للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


هذا رجل إلهي
هذه الكلمة قالها شاب وثني هندي في صديقنا العلامة ثناء الله صاحب
المصنفات والمناظرات للوثنيين والنصارى والمبتدعين، وأشهرها مناظراته لغلام
أحمد القادياني ومباهلتهما التي تبين أن القادياني دجال كذاب، وقد نشرت إحدى
الجرائد الهندية الإسلامية فيه الحكاية التالية، وجعلت الكلمة عنوانًا لها، وهذه
ترجمتها:
مولانا الشيخ ثناء الله من علماء الحديث والكلام والفقه في (أمرتسر) بالهند
له مجلة ومؤلفات في الدفاع عن الإسلام وهو مع هذا مناظر كبير، فصيح اللسان،
قوي الحجة، بليغ العبارة، يدعى لمناظرة الطاعنين على الإسلام من الهند
وخصوصًا جماعات (إرياسماج) وكذلك له مواقف محمودة مع مضللي النصارى
وكذا الأحمدية القاديانية جماعة مرزا أحمد القادياني، وقد تباهل هو مع القادياني
نفسه على أن الكذاب منهما في دعوته يموت قبل الآخر، فمات القادياني في الكنيف
شر ميتة، ولا زال ثناء الله حيًّا قائمًا على المبطلين يناظرهم ويكسر شوكتهم.
دعي مرة لمناظرة مع الهندوك وركب القطار وركب معه شاب هندوكي
فتعارفا تعارف مسافرين فقط، وكان الشيخ ثناء الله يلهج لسانه بذكر الله عند كل
مناسبة فإذا شرب بدأ باسم الله، وإذا انتهى من شرابه حمد الله، وإذا عطس حمد
الله، وإذا شمته المشمت أجابه: يهديكم الله ويصلح بالكم، وإذا سلم عليه أجابه:
وعليكم السلام ورحمة الله إلخ وكان الشاب الهندوكي يصغي إليه ويسأله عن ترجمة
كل ما سمع منه فيترجمه له إلى أن نزلا في المحطة فكانت السيارة تنتظر الشيخ
ثناء الله ولم يكن في انتظار الهندوكي أحد، فدعاه الشيخ، وأركبه سيارته معه،
ولما استقلها قال: {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ * وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا
لَمُنقَلِبُونَ} (الزخرف: ١٣-١٤) فسأله الشاب عنها فترجمها له، فتأثر بها حتى
تغلغلت في سويداء نفسه.
انعقد مجلس المناظرة - ولمجالس المناظرة في الهند شأن يعرفه من حضرها
من عدل محكمين، ومدير لحفظ النظام، ووجيه سخي يقوم بنفقات الحاضرين
جميعًا من طعام وشراب، وحاجة الراحة نومًا وقيلولة وما يلزم ذلك شتاء وصيفًا
وربيعًا كل من حضر من مناظر ومستمع ومدعو وغير مدعو.
ولما انعقد مجلس المناظرة وتقدم الشيخ ثناء الله إلى منصة الخطابة، ظهر
إلى مقابلته لمناظرته الشاب الهندي الذي رافقه بالأمس وسمع من ذكره الله ما أدهشه،
أقبل الشاب الهندوكي إلى الشيخ المسلم مصافحًا، وأعلن على رءوس الأشهاد من
مسلمين وهندوكيين ومسيحيين وناظمين ورجال الإدارة وحفظ النظام، هذه الحقيقة
التي عرفها بنفسه بقوله: (هذا رجل إلهي يذكر الله كثيرًا ومناظرته جرم في
اعتقادي، إنما يناظره رجل مثله، وأنا أناظر رجلا من طبقتي، إني أذكر الله
ولكني لا ألحق شأو هذا الرجل فارفضت الجلسة والناس يلهجون بفضل الله على
الشيخ وإنصاف ذلك الشاب ولا غرو فقد قال تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ
وَالَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ دَرَجَاتٍ} (المجادلة: ١١) (وقال) : {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} (العنكبوت: ٤٥) .