضل وأنفع بإجماع الأطباء.
٥٩- الأحاديث النبوية في وجوب بر الوالدين
وتحريم عقوقهما وتخصيص الأم بترجيح حقها
جاء في حديث أبي هريرة المتفق عليه أن رجلاً جاء إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم فقال: (يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك،
قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: ثم
أبوك) وفي رواية زيادة (ثم أدناك فأدناك) .
وفي حديث المقدام بن معد يكرب عند أحمد والبخاري في الأدب المفرد وابن
ماجه وصححه الحاكم قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله يوصيكم بأمهاتكم، ثم
يوصيكم بأمهاتكم، ثم يوصيكم بأمهاتكم، ثم يوصيكم بالأقرب فالأقرب) .
وفي حديث أبي رمثة عند أحمد وأصحاب السنن الثلاثة والحاكم واللفظ له قال:
انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمعته يقول: (أمك وأباك ثم أختك
وأخاك، ثم أدناك أدناك) فقدم ذكر الأخت على الأخ أيضًا.
وفي حديث عائشة عند أحمد والنسائي والحاكم وصححه قالت: (سألت النبي
صلى الله عليه وسلم أي الناس أعظم حقًّا على المرأة؟ قال: زوجها، قلت: فعلى
الرجل؟ قال: أمه) .
وفي حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عند أبي داود والحاكم أن امرأة
قالت: (يا رسول الله إن ابني هذا كان بطني له وعاء، وثديي له سقاء، وحجري
له حواء، وإن أباه طلقني وأراد أن ينزعه مني، فقال صلى الله عليه وسلم: أنت
أحق به ما لم تنكحي) .
وفي حديث أنس عند القضاعي والخطيب في الجامع: (الجنة تحت أقدام
الأمهات) وفي معناه ما رواه الطبراني عن طلحة بن معاوية السلمي قال: (أتيت
النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، إني أريد الجهاد في سبيل الله،
قال: هل أمك حية، قلت: نعم، قال: الزم رجلها فثم الجنة، وقال لرجل آخر
مثله: فالزمها فإن الجنة عند رجلها) ورواية أخرى في الوالدين كليهما وأنه قال له:
(فالزمهما فإن الجنة تحت أرجلهما) وفي صحيح مسلم من حديث عبد الله بن
عمرو: أنه قال لرجل استأذنه في الجهاد: (أحي والداك؟ قال: نعم، قال: ففيهما
فجاهد) .
هذه بعض شواهد البر، وأما العقوق فقد عدَّ النبي صلى الله عليه وسلم عقوق
الوالدين من أكبر الكبائر وخص الأمهات بالذكر فقال: (إن الله حرم عليكم عقوق
الأمهات ومنعًا وهات ووأد البنات [١] وكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة
المال) رواه البخاري من حديث المغيرة، وقال صلى الله عليه وسلم: (ألا أنبئكم
بأكبر الكبائر - ثلاثًا - قلنا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله، وعقوق
الوالدين، وكان متكئًا فجلس فقال: ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور، ألا وقول
الزور ألا وشهادة الزور، فما زال يقولها حتى قلنا: لا يسكت) وفي رواية حتى
قلنا: ليته سكت، أي لما رأوا من انزعاجه؛ وإنما كررها لعرضة المتهاونين
بالدين للاستخفاف بها، بخلاف ما قبلها والحديث متفق عليه.
٦٠- الأحاديث النبوية في الوصية بالبنات والأخوات
عن عائشة قالت: (دخلت عليَّ امرأة ومعها ابنتان لها تسأل فلم تجد عندي شيئًا
غير تمرة واحدة فأعطيتها إياها فقسمتها بين ابنتيها ولم تأكل منها، ثم قامت
فخرجت فدخل النبي صلى الله عليه وسلم علينا فأخبرته، فقال: من ابتلي من هذه
البنات بشيء فأحسن إليهن كن له سترًا من النار) رواه البخاري ومسلم والترمذي
وفي لفظ: (من ابتلي بشيء من البنات فصبر عليهن كن له حجابًا من النار)
الابتلاء: الاختبار بما يظهر به التزام الحق والشرع أو عدمه، وكانت العرب كأكثر
الناس يكرهون البنات فلذلك احتيج في القيام بحقوقهن من التربية والإحسان إلى
الصبر، وعنها قالت: (جاءت مسكينة تحمل ابنتين لها فأطعمتها ثلاث تمرات،
فأعطت كل واحدة تمرة، ورفعت إلى فيها تمرة لتأكلها فاستطعمتها ابنتاها، فشقت
التمرة التي كانت تريد أن تأكلها بينهما، فأعجبني شأنها، فذكرت الذي صنعت
لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن الله قد أوجب لها بها الجنة أو أعتقها بها
من النار) رواه مسلم. وعن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال: (من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو وضم أصابعه) أي معًا.
