للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


تقاريظ كتاب الوحي المحمدي

قد حبَّذ الفضلاء هذا الكتاب أحسن التحبيذ، وقرَّظوه بالممتاز من التقريظ،
وشكروا لنا ودعوا، فمن الشكر لله تعالى وللمحسنين من الناس، والتعاون على
إذاعة دعوة الإسلام، أن ننشر أهم ما حفظناه مما كتب إلينا، ومما نشر في
الصحف التي اطلعنا عليها.
ونبدأ بكتابين كريمين، لملكي الإسلام الكبيرين، الإمامين الجليلين:
إمام العترة الزيدية يحيى بن حميد الدين ملك اليمن الميمون، وإمام أهل السنة
والجماعة عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل ملك المملكة العربية السعودية،
وخادم الحرمين الشريفين، أدام الله توفيقهما، وأعز العرب والإسلام باتفاقهما
وتعاونهما، وإننا ننشرهما بحسب تاريخ ورودهما.
كتاب الإمام يحيى
(بسم الله الرحمن الرحيم)
الختم
(أمير المؤمنين، المتوكل على الله رب العالمين، الإمام يحيى حميد الدين)
إلى السيد العلامة محمد رشيد رضا صاحب المنار حفظه الله.
لقد ظفرت العيون بما تشتهيه، وحظيت من الأماني بما تبتغيه، بعد إرسال
رائدِ لحظها، وتمتعها بالوموق على تلك الرياض الأنيقة، وينابيع التحقيق الغزيرة،
التي أودعتموها ذلك المجموع النفيس المطبوع المسمى (بالوحي المحمدي) فإنه -
والحق يقال - وحيد في بابه موضوعًا وتنسيقًا، واستدلالاً وسياقًا، يهدي إلى القلوب
ما يرفع عنها الرين والكروب، ويتحف المُطَالع بما تستلذه المسامع، ويستطيبه
القارئ والسامع، وتثلج له الصدور، وتنبعث من حقائقه أشعة النور، فجزاك الله
خيرًا على هذه الخدمة الدينية التي نراها من العلم الصالح، والمتجر الرابح، والقصد
الناجح، وإنا لتعميم الانتفاع به نطلب منكم أن ترسلوا إلينا من نسخه المصححة أخيرًا
مائة نسخة على حسابنا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
... ... ... ... ... ... في ٢١ جمادى الآخرة سنة ١٣٥٢
كتاب جلالة الملك عبد العزيز
(بسم الله الرحمن الرحيم)
من عبد العزيز عبد الرحمن الفيصل
إلى حضرة الأخ المكرم السيد محمد رشيد رضا حفظه الله تعالى، السلام
عليكم ورحمة الله، أما بعد فقد تلقينا كتابكم الكريم، المؤرخ في ٢٣ رمضان سنة
١٣٥٢ وأحطنا علمًا بما ذكرتم بارك الله فيكم. لقد اطلعنا على كتابكم (الوحي
المحمدي) فَسَرَّنَا اهتمامكم بإخراجه للناس، وقيامكم بما فرض الله من الدعوة إلى
سبيله بالحكمة والموعظة الحسنة في زمن تكاثرت فيه الشبهات ممن ران الشيطان
على قلوبهم فصدهم عن سبيل الله حتى ضلوا وأضلوا. فكان كتابكم من أبلغ القول
في إظهار حجة الله القائمة على عباده، يدعو من كان له قلب إلى دين الحق،
ويبين للجاحد الملحد بطلان حجته، فجزاكم الله عن الإسلام والمسلمين خيرًا. وأخذ
بيدكم في تأييد الدعوة الإسلامية، ونشر عقائد السلف الصالح، ووفقنا وإياكم لما فيه
نصر لدينه، وإعلاء لكلمته، إنه على كل شيء قدير. والسلام.
في ٤ من ذي القعدة سنة ١٣٥٢ ... ... ... ... ... (الختم)
***
كلمة من كتاب لإمام
طائفة الإباضية الهمام
كنا أهدينا نسخة من كتاب الوحي المحمدي إلى هذا الإمام الجليل مع كتاب
خاص فجاءنا كتاب منه (من نزوى - عمان) بعد جمع ما تقدم وما بعده قبل طبعه
قال في أوله بعد البسملة:
من إمام المسلمين محمد بن عبد الله الخليلي إلى حضرة العلامة المحقق أخينا
السيد محمد رشيد رضا المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أما بعد فإن رأيتم في إبطائنا في الرد على كتابكم الكريم المرسل معه مؤلفكم
فذاك لا عن إهمال وعدم تقدير، وإن لكم ولأمثالكم من إخواننا علماء الدين الحنيف
منزلة كبرى في القلب لا يحلها سواهم ... (ثم قال بعد بيان العذر)
(أما مؤلفكم العظيم فهو في غنى عن التقريظ والمدح، وإعجابنا به لا
يحد، ولا شك أنه الحجة الدامغة والقول المتين لمن لا يدين بهذا الدين القويم،
وفقكم الله لخدمة الإسلام والمسلمين، وبارك الله فيما تنوون وتقصدون، وسلام الله
عليكم.
... ... ... ... ... ... ... ... ... ... (الإمضاء)
كتاب صاحب الفضيلة الأستاذ الأكبر الشيخ
محمد مصطفى المراغي
شيخ الجامع الأزهر بالأمس ورئيس المحكمة الشرعية من قبل
ورئيس جامعة الدفاع عن الإسلام اليوم
صديقي السيد الجليل الأستاذ محمد رشيد رضا:
أستطيع بعد أن فرغت من قراءة كتابكم (الوحي المحمدي) أن أقول: إنكم
وفقتم لفتح جديد في الدعوة إلى الدين الإسلامي القويم، فقد عرضتم خلاصته من
ينابيعه الصافية عرضًا قلَّ أن يتيسر إلا لفرع من فروع الشجرة النبوية المباركة،
وقد استطعتم أن توفقوا بين الدين والعلم توفيقًا لا يقوى عليه إلا العلماء المؤمنون،
فجزاكم الله عن الإسلام أحسن ما يجازى به المجاهدون، ولكم مني تحية الإخاء
والسلام عليكم ورحمة الله.
... ... ... ... ... ... ... محمد مصطفى المراغي
تقريظ الأستاذ الفاضل صاحب المصنفات المفيدة
الشيخ محمد أحمد العدوي من نابغي علماء الأزهر
كتاب جديد أخرجه الأستاذ الكبير صاحب المنار، وآية كبرى من آيات الله
في التأليف، وحسنة من حسنات صاحب المنار (وحسناته كثيرة) تقرأ هذا السفر
فترى فيه حججًا دامغة، وإحاطة بمقاصد الإسلام، ودفعًا لشُبَهٍ يوردها أعداء الحق،
ولقد يخيل إليك أثناء دراستك للكتاب أن صاحبه لمس أمراض النفوس فوضع لها
علاجها، كما تراه قد أقام الحجة من العقل والنقل على الملحدين من رجال العلم ولا
سيما الماديين منهم، وإنه لكتاب تحتاجه جميع الطبقات، وحاجة الذين يهمهم نشر
الدين والدعوة إليه أشد، أفاض في مباحث الوحي، وأقام الأدلة على أن ذلك الوحي
لم يكن نابعًا من نفس محمد صلى الله عليه وسلم كما زعم المسيو درمنغام في كتابه
(حياة محمد) وغيره، وإنما هو نازل من السماء.
ليس بالعجيب أن نرى لصاحب المنار هذه المعجزة العلمية فإن البحوث
الدينية والتحقيقات العلمية قد امتزجت بلحمه ودمه، حتى أصبحت الكتابة فيها هينة
عليه لينة له، ويأخذ منك العجب منتهاه حيث تجلس إليه فيحادثك وتحادثه وقلمه
يسيل بتحرير مسائل في الدين أقل ما يحتاج الكاتب إليه فيها أن ينقطع عن العالم
ليجمع شتات فكره رجاء أن يلم بأطراف مسألة منها.
وهذه آثاره في تفسير كتاب الله تعالى ناطقة بنبوغه وتفوقه، وأنه بَزَّ علماء
التفسير جميعهم في إبراز القرآن الكريم للناس معجزة دائمة، وهداية عامة شاملة،
وسعادة لهم في دينهم ودنياهم، تقرأ طائفة من التفسير فتحس في خلال القراءة أن
من ورائك سوطًا من أسواط الحق يسوقك إلى الفضيلة ويردعك عن الرذيلة وأن
صلتك بكتاب الله تعالى وتعلقك في هدايته وفقه معانيه هي أغلى شيء في هذه
الحياة، وأعظم رزق ساقه الله إليك، كما تحس في ذلك التفسير أنك في دائرة من
دوائر المعارف الإلهية الكبرى.
وجدير بأستاذ له هذا الأثر أن يطلع على الناس بأمثال الوحي المحمدي مما
يغذي أرواحهم، وينمي معارفهم، دع ما وراء ذلك كله من قوة في البيان، ورواء
في الأسلوب، وتنسيق لطرق الاستدلال، ودقة في المأخذ؛ كل ذلك تجده في
مؤلفات صاحب المنار، وتراه أوضح وأجلى في (كتاب الوحي المحمدي) وما
سبقه من كتاب (نداء للجنس اللطيف وحقوق المرأة في الإسلام) .
وكل ما نتمناه أن يُلْهَم الناس رشدهم، ويعرفوا للعاملين قدرهم، فيكافئوهم
على هذه المجهودات بمطالعة كتبهم، وأن ينسأ الله في أجل صاحب المنار حتى يتم
تفسيره الذي خدم فيه أحد عشر جزءًا من أجزاء القرآن الكريم، وأن يمده بروح
منه ويبعد عنه مشاغل الحياة حتى يعيش موفور الصحة هادئ البال.
وأن يستجيب فيه دعاء الأستاذ الإمام وهو يقول في آخر حياته:
فيا رب إن قدرت رُجْعَى قريبة ... إلى عالم الأرواح وانفض خاتم
فبارك على الإسلام وارزقه مرشدًا ... رشيدًا يضيء النهج والليل قاتم
ويخرج وحي الله للناس عاريًا ... من الرأي والتأويل يَهْدِي ويلهم
... ... ... ... ... ... محمد أحمد العدوي من العلماء
كلمة من كتاب للأستاذ الكريم صاحب الإمضاء
لئن اجتمع علماؤنا الرسميون على أن يأتوا بمثل هذا الكتاب لا يأتون بمثله
ولو كان بعضهم لبعض ظهيرًا.
أطال الله حياتك يا مرشد الحيران، ويا خليفة حكيم الإسلام. حتى تصير
الأمة الإسلامية (رشيدية) اسمًا ولحمًا ودمًا إن شاء الله، رغم أنف الحاسدين أمثال
صاحب سجود الشمس تحت العرش، وأعوذ بك ربي أن أكون من الجاهلين.
يا صاحب الفضيلة:
قرأت كتابكم (الوحي المحمدي) إلى آخره فإذا به فيض من نور الله، وقبس
من ضيائه، يجب على كل مسلم متدين أن يقرأه؛ إذ إنه خير كتاب من نوعه ألف
في هذا الموضوع، بل يجب على كل مسلم غيور أن يعمل على ذيوعه وانتشاره
بين طبقات الأمة حتى يعم نفعه، وهذا ما عاهدت الله عليه خدمة للدين وابتغاء
وجهه الكريم.
... ... ... ... ... ... ... ... (أحمد أحمد القصير)
... ... ... ... ... في كَفْر المندرة
طائفة مما كتبه إلينا علماء ديار الشام الأعلام
أيد الله بهم الإسلام

-١-
للأستاذ العلامة الشيخ محمد بهجة البيطار [١]
إذا أردت أن تعرف قيمة تفسير المنار للقرآن الحكيم، وأن تتحقق أنه أفضل
تفسير للمسلمين في هذا العصر يقوم به أقدرهم عليه، وأولاهم به، وأنه لا يسد
مسده تفسير آخر؛ لأنه يستمد من قوى هذا العصر وحقائقه، ويدفع ما تجدد من
الشبهات والشكوك، ويقيم الأدلة القاطعة، ويورد الشواهد الحسية والتاريخية على
أن الحكومة الإسلامية هي أفضل حكومة في العالم كله.
إذا شاقك ذلك وأردت أن تعرفه يقينًا، فاقرأ كتاب (الوحي المحمدي) للسيد
الإمام علامة العصر الأستاذ السيد محمد رشيد رضا منشئ المنار ومؤلف تفسيره،
فهو نموذج من ذلك التفسير العجيب الذي صدر منه عشرة مجلدات ضخمة إلى الآن،
فسَّر بها ثلث القرآن الحكيم، وكتاب (الوحي المحمدي) منها هو تفسير لقوله
تعالى: {أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِّنْهُمْ} (يونس: ٢) في أول
يونس من الجزء الحادي عشر [٢] .
ولعمر الحق إنه أتى في هذا الكتاب بالعجب العجاب، فقد أثبت نبوة محمد
صلى الله عليه وسلم بالبراهين العقلية والعلمية القاهرة، وأورد الشواهد التاريخية
الحسية الكثيرة ورد جميع ضلالات بني آدم عنها، لا سيما شبهات فلاسفة الإفرنج،
ومطاعن الملحدين وخرافات المشعوذين.
وقد كان بعض فلاسفة الغرب كتوماس ورينيه ودرمنغام وأمثالهم كتبوا في
السيرة النبوية شيئًا حسنًا، وبسطوا لأممهم حقائق منها، لولاهم لطمسها الجهل
والتعصب غير أن هؤلاء قد عرضت لهم شبهات وأوهام، فحسبوا الوحي الإلهي
النبوي عمومًا والمحمدي منه خصوصًا، ضربًا من الاستعداد النفسي، والفيض
الذاتي، أي أنه نابع من قلب الرسول صلى الله عليه وسلم غير نازل من عند الله.
وقد بسط السيد الإمام شبهتهم هذه، وأبرزها بأوسع معانيها، وصورها بأجلى
صورها، ثم كر عليها بالنقض والإبطال، وبين فسادها واستحالتها من عشرة وجوه
لا تحتمل الرد ولا المراء.
ثم عقد فصولاً في إعجاز القرآن بأسلوبه وبلاغته. وقوة تأثيره وهدايته. بما
لم يؤثر مثله أي كتاب آخر. ثم أفرد مقاصد القرآن الدينية والمدنية لرفع مستوى
الإنسانية. فشرح أصول السعادة الخالدة. ومطالب الحياة الراقية. ودل على
مقاصد الإسلام العالية التي لا يطمح العقل البشري ولا الارتقاء المدني إلى أسمى
منها أبدًا.
ولقد شرح السيد الإمام معجزات الرسل عليهم أفضل الصلاة والسلام شرحًا
بليغًا يوقف من تدبيره على سر اصطفائهم واجتبائهم، وكونهم صفوة البشر وأكملهم
وأفضلهم وأولاهم بحمل أمانة التشريع، والقيام بعهدة التبليغ {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ
يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} (الأنعام: ١٢٤) .
ثم إن من أمعن النظر فيما كتبه عن المعجزات نفسها، وما أقامه من ميزان
العدل والنصفة بينها، أدرك أن ليس فيما ظهر على يد المسيح عيسى بن مريم منها
ما يعلو به عن مقام النبوة والرسالة أبدًا {مَا المَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ
مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ} (المائدة: ٧٥) ثم أدرك أن
القرآن هو الآية الإلهية الكبرى، والمعجزة الدينية العظمى، بل هو معجزة
المعجزات، وآية الآيات، ولولاه لانمحى رسم تلك الخوارق من الأذهان.
ألا ليت دعاة النصرانية المبشرين الذين يسعون لتنصير مسلمي الأرض وهم
مئات الملايين، ويبغون زوال القرآن (وقد تولى الله حفظه) من الوجود، ليتهم
يعلمون أن أمة القرآن التي دانت به وأذعنت لحكمه، ولم تلتفت إلى شيء غيره، قد
شهدت ببراءة العذراء البتول، وابنها المسيح الرسول، من مفتريات أعدائهم اليهود،
وآمنت عن طريق القرآن وحده بكل ما ورد من معجزات الرسل وآياتهم، وأن
القرآن لو زال لا قدر الله تعالى من الأرض فإن أمة القرآن لا تؤمن لأحد بعد
(الوحي المحمدي) بنبوة ولا رسالة، ولا تعتقد بنزول وحي من السماء على أحد من
الأنبياء، فإيمانهم بالقرآن إيمان بسائر كتب الله، وتصديقهم بخاتم النبيين تصديق
بسائر رسل الله، وكفرهم بالقرآن كفر بجميع الكتب والرسل، فأي الفريقين من
المؤمنين والكافرين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون؟ {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم
بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ} (الأنعام: ٨٢) .
وإنك لتجد هذه الحقائق كلها وأضعافها واضحة في كتاب (الوحي المحمدي)
وإني لمعترف بأني عاجز عن وصفه، وبأني لم أحط علمًا بكنهه، ولكني أختم
كلمتي بما قاله أحد خطباء الشرق الأستاذ يوسف اصطفان الشهير في المؤلف نفسه
على إثر محاضرة كان ألقاها السيد الإمام بدمشق الشام في عهد الحكومة العربية قال
لا فض فوه: إن كان لهذا الرجل (يعني السيد الإمام) نظير في رجال الدين في
الغرب، فنحن لا نستحق الحياة أو قال الاستقلال في الشرق.
ثم ختم الكتاب بدعوة الشعوب المتمدنة إلى ما ينجيهم من غوائل المدنية
الفاسدة، ويمتعهم في ظلال الإسلام والسلام.
والكتاب قد ترجم إلى لغات كثيرة شرقية وغربية وتقرر تدريسه في بعض
الممالك الإسلامية، أفليس العرب وفيهم أنزل القرآن، ومنهم أرسل الرسول صلى
الله عليه وسلم أولى بذلك؟ بلى، وإن قلمي ليعجز عن الإحاطة بوصف كتاب
(الوحي المحمدي)
وحسبي أن أوجه نظر كل من يهمه أمر دينه ولا سيما شبابنا المثقف وطلاب
المدارس العالية أن يجعلوه عمدتهم في دراستهم ودروس قراءتهم، فهو يغني عن
كل كتاب في موضوعه، ولا يغني عنه غيره.
... ... ... ... ... ... ... ... محمد بهجت البيطار
-٢-
للعلامة الأستاذ الشيخ محمد ظبيان الكيلاني
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله مستوجب الحمد، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الداعي إلى
الخير الهادي إلى الرشد، وآله وصحبه وتابعيه وحزبه، أما بعد فقد مَنَّ الله تعالى
عليَّ بالاطلاع على كتاب الوحي المحمدي الذي أخرجه للناس العلامة الكبير
والأستاذ الشهير السيد محمد رشيد رضا صاحب المنار الأغر فأدهشني ما رأيت من
بدائع ذلك البناء الشامخ، والطود الراسخ، وما حواه من الآيات البينات،
ومعجزات العلم الباهرات، وإني لا أريد أن أتوسع في تقريظ هذا الكتاب، وأن
أبالغ في مدحه كما يفعله كثير من العلماء والكتاب، ولكني أريد أن أقول كلمتي عما
حواه من الحقائق التي أتى بها المؤلف حفظه الله على ضوء العلم فأقول:
إنه لما أخبرني أخي وصديقي العلامة الأستاذ الشيخ محمد بهجة البيطار أحد
علماء دمشق بصدور هذا الكتاب، وأخذ يصف لي ما اشتمل عليه من الحقائق
العلمية والأسلوب الجذاب، داخلني الريب فيما قال، وعددت ذلك غلوًّا في الدعاية
أو ضربًا من الخيال، ولكني ما كدت أتناوله وأتصفح عباراته، وأتذوق طلاوة
أسلوبه الحكيم، حتى انقلب ذلك الريب يقينًا، وأصبح عندي ذلك الخيال حقيقة
ملموسة، وإذا بهذا السفر يتدفق حججًا استمدها المؤلف (أدام الله إرشاده) من نور
القرآن، واقتبسها من مشكاة العرفان، فكأنه وحي من الوحي، فقلت: {ذَلِكَ فَضْلُ
اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ} (المائدة: ٥٤) .
جاء هذا الكتاب في وقت اشتدت الحاجة إلى مثله، وتطاولت الأعناق إلى
وجود مُؤَلَّف جامع على شكله؛ إذ نشأ اليوم الجهل وكثر الفساد، وهجمت على
المؤمنين جيوش الزيغ والإلحاد، فكادت تجتاح الفضيلة، وتقضي على البشرية
بسموم الرذيلة، وتجتث الاعتقاد بوجود الخالق، وتقذفه من حالق.
فجاء الأستاذ المؤلف يدعو الأمم أجمع إلى هداية القرآن بالحكمة والموعظة
الحسنة، يخاطب كل أمة على قدر عقولها، وينوع الأساليب الحكيمة بتقريب الحق
إلى أفهامها، ليمحو ظلمة شكوكها وأوهامها، وليكون ذلك أوقع في النفوس وأبلغ
في تأثير الحجة.
إننا اليوم في عصر كَثُرَ فيه طلاب العلوم الكونية، فلا يذعنون إلا لما كان
مؤسسًا على الحقائق العلمية، فها هم اليوم قد وجدوا ضالتهم المنشودة، وبغيتهم
المقصودة، فهو كترجمان حكيم يخاطب كل واحد منهم بلغته، ويناجي كل فريق
على قدر عقله ودرجة استعداده ومعرفته، فما أجدر طلاب العلوم الكونية، وعشاق
الحقائق في كل أمة أن يعكفوا على اقتنائه، ودراسته وتدبر آياته، ليستضيئوا بنور
مشكاته، فينالوا السعادتين، ويفوزوا بالنعمتين.
أما علماء الإسلام فإنهم إذا ولوا وجوههم شطره، وقرءوه لإخوانهم، ازدادوا
إيمانًا مع إيمانهم، وكان لهم منه سلاح جديد يدفعون به هجمات أعداء الإسلام من
المبشرين والملحدين، ويدحضون به دعاويهم الباطلة، وكان لهم منه أيضًا مادة
غزيرة يستعينون بها على الدعوة إلى الله.
وأنا أرجو من الأستاذ (أدام الله نفعه) أن يسعى في ترجمة هذا الكتاب القيم
إلى اللغات الأجنبية، وفي مقدمتها اللغة الإنجليزية؛ لأنها أكثر انتشارًا في الأرض،
وليطلع عليه الأمم التي لم تقف على حقيقة الإسلام حتى اليوم كالأمتين اليابانية
والأميركية، وليكون عونًا لجمعية الدعوة والإرشاد الإسلامية في طوكيو عاصمة
اليابان؛ لتفهيم القوم حقيقة الإسلام، وأنه لم يكن دينًا تعبديًّا فحسب، بل هو دين
اجتماعي، جاء لسعادة البشر، جمع بين خيري الدنيا والآخرة والله يهدي من يشاء
إلى الحق وإلى طريق مستقيم.
دمشق ... ... ... ... محمد علي ظبيان الكيلاني
-٣-
(للعلامة الأستاذ الشيخ محمد مسلم الغنيمي الميداني)
نور سطع في سماء جزيرة العرب منذ ثلاثة عشر قرنًا فأضاء الكون لجدير
بأن يكون موضع الإعجاب وتوجه الأنظار، وإن جزيرة العرب في ذلك الزمن
كانت مجدبة من كل علم وفن لا يرى في سمائها بارقة نور.
أخذ هذا النور يتلألأ في سماء الجزيرة وما تزيده الأيام إلا ضياء وامتدادًا،
والمعلوم أن مصدر هذا النور العظيم هو ذلك القرآن الحكيم، والنبي الكريم،
العربي الصميم، محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم.
ولقد شهد عظماء الإفرنجية وفلاسفتهم كدروي وإبرفنج وسديو وإسحاق طيلر
وغوستاف وتولستوي وتومس كارليل وهنري كاستري وغيرهم أن المدنية الغربية
مقتبسة من الحضارة الإسلامية، ولو أخذنا نبسط أقوالهم لطال بنا المقام وخرجنا
عن الموضوع.
وممن كتب في السيرة النبوية من مفكري الغرب درمنغام ومنتيه وغيرهما
فوصفوا النبي صلى الله عليه وسلم بأنه كان للخلاء والعزلة يفكر في طريق النجاة
من هذه المخازي والضلالات التي عم ظلامها البشر، ولكنهم حسبوا الكتاب الذي
أنزل عليه صلى الله عليه وسلم من الوحي النفسي والإلهام الذاتي: أي أنه عليه
الصلاة والسلام صفت سريرته على رءوس الهضاب وبين الشعاب في غار حراء،
فأوحت إليه نفسه كتابًا أرشد الأمم وجميع الشعوب بتعاليمه كما ذكر مونتيه في
مقدمة ترجمته للقرآن الكريم بعد ذكره لأنبياء بني إسرائيل فقال: فتحدث فيه (أي
الفكرة الدينية) كما كانت تحدث فيهم ذلك الإلهام النفسي.
فهذا أقصى ما وصلت إليه أفكار فلاسفة الغرب في الوحي الإلهي، لذلك قام
علامة الإسلام السيد الإمام محمد رشيد رضا صاحب المنار الأغر، فكشف اللثام
عن حقيقة الوحي وماهيته وكيفيته، وأبطل مزاعمهم ورد شبهاتهم بأدلة عقلية
وبراهين حسية مفسرًا قوله تعالى: {أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِّنْهُمْ} (يونس: ٢)
كتاب لم يُنْسَج على منواله، ولم يُسْبَق المؤلف لمثله، فهو كتاب لا يستغني
عنه المسلم ولا غير المسلم، فالمسلم يعلم كيف يقيم الحجة على صحة دينه، ونبوة
نبيه وكتاب ربه، وغير المسلمين يرون الفرق واضحًا بين الوحي السماوي والإلهام
النفسي، فجزى الله السيد المؤلف خيرًا، وأدامه للمسلمين ذخرًا، آمين.
دمشق ... محمد مسلم الغنيمي الميداني
-٤-
للطبيب النطاسي والعالم العصري الدكتور سعد عيد عرابي
لقد تقهقر البشر في هذا العصر في الأخلاق والآداب، ومحقت الفضيلة،
وحلت مكانها الرذيلة، التي انحطت به إلى أقصى درجات البهيمية، وما ذلك إلا
لأن تقدم الحضارة والعلوم الكونية كان ماديًّا، وكان البشر آليًّا متجردًا عن الروح
في كل حركاته وسكناته، ومتى سلب الشيء روحه كان باهتًا لا لذة فيه ولا طعم،
هذا ما دعاهم أن يسرفوا في ألوان الرذائل وأشكالها علهم يجدون بها متعة جديدة
تنسيهم آلام هذه الحياة، وهذه الحضارة الزائفة، وما كان ذلك إلا ليزيدهم شقاء
وبلاء.
لئن فكّر بعض عقلاء أوربا وغيرهم في اللجوء إلى الدين، وبأنه العلاج
الوحيد لأدواء هذه الحضارة، وتمنوا لو يبعث في الشرق أو في الغرب نبي جديد
يصلح بهدايته فسادها، فقد نادى منادي (الوحي المحمدي) بأن حي على الفلاح ها
إن محمدًا صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين، وها إن الإسلام دين البشرية والسلام
كفيل إن اتبعتموه أن يهديكم صراطًا مستقيمًا، وأبان فضائل الدين الإسلامي ومزاياه
على ما جاء في الأديان الأخرى، وما حواه من التشريع الديني والمدني، وأماط
اللثام عن الحجب التي بين الإفرنج وحقيقة الإسلام وعددها: فمن عداوة الكنيسة
وتداعياتها المشوهة الباطلة، إلى كذب رجال السياسة وطمعهم في استعباد الشعوب
شعوب الإسلام إلى سوء حال هؤلاء في القرون الأخيرة وجهلهم حقيقة دينهم وأمور
دنياهم.
مع أن الغاية الأساسية لهذا الكتاب دحض مزاعم درمنغام وغيره من الإفرنج
الذين يدعون أن الوحي المحمدي وحي نفسي لا إلهي، ومع أنه أفاض في
الموضوع، وأيد بالبراهين العقلية والأدلة القطعية وبمعجزة القرآن المجيد فساد
مزعمهم هذا، وأن الوحي المحمدي أثبت وأكمل وأعم من كل وحي جاء قبله فقد
جاء هذا الكتاب من مقدمته إلى خاتمته جامعًا شاملاً لم يترك شاردة أو واردة تعلي
كلمة الله تعالى وتنصر الحق المبين إلا وذكرها، كما وأن هذا السفر النفيس يروي
غليل من كان للحقيقة من المستطلعين، فقد عرَّف النبوة وأبان الفوارق بين
المعجزات والكرامات، وشرح مقاصد القرآن المجيد شرحًا دقيقًا: من دينية
واجتماعية وسياسية ومالية (وأستأذن أن أذكِّرَه بالقواعد الصحية وهي كثيرة)
والخلاصة أن هذا الكتاب قد جمع شمل ما في الإسلام من حكم، وقد وفَّى
الموضوع حقه، بأن قدمه للجمعيات الإسلامية في العالم داعيًا رجالاتها إلى ترجمته
إلى لغاتهم لتكون فائدته أعم، وقد دعا في خاتمته شعوب المدنية إلى الإسلام، دين
الإنسانية والسلام؛ لإنقاذ البشر من هذا الشقاء العام.
ومن جمل ما قال لهم في دعوته هذه: (قد بينا لكم أيها العلماء الأحرار
بطلان ما اخترعته عقول المنكرين لنبوة محمد صلى الله عليه وسلم من العلل
والآراء لجعل ما جاء به من العلم الإلهي الأعلى، والتشريع المدني الأسمى،
والحكمة الأدبية المثلى، نابعًا من استعداده الشخصي، وما اقتبسه من بيئته ومن
أسفاره، مع تصغيرهم لهذه المعارف جهلاً أو تجاهلاً، وعلمتم أن بعض ما قالوه
افتراء على التاريخ وأن ما يصح منه عقيم لا ينتج ما ادعوه، وعلمتم أنه في جملته
مخالف للعلم والفلسفة وطباع البشر، وسنن الاجتماع ووقائع التاريخ، ونحن
نتحداكم الآن بالإتيان بعلل أخرى لما عرضناه على أنظاركم من وحي الله تعالى
وكتابه لمحمد صلى الله عليه وسلم من القطعي من تاريخه: علل يقبلها ميزان العقل
المسمى بعلم المنطق، فإن لم تستطيعوا ولن تستطيعوا أن تأتونا بعلل تقبلها العقول،
وتؤيدها النقول، فالواجب عليكم أن تؤمنوا بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم
ورسالته، وبكاتبه المُنَزَّل عليه من عند الله تعالى لإصلاح البشر، وأن تتولوا
الدعوة إلى هذا الإيمان ومعالجة أدواء الاجتماع الحاضرة به)
ومما قاله حفظه الله: (أما أنتم أيها العلماء المستقلو العقول والأفكار فالمرجو
منكم أن تسمعوا وتبصروا، وأن تعلموا فتعملوا، فإن كانت دعوة القرآن لم تبلغكم
حقيقتها الكافلة لإصلاح البشر على الوجه الصحيح الذي يحرك إلى النظر لأنكم لم
تبحثوا عنها بالإخلاص مع التجرد من التقاليد المسلمة عندكم والأهواء؛ ولأن
الإسلام ليس له زعامة ولا جماعات تبث دعوته، ولا دولة تقيم أحكامه وتنفذ
حضارته، بل صار المسلمون في جملتهم حجة على الإسلام وحجابًا دون نوره،
فأرجو أن يكون هذا البحث كافيًا في إبلاغ الدعوة إليكم بشرطها المناسب لحال هذا
العصر، فإن ظهر لكم الحق فذلك ما نبغي ونرجو لخير الإنسانية كلها، وإن
عرضت لكم شبهة فيها فالمرجو من حبكم للعلم، وحرصكم على استبانة الحق أن
تشرحوها لنعرض عليكم جوابنا عنها، والحقيقة بنت البحث كما تعلمون) .
حقًّا قليلون وقليلون جدًّا (كذا) العلماء الذين يحذون حذو صاحب الفضيلة
العالم العلامة حجة الإسلام الأستاذ السيد رشيد رضا في إظهار الإسلام في صورته
الحقيقية العلمية العقلية، وقد أظهر في دعوته شعوبَ المدنية إلى الإسلام، كما
أثبت في مقاصد القرآن المجيد، أن الإسلام دين البشرية والسلام، دين العقل
والفكر، دين العلم والحكمة، دين الحجة والبرهان.
إن ظهور السفر النفيس (الوحي المحمدي) خدمة جلى أسداها للدين وللبشر
وللحقيقة وللتاريخ، جديرة بأن تسطر له بأحرف من نور على صفحات الفخار
وليتفضل المؤلف الإمام بقبول شكري
دمشق ... ... ... ... ... ... ... الدكتور سعد عيد عرابي
... ... ... ... ... ... ... خريج جامعتي باريز وبرلين
للتقاريظ بقية
((يتبع بمقال تالٍ))