للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


الاحتفال بعيد
الجلوس الهمايوني
كان المصريون يستعدون للاحتفال بعيد الجلوس الهمايوني من أول شهر
أغسطس، وقد أظلَّنا العشر الأخير منه في هذا العام، ولم نحس منهم عملاً، ولم
نسمع لهم ركزًا إلا ما يُتهامس به في هذه الأيام، ويرجى أن يأتي بالغرض بهمة
المتفاوضين الكرام، وإن كان الزمن قصيرًا، هذا ما نعلم من أمر الاحتفال العمومي
الذي كانت زينته تقام في حديقة الأزبكية بإدارة جمهور من وجوه المصريين، وأما
الاحتفالات الخصوصية التي كانت تقام في مواضع كثيرة، فلم نسمع لها حسًّا، ولم
نر لها حتى الآن أثرًا إلا ما كان من جمعية (شمس الإسلام) التي أنشئت في مصر
حديثًا لأجل الحض على التمسك بالكتاب والسنة، والاعتصام بهدي الدين الذي فسق
عن هديه الجماهير، فإن إخلاص هذه الجمعية لمقام الخلافة الإسلامية حملها على
الاستعداد لزينة باهرة واحتفال بليلة الجلوس الهمايوني تدعو إليه الوجوه من العلماء
الأعلام والموظفين الكرام وسائر الوجوه، وسيكون الاحتفال في سراي حسن بك
ساطع التي استأجرتها الجمعية حديثًا لها وللمدرسة التحضيرية التابعة لها والمطبعة
المنسوبة إليها، وهي على يمين الداخل من أول درب الجماميز من جهة السيدة
زينب رضي الله عنها، أما الحكمة في قيام الرعية بمثل هذا الاحتفال لراعيها؛ فهو
أمران، الأول: التقرب من أمير المؤمنين وخليفة المسلمين وابتغاء مرضاته
والثاني: إيقاظ الشعور العام بمعنى التابعية، وتقوية روح الوطنية الحقيقية،
وتوثيق رابطة الجامعة العثمانية، فإذا كان يوجد في الآستانة عدو للمصريين، بل
ولسلطانهم -أمير المؤمنين- يحول دون إبلاغه تهنئتهم في بعض الأحوال،
ويسعى بالإساءة إليهم عقيب كل احتفال بحيث يفوتهم الرضوان من مولانا السلطان،
فينبغي أن يواظبوا على عادتهم الماضية لأجل الحكمة الثانية، وعسى أن تزول تلك
الآلة المحللة، وتعاذ الأمة من هاتيك الوسوسة المضللة، فتتم لهم الحكمتان، والله
المستعان.