للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


مقدمة التفسير المختصر المفيد

بسم الله الرحمن الرحيم
أحمدك اللهم بما حمدت به نفسك، وباسمك أشرع في الثلث الأول من هذا
التفسير المختصر لكتابك العزيز، الذي كثر علي الإلحاح بطلبه من المؤمنين
الراضين عن (تفسير المنار) المطول، المفضلين له على غيره، بتحريه بيان ما
أنزلته لأجله من الهدى والإصلاح للبشر في أمري الدين والدنيا، وموافقته لحاجة
هذا العصر في معارفه، وإقامة حجة الإسلام والدفاع عنه، بالجمع بين صحيح
المأثور والمعقول، أحبوا أن أكتب لهم على نهجه تفسيرًا وجيزًا يسهل على كل ذي
حظ من اللغة العربية أن يتدبره ويهتدي به، وعلى كل عالم أن يقرأه كله لطلاب
العلم في زمن قصير، فإياك أستعين على إتمامه بما تحب وترضى من بينات الهدى
والفرقان، وإياك أسأل أن تؤتيني به وفيه الحكمة وفصل الخطاب، وأن تعلمني من
لدنك علمًا، وتهب لي فهمًا وحكمًا، حتى يكون القرآن حجة لي لا حجة عليّ،
واهد اللهم به كل من قرأه بنية صحيحة، واحفظنا جميعًا من زيغ من يتبعون ما
تشابه منه ابتغاء الفتنة، وإبتغاء تأويله.
وإني أنصح لقارئه أن ينوي بالنظر فيه الاستعانة به على تدبر القرآن والتفقه
فيه والاتعاظ به لإصلاح نفسه، والاستعداد لإصلاح غيره، بالدعوة إلى الحق وفعل
الخير وإقامة العدل، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتعاون على البر
والتقوى بين الخلق، وجمع كلمة المسلمين، دون المراء والجدل في الدين ونصر
المختلفين فيه.
وسيجدني إن شاء الله أتحرى أن أصور له المعاني الصحيحة التي تدني إليه
هذه المقاصد مجتنبًا ما يشغله عنها من مباحث اللغة كاشتقاق الألفاظ وذكر الحقيقة
والمجاز، ووجوه الإعراب، واصطلاحات الفنون، وأصول الكلام والفقه، إلا ما
كان إشارة يسهل فهمها على جمهور القراء، ككلمة تعليل وتمثيل، وإجمال وتفصيل،
ومجمل ومبين، ومطلق ومقيد، وشرط وجواب، واستئناف لبيان، وحديث
مرفوع مثلاً، فإن وجدت خفاء أو إشكالاً في بعض العبارات أو المسائل وأردت
كشف الغطاء عنها، أو الوقوف على ما فيها من الأحكام والحكم بالتفصيل، فراجع
لفظها أو معناها في تفسير المنار المطول مستعينًا بفهارسه، وبعدد الآيات والسور،
وأرجو أن يكون ما هنا أقرب إلى الصواب مما قد يخالفه هنالك، وأذكر القراءات
المتواترة بدون عزو إلى رواتها للاختصار، مع بيان معانيها وحكمتها بالإيجاز إلا
ما يتوقف على التلقي بأداء حفاظ القراء، كالإمالة وتسهيل الهمزة مثلاً، وقد قدرته
بثلاثة أجزاء كل ثلث من القرآن في جزء، وكنت بدأت بالثلث الثاني من قبل،
وأسأل الله أن يعينني على إتمامه كما يحب ويرضى في زمن قصير، وهو على كل
شيء قدير.
وكتبه محمد رشيد منشئ المنار بمصر في ذي القعدة سنة ١٣٥٣.