رواه مسلم واللفظ له والترمذي ولفظه: (من عال جاريتين دخلت أنا وهو الجنة
كهاتين) وأشار بأصبعيه وابن حبان في صحيحه، ولفظه: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: (من عال ابنتين أو ثلاثًا أو أختين أو ثلاثًا حتى يبلغن أو يموت عنهن
كنت أنا وهو في الجنة كهاتين) وأشار بأصبعيه السبابة والتي تليها، وعن ابن عباس
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من مسلم له ابنتان فيحسن إليهما ما
صحبتاه أو صحبهما إلا أدخلتاه الجنة) رواه ابن ماجه بإسناد صحيح وابن حبان في
صحيحه من رواية شرحبيل عنه والحاكم وقال صحيح الإسناد، وعن أبي هريرة
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كفل يتيمًا له ذا قرابة أو لا قرابة له
فأنا وهو في الجنة كهاتين، وضم أصبعيه، ومن سعى على ثلاث بنات فهو في الجنة
وكان له كأجر مجاهد في سبيل الله صائمًا قائمًا) رواه البزار من رواية ليث بن
سليم.
وروى الطبراني عن عوف بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(ما من مسلم يكون له ثلاث بنات فينفق عليهن حتى يبلغن أو يمتن إلا كن له
حجابًا من النار، فقالت له امرأة: أو بنتان؟ قال: أو بنتان) وشواهده كثيرة،
وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كان له
ثلاث بنات أو ثلاث أخوات أو بنتان أو أختان فأحسن صحبتهن واتقى الله فيهن فله
الجنة) رواه الترمذي واللفظ له وأبو داود إلا أنه قال: (فأدبهن وأحسن إليهن
وزوجهن فله الجنة) وابن حبان في صحيحه، وفي رواية للترمذي قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: (لا يكون لأحدكم ثلاث بنات أو ثلاث أخوات فيحسن إليهن
إلا دخل الجنة) .
(أقول) تحدثًا بالنعمة، ومنها أننا أهل لحسن الأسوة: نحمد الله تعالى أننا
أهل بيت نعنى بتكريم بناتنا فوق ما نعنى بإخوتهن مع اتقاء الظلم الذي يثير الغيرة
والعداوة بينهما، فلا تُشتَم في بيتنا أنثى ولا تُضرب، وقد خَوَّفت أم بنتًا ذات ثلاث
سنين أو أربع بضرب أبيها فقالت: إنه لا يضربني، قالت: وماذا يفعل إذا أخبرته
بعنادك هذا؟ قالت: يحايلني، أي يصرفني عنه بالحيلة والإقناع، ويثقل على
ذوقي أن أذكر غير هذا مما من الله تعالى به علينا من بر والدينا وصلة أرحامنا
وتكريم نسائنا، إلا أنني أقول إنهن يعتقدن أنهن أسعد النساء وأن رجالهن أفضل
الرجال، وما هذا إلا باتباع هداية الإسلام مع العلم الصحيح بها، ولله الحمد.
الخاتمة
ألا يا معشر الجنس اللطيف:
ها أنتن أولاء قد علمتن من هذه الرسالة الوجيزة أن محمدًا رسول الله وخاتم
النبيين قد جاء بدين قويم، وشرع حكيم رحيم رفع حيف الرجال عنكن، وامتهانهم
لَكُنَّ، في جميع الأمم القديمة والحديثة، وأتباع الملل السماوية والقوانين الوضعية،
وأن الاهتداء بما جاء به يذهب بما بقي من الظلم لبنات جنسكن في بلاد الحضارة
المادية، التي يشكو أخواتكن من مصائبها وأرزائها ولا يهتدين إلى النجاة منها سبيلاً،
وشرها عليهن وعلى الإنسانية إباحة البغاء، والتسري الباطل باتخاذ الأخدان،
والإتجار بأبضاع النساء بسوقهن كالشاء والخنازير من قطر إلى قطر، وقذفهن من
حضن إلى حضن، فيا حسرة الإنسانية عليهن، ويا لمصائب الفضيلة بهن.
