للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


دائرة المعارف الإسلامية ومفاسدها

اسم خادع، كسور له باب ظاهره فيه الرحمة وباطنه من قِبَلِه العذاب، هو
معجم لَفَّقَهُ طائفة من علماء الإفرنج المستشرقين لخدمة ملتهم ودولهم المستعمرة لبلاد
المسلمين يهدم معاقل الإسلام وحصونه، بعد أن عجز عن ذلك دعاة دينهم بالطعن
الصريح على كتاب الله العزيز ورسوله خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم، وبعد أن
عجز عن ذلك الذين حرَّفوا القرآن منهم بترجماته الباطلة، والذين شوهوا تاريخ
الإسلام بمفترياتهم، ذلك بأن هؤلاء الملفقين لهذا المعجم الذي سموه دائرة المعارف
الإسلامية لم يتركوا شيئًا من عقائد الإسلام، ولا من فضائله، ولا من تشريعه، ولا
من مناقب رجاله إلا وصوروه لقراء معجمهم بما يخالف صورته الصحيحة من
بعض الوجوه، إما بصورة مشوهة، وإما بصورة عادية لا مزية لها، وطالما قلت:
إن الإفرنج قد أتقنوا كثيرًا من العلوم والفنون والصناعات؛ ولكن إتقانهم للكذب
والإفك، أي: صرف الناس عما يريدون حجبه عنهم من الحقائق قد فاق إتقانهم لغيره
مما أتقنوه من علم وعمل.
وفي هذه الدائرة عيوب علمية وتاريخية أخرى أهمها كما بدا لنا من نظرة
قصيرة فيها أنها لم تُكْتَب لتحقيق المسائل التاريخية والعلمية لذاتها، بل لأجل بيان
آرائهم وأهوائهم والإعلام بما سبق لهم ولعلمائهم فيها من بحث وطعن في كتبهم
ورسائلهم المتفرقة.
ولقد كنا سررنا إذ علمنا أن جماعة من شباننا شرعوا في ترجمة هذا المعجم
بلغة الإسلام العربية، ووضع حواشي لتصحيح ما فيه من الأغلاط التاريخية
والعلمية والدينية، وبيان الحق فيما دسوه فيه من عقائدهم وآرائهم الباطلة في
المسائل الدينية، ونوط هذا وذاك بالعلماء الإخصائيين في كل منهما، وقد صدر
الجزآن الأول والثاني من الأجزاء الصغيرة التي قسموا لها الكتاب مذيلين ببعض
الحواشي من هذه التصحيحات والانتقادات، وهي غير كافية في موضوعها، ثم
أعرض المترجمون عن ذلك وطفقوا ينشرون الأجزاء غفلاً من التعليق على موادها
المشوِّهة للإسلام وتاريخه، بعد أن ظننا أنهم سيزيدونه استقصاءً وتحقيقًا، فخابت
الآمال فيهم، وانقلب عملهم النافع ضارًّا، وما كان يرجى من إصلاحهم فسادًا
وإفسادًا.
فعلى الذين اشتركوا في أجزاء هذه الدائرة من المسلمين انخداعًا بما أعلنوه
عنها أن يطالبوهم بالوفاء بما وعدوا به من التعليق على كل مادة، أو مسألة مخالفة
لدين الإسلام وتاريخه وسيرة عظماء رجاله، فإن عادوا إلى ذلك استمروا على
اشتراكهم فيها، وإن لم يعودوا له بالوجه المرضي وجب عليهم شرعًا أن يقطعوا
الاشتراك، وحُرِّم على سائر المسلمين أن يشتروا شيئًا من هذه الأجزاء لئلا يكونوا
من الذين يبذلون أموالهم للصد عن دينهم ونصر أعدائه عليه، إلا من يرد على هذه
الأباطيل بما يُحَذِّر المسلمين منها.
أقول ولا أخشى لائمًا ولا مخالفًا: إن نشر هذا المعجم باللغة العربية كما كتبه
واضعوه بدون تعليق على ما فيه من الأغلاط والمطاعن ومخالفه الحقائق هو أضر
من شر كتب دعاة النصرانية (المبشرين) وصحفهم؛ لأن هذه قلما ينخدع أحد من
عوام المسلمين بما فيها من الباطل، وأما هذا المعجم المسمى بدائرة المعارف
الإسلامية المعزو أكثر ما نقل فيه إلى كتب المسلمين؛ فإنه يخدع أكثر القارئين له
ممن يُعَدُّون من خواص المتعلمين؛ لأنه يقل فيهم من يفرق بين الحق والباطل مما
فيه، ويقل فيهم من يعلم أن مؤلفي هذه الدائرة ممن يتربصون بهم الدوائر {عَلَيْهِمْ
دَائِرَةُ السَّوْءِ} (التوبة: ٩٨) فعسى أن يتدارك المترجمون لها ذلك بمثل هذا
التذكير القلمي الذي لم نكتبه إلا بعد أن كلفنا بعض إخواننا المعاشرين لهم أن ينذرهم
إياه بلسانه ولساننا، ولعلنا نجد فرصة ننشر فيها بعض الشواهد على ما قلنا.