للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


الإسلام في البرازيل
ذكرت جريدة (بيروت) الغرّاء خبر القريتين اللتين أسلم أهلهما في الهند، ثم
قالت: اجتمعنا بأحد مواطنينا المسيحيين القادمين من البرازيل، فأخذنا معه بأطراف
الحديث، وتنقلنا من القديم إلى الحديث، ودار بيننا الكلام على أحوال تلك البلاد،
وعادات أهلها، وما هم عليه من السذاجة والبساطة، إلى غير ذلك، ففهمنا منه أن
في مدينة ريوجانيرو عاصمة البرازيل قومًا من المسلمين النازحين إلى تلك الديار
منذ قرون متطاولة، وأصل هؤلاء القوم - على ما يقولون - من أفريقيا، وقد
امتزجوا بالأهالي امتزاجًا عظيمًا، وعلى كر السنين والأعوام قد نسوا لغتهم
الإفريقية، واستعاضوا عنها بلغة البلاد، فكان من نتيجة ذلك أنهم نسوا أيضًا قواعد
دينهم، إذ لم يتسنَّ لهم المحافظة عليها باللغة البرازيلية.
ومع ذلك فهم لم يزالوا مسلمين ينطقون بالشهادتين مع التحريف في لفظهما،
مما دل على أنهم لبثوا محافظين على دين أجدادهم، قال: وفي داخلية البرازيل
ألوف كثيرة من هؤلاء المسلمين، وأكثرهم مزارعون.
وكان الدون بدرو إمبراطورالبرازيل منعهم عن الاسترقاق والاتجار بالعبيد،
فامتنعوا، ولكنهم اتبعوا فيه الكيفية التي كانت من عهد غير بعيد مألوفة في روسيا،
وهي أن صاحب المزرعة أو القرية إذا أراد بيعها، باعها بما فيها من الماشية
والأهالي، فيصبحون كلهم طوع أمر الشاري وفي خدمته، يشتغلون بالأمور
الزراعية في مقابل العيش الذي به يتبلغون، أما محاصيل تلك القرية فكلها
لسيدهم.
قال: وقد سمعت مرة صاحبًا لي من هؤلاء المسلمين يقول: (لا إله إلا الله
محمد رسول الله) قالها بتحريف كثير؛ لأن اللغة المألوفة بينهم لا تساعدهم على
لفظ الهاء والحاء، أما أنا فتعجبت جدًّا؛ لأني مكثت في البرازيل نحو سنتين لم
أسمع في غضونهما كلمة الشهادة، ولا كنت أعلم أن صاحبي هذا مسلم، فقلت له:
وما علَّمَك هذا اللفظ؟ قال: ديني، قلت: وما دينك؟ قال: الإسلام والحمد لله،
فما كدت أصدق منه ذلك، ولأجل أن أقف على حقيقة باطنه قلت مداعبًا: إن
المسلمين لا ينفعون، فنهض للحال وقد احمرت عيناه، وارتجفت شفتاه، وظهرت
ملامح الغضب على وجهه، وكاد يبطش بي لو كان على يقين أن الحكومة لا تقتص
منه، فلما رأيته على هذه الحال لاطفته، وأفهمته أن بلادنا بلادٌ إسلامية، وأننا
عائشون مع المسلمين على غاية المحبة والولاء، وأني لم أقصد بما قلته له إلا
مداعبته واختباره فيما إذا كان مسلمًا حقيقيًّا أم لا، فقال: الحمد لله على الإسلام،
وأنت يا صاحبي مخير أن تهزل معي بما شئت، أما الدين فإياك إياك؛ لأنك تبيت
عدوي، ثم تصافحنا وتصالحنا، وخرجنا إلى التنزه سوية.
قال مخبرنا: وقد فهمت من صاحبي المسلم أن المسلمين كثيرون هناك، وأنهم
لا يعرفون من الإسلام إلا الشهادتين، فلا جامع ولا معبد ولا صلاة، ولا
ولا ... وما ذلك إلا لأنهم نبذوا لغتهم الأصلية، وتعلموا اللغة البرازيلية المشيدة على
أركان المسيحية، ولذلك تراهم يسمون أولادهم بأسماء المسيحيين، وما عدا
الشهادتين لم يحافظوا على شيء من سنن الإسلام، إلا سنة الختان، فهم يختنون
أولادهم، ولكنهم لا يعلمون لأي شيء.
هذا ما فهمنا من مخبرنا القادم من بلاد البرازيل، فلو كان لهؤلاء المسلمين
علماء مبعوثون ينبثون بينهم، فيتعلمون لغتهم في بادئ الأمر، حتى إذا أحسنوها
علَّموهم أصول الدين الحنيف، فلا يكاد يمضي ربع جيل حتى ينتشر الإسلام في
جميع أنحاء أميركا.
ولا يخفى أن تعليم هؤلاء القوم أركان دينهم، وأصول عقائدهم لِمَن أسهل
الأمور التي يمكن تناولها؛ لأنه ظهر من كلام مخبرنا أن الغيرة على الدين لم تزل
مستعرة في صدورهم، فإذا جاءهم العلماء والفقهاء أقبلوا عليهم إقبال الظمآن على
ورود الماء؛ لأن أساس الدين الحنيف راسخ في صدورهم.
وما أجدر الأغنياء من المسلمين بجمع الدراهم اللازمة؛ ليتسنى لهم إرسال
المعلمين إلى هؤلاء القوم أولاً، ثم إلى وثنيي الهند الذين تكلمنا عنهم في الفصل
السابق، فإنهم ولا شك يُقبلون على اعتناق الإسلام؛ لأنهم على درجة من الفهم
والذكاء يميزون الغث من السمين، ويدركون حقائق الأشياء، فإذا وقفوا على مبادئ
الدين الإسلامي البسيطة السهلة التي يقبلها العقل، وتشربها النفس، كان من المؤكد
إقبالهم التدين به، والله الهادي إلى سبيل الرشاد.
(انتهى)