إن الإصلاح الإسلامي المحمدي يقضي بأن يكون لكل امرأة كافل شرعي
يكفيها كل ما يهمها لتكون بنتًا مكرمة فزوجًا صالحة، فأمًّا مربية، فجدة معظمة،
ومن حُرِمَتْ الزوجية أو الأمومة، لم تُحْرَمْ الكفالة والكرامة، ولو نفذ شرعه في
أوربة والبلاد المرزوءة بنفوذها وسيطرتها، لزال منها البغاء الرسمي والتسري
العهري، ولَمَا وُجد في أوربا عشرات الملايين من الأيامى المحرومات من الحياة
الزوجية ومنهن من ينفقن على أنفسهن وعلى أولاد لهن شرعيين وغير شرعيين،
فمصائب النساء ورزاياهن في تلك البلاد بالنسة إلى مجموعهن أعظم من رزاياهن
في البلاد التي فتن نساؤها بتقليدهن في الخلاعة والإباحة وطلب مساواة الرجال،
وأولئك لم يطلبن هذه المساواة بالرجال في كل شيء، إلا لأن الرجال قد حرموهن
حقوقهن الإنسانية التي قررها الإسلام.
لو علم نساء الإفرنج في العالمين القديم والجديد أحكام الشريعة وآدابها،
ودونت لهن بصورة قانون تظهر به مزاياها، لألَّفن الأحزاب والجمعيات للمطالبة
بها، وإنقاذ الحضارة من فتنة في الأرض وفساد كبير بيَّناه في هذه الرسالة، فهل
للمتعلمات من المسلمات في مصر وغيرها أن يدرسن هذا الموضوع، ويسبقن إلى
الدعوة إلى هذا المشروع، فهو خير لهن ولأمتهن وللإنسانية من افتتانهن بتقليد
نساء الإفرنج فيما يطلبن من إعطائهن حق مساواة الرجال في كل أسباب الكسب
والتصرف في الأموال، والدفاع عن الأوطان، ومجالس التشريع ودواوين الإدارة،
وأخاديع السياسة، وكذا حقوق الزواج والطلاق والحمل والرضاع حتى إذا أبين
وظائف الحبل والولادة لا يكرهن عليها.
لا خير للجنس اللطيف في مساواة الرجال ومشاركتهن لهم فيما يصدهن عن
حق الإنسانية عليهن في بقائها بالتناسل وتربية الأطفال التي يرتقي بها البشر،
وقيام النساء بهذه الوظائف يتوقف في هذا العصر على علوم وفنون كثيرة روحها
جميعها الإصلاح الإسلامي كما بيَّناه في مسألة المساواة وغيرها.
أيتها النسوة المسلمات المتعلمات
دعن فتنة السياسة، واخلعن تقاليد الخلاعة، وطالبن أمتكن وحكومتكن بعد
مطالبة أنفسكن بتربية البنات والبنين، على هداية هذا الدين المبين، والإصلاح
المحمدي العظيم، طالبن الحكومة والأمة بإلزام طلبة المدارس من الذكور والإناث
أداء الصلاة والصيام، والتوسع في دروس الدين الإسلامي وآدابه وتاريخه ووجه
تفضيله على جميع الشرائع والأديان، على الطريقة التي ترينها في هذه الرسالة.
طالبن الحكومة بإبطال البغاء الجهري والسري، وتحريم معاقرة الخمر ومنع
تهتك النساء واختلاطهن بالرجال في المراقص والملاهي والسباحة معهم في
الحمامات البحرية.
عدن إلى ما كان عليه خير جداتكن في صدر الإسلام من حضور صلاة الجماعة
في المساجد، وسماع ما يُلقى فيها من الخطب والمواعظ، وتلقي علم القرآن والسنة،
ومساعدة الرجال في الإصلاح الحق الذي ينهض بالأمة، ليظهر لسائر الأمم ولا
سيما نسائها ما امتاز به الإسلام من الإصلاح العام للإنسانية، حتى يعلمن أن نبيها
محمدًا صلى الله عليه وسلم هو مصلح النساء الأعظم، وأنه لو لم يكن رسول الله
وخاتم النبيين الذي جاء بإكمال دين الله الذي شرعه على ألسنة من سبقه من
المرسلين، لما جاء للإنسانية بخير مما جاءوا به كلهم أجمعون، فتكنَّ بذلك
شريكات لإخوتكن المجددين لهداية الإسلام وصلى الله على سيدنا محمد وآله وعلى
سائر النبيين، والحمد لله رب العالمين.