للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


كتاب الوحي المحمدي
لداعية الإصلاح العالم المستقل، والمناظر المستدل
الأستاذ الشيخ مصطفى أحمد الرفاعي اللبان
بأسيوط

وهو مما جاءنا بعد الطبعة الثانية (قال) :
نظر أبو العلاء المعري إلى نفسه فرآها وقد صفت ونجت من مزالق معظم
النفوس، وأدرك عقله نقيًّا من الخرافات والأوهام التي أضلت العقول، وألفى
روحه غنية بالفلسفة الصحيحة، التي ترى في المادة ستارًا كثيفًا يسدل على الحقائق،
ووجد شعريته فياضة بأرقِّ المعاني، في أدق الألفاظ والمباني، فهتف من أعماق
قلبه منشدًا:
وإني وإن كنت الأخير زمانه ... لآتٍ بما لم تستطعه الأوائل
ونحن بدورنا ننظر إلى نفس السيد محمد رشيد رضا صاحب المنار فنراها
وقد أشربت حبَّ الدين الإسلامي الحنيف والدفاع عنه إشرابًا، ونرى عقله وقد
أدرك أسرار الإسلام إدراكًا، ونلفي روحه صافية تقية نقية قد أنجبت أسمى الآثار
إنجابًا، ونسبَحُ في مؤلفاته فنعلمه الطود الأشم والفارس المجلَّى، والمحقق النادر
المثال، والكاتب المبخوت، الذي لا يُشَق له غبار، ثم نقع في سياحتنا على كتابه
(الوحي المحمدي) فنقف طويلاً، ونهتف مثل ما هتف المعري منشدين مخاطبين
السيد الرشيد المرشد:
وأنت وإن كنت الأخير زمانه ... أتيت بما لم تستطعه الأوائل
ولقد كنا نؤمن بأن الله تعالى أوحى إلى عبده ورسوله - صلى الله عليه وسلم-
ما أوحى، مستدلين بنصوص القرآن الكريم وببعض البراهين العقلية التي تخير (؟)
الوحي إلى النفوس الصافية الراقية، ولكنا ما كنا قادرين أن نقنع بهذا ذوي
العقول العصرية، وأولي البحوث الدقيقة القوية؛ فإذا دار النقاش بيننا وبين فريق من
هؤلاء لم يعجبهم كثيرًا مما ندلي به وألقوا في سبيلنا عقابًا، وافتجروا [١] حفرًا،
وأقاموا متاريس، وغرسوا أشواكًا؛ فتنتهي المناظرة ولا اقتناع ولا رضاء وينشر عنا
العجز عن بيان وجه الحق في هذه المسألة مع أهميتها ونفاستها ونفعها العظيم إذا
أحسن تبيانها، وأتقن توجيهها وعرضها على طالبيها، فكان كتاب (الوحي المحمدي)
للسيد الشريف والمصلح الكبير، أستاذنا محمد رشيد رضا، صاحب المنار - وافيًا
بالمطلب على أتم وجوهه، كافيًا في الإقناع لأكبر متشبث متعنت، حجة صادقة لا
تُدفع على صحة الوحي الرباني لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - سيد العالمين
وخاتم الأنبياء والمرسلين صلوات الله عليهم أجمعين.
يرى قارئ " الوحي المحمدي " مقدمة وجيزة بديعة تجمل الكتاب وتبرز مغزاه
في صورة مستملحة جزلة طيبة، يعلم منها ما يحجب الإفرنج عن الإسلام: من
الكنائس المعادية، والسياسية الخادعة، وحال المسلمين الواهية، وما يعوق
الأجانب عن فهم القرآن: من جهل بلاغته، وقصور ترجمات القرآن عن إدراك
غايته، وعدم وجود دولة إسلامية تدافع عن هدايته، ويفهم منها القصد من الكتاب
على أتم وجه من وجوه الصواب.
ويجول القارئ بعد ذلك في جنة الكتاب الغنَّاء فيعرف معنى النبوة والوحي
والرسالة وحاجة الناس إليها، ويدرك عصمة الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام -
ومقدار ما جنت عليها كتب السابقين بما يجرئ على الشرور والمفاسد، ويتيقن
وجوب إيمان الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم، فاتباعه هو الدواء
الناجع لأدواء الهيئة الاجتماعية.
ويتنقل القارئ من شجرة النبوة الوارفة الظلال إلى أن نبوة الرسول - صلى
الله عليه وسلم - هي الممتازة، فنبوة الأنبياء الإسرائيليين كانت - على قولهم -
أشبه بصناعة تتلقى في مدارس خاصة، ونبوة موسى الكليم - عليه السلام - قد
ينكرها الملاحدة؛ لأنه تربى في بيت فرعون وهو بيت علم وتشريع، فلا عجب
إذا جاء بشريعة كالتوراة. ونبوة المسيح - عليه السلام - يعقب عليها الملاحدة
أيضًا فينقصون قدرها ويغضون من قيمتها، ويقولون إنه لم يأت بشيء جديد. أما
نبوة الرسول - صلى الله عليه وسلم - فلا يمكن الطعن عليها بمثل هذا؛ لأن سيدنا
محمد - صلى الله عليه وسلم - كان أميًّا لا يقرأ ولا يكتب، ولا يتصل ببيئة علم
أو شريعة، فمجيئه بهذا الدين دليل صدقه وحقيقة رسالته، والحقيقة أن نبوة
الرسول - صلى الله عليه وسلم - مثبتة لغيرها من النبوات لا تصح إلا من طريقها
ومشكاة نورها.
ويمتلئ القارئ بعد هذا علمًا وتحقيقًا حين يقرأ الفصول البليغة عن الأدلة
العقلية والكونية على صدق الوحي المحمدي الإلهي فيطمئن قلبه وتستريح نفسه،
وينشرح صدره، ويشكر لله توفيق السيد رشيد حتى ألف هذا الكتاب الذي أنار
طريق الوحي بآلاف المصابيح الكهربائية الساطعة القوية، ثم يرتوي القارئ من
نهر فياض، عذب صافٍ، يجري منه التحقيق ذهبيًّا عسجديًّا، فيعرف مقاصد
القرآن الكريم وهدايته للبشر وإظهار الحق في الإيمان بالله تعالى وفي عقيدة البعث
والجزاء، ويلمس الإصلاح القرآني العظيم للنفس والروح والجسد والأفراد
والجماعات، والنهضة التي أزجاها في الدولة السياسة والاجتماع والاقتصاد
والآداب وحياة الأسرة. فإذا انتهى من الكتاب خرج منه بكنز ثمين من العلم
الصحيح النقي، وانتقل إلى جو من السعادة فسيح بما وصل إليه من هدوء في نفسه
واطمئنان في قلبه، واقتناع في عقله لا يملك نفسه أن يصيح: حياك الله أيها
السيد الرشيد، لقد سدت بإصلاحك، ورشدت بمباحثك القيمة الدالة على إشراق نور الحق في قلبك، فهنيئًا لك عملك، ومشكور لك سعيك.
ولقد استوعبت كتاب الوحي المحمدي وهنئت باغترافه وارتشافه عدة مرات
فرأيته رحيقًا من العلم، مختومًا ختامه مسك، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون، وأنا
أشهد صادقًا أن السيد أدى بكتابه إلى العالم الإسلامي أجلَّ الخدمات، وعبَّد للباحثين
من الغربيين والعصريين منهج البحث الهادي الرزين، القوي المبين، وأسقط حجج
الذين كانوا يحتجون بأنهم غير واجدين من يقدم لهم المطالب سائغة ميسورة.
وسيكون له - إن شاء الله - أثر جليل في توجيه المباحث الدينية وجهة طيبة في
صالح الإسلام ومستقبله العتيد بإذن الله.
ولقد ظهر إخلاص السيد في كتابه فطبع مرتين في أشهر، وأقبل عليه الشرق
والغرب، وتُرجم إلى عدة لغات. أدام الله نفعه، ونشر شذاه وعرفه، وأطال عمر
السيد ليتحف العالم الإسلامي بدرره الغالية وتحقيقاته السامية، إنه أكرم مسئول
وعلى كل شيء قدير.
... ... ... ... ... ... ... مصطفى أحمد الرفاعي اللبان
(المؤلف) : فات المقرظ الكلام في دعوة علماء شعوب الحضارة إلى
الإسلام وتحديهم بمعجزات القرآن.
* * *
الوحي المحمدي
بقلم
الأستاذ العلامة المتكلم الفقيه الكاتب النظار
إبراهيم الطفيش الميزابي الجزائري

أجل كتاب في علوم القرآن، وأفخم سفر في جلال القرآن، ومعجزة من
معجزات القرآن - كتاب (الوحي المحمدي) . طالع أيها المعتز بالقرآن، ويا
طالب منهاج الهداية المحمدية هذا السفر الجليل ترَ أبدع مؤلَّف وأسنى ما جاء به
القرآن من هداية البشر أجمعين. إن (الوحي المحمدي) علم وفق الله إليه مؤلفه
العلامة الجليل السيد رشيد رضا، علم مستخرج من كتاب الله العزيز الذي لا يأتيه
الباطل من بين يديه ولا من خلفه. لقد كُتب في علوم القرآن كتب كثيرة، ولكنها لم
تبلغ أن تأتي بما جاء في الوحي المحمدي حتى أصبح هذا الكتاب آية في الإبداع،
وغاية في كشف معاني الكتاب المنزل على قلب محمد صلى الله عليه وسلم. فيه
الحجة على البشر أجمعين.
إن القرآن يدعوهم إلى الانضواء تحت لوائه، ضامنًا لهم كمال السعادة
والشمول بالنعم الرحمانية وجلال العزة، إن هم أخذوا بما جاء به من عند الله الرحمن
الرحيم. كشف هذا الكتاب مناهج السعادة للأمم، وسبل الهداية الشاملة لطبقات البشر
وأجناسه، حتى أصبح عَلَمًا برأسه، يجب أن يعتنى بتدريسه بين الفنون العالية
لتخريج رجال عالميين في الهداية إلى شريعة الله التي أكملها وأتم بها نعمته
على خلقه.
لقد أخرج المصنف هذا الكتاب للأمم، وهو أحسن ما أخرج للناس من جهود
العلماء، فلا ريب أن العلماء في جميع الأمم ستتلقاه بالقبول، وسيترجم إلى جميع
اللغات؛ لأنه هو الكتاب الذي تنشده اليوم العقول السليمة في كل الشعوب،
وسيهتدي بهداه من أراد الله له السعادة من بين أولئك العقلاء الذين يسعون وراء
الحق لأنه الحق، ويدركون أن القرآن كتاب من عند الله هدى وبشرى لأولي
الألباب، لا سعادة للبشر إلا به، ولا سلام إلا باتباع هديه.
ولعلي أكون قد أديت واجبًا إذا لاحظت للمؤلف الجليل أن يعيد النظر في
مسألة الرقيق، فإن الإسلام جعلