للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


دم أضاعه أهله

يشكو المصريون من المدارس الأميرية، ويرون أن سعادة البلاد إنما تكون
بمدارس الجمعيات الخيرية الوطنية، وأنّى تفي الجمعيات بالغرض إذا لم يكن
القائمون بها والنظار عليها من الأطباء العارفين بمرض الأمة، المندفعين بطبيعتهم
إلى إصلاحها؟
نوَّهنَا بمدرسة زعزوع بك مع أن بنيّانها أُسِّسَ على شفا جُرُفٍ هارٍ، حيث
جعلت السيطرة عليها للحكومة، ورجونا بذلك أن يرغب غيره بمثل عمله،
ويأتي سالمًا من علله، وقد رأينا في هذه الأيام إعلانًا من جانب جمعية (العروة
الوثقى) الإسلامية في الإسكندرية كاد يذهب ببقايا أملنا بالمدارس الأهلية، إعلانًا
يطلب فيه أستاذ للغة الفرنسوية براتب شهري قدره ٦٠٠ غرش، ومثله للإنكليزية،
وأستاذان للغة العربية براتب شهري قدره ٢٠٠ غرش لكل منهما، واشترط في
أستاذي الفرنسوية والإنكليزية المعرفة التامة، ولم يشترط ذلك في أستاذي العربية،
وكيف يشترط ذلك، ولا يمكن أن يوجد معلم ماهر بهذا الراتب القليل؟ أليست هذه
الجمعيات هي التي تحيي اللغات الأجنبية، وتميت لغة الأمة والدين؟ ! بلى، إنها
تفعل ما لا تفعله الحكومة في مدارسها؛ فإن في المدارس الأميرية من معلمي العربية
كثيرًا من نخبة النابغين يأخذون الرواتب الكافية، ويعلمون أحسن التعليم، فعسى أن
تتنبه جمعية (العروة الوثقى) لملاحظتنا هذه، فتتلافى الأمر، وتنتقي لتعليم العربية
في كل مدرسة من مدارسها أفضل المهرة من المعلمين، مهما بلغت أجورهم، لتكون
محل ثقة الأمة، وموضع رجائها، ولا تكون مجهزة على الأمة فيقال فيها: (د م
أضاعه أهله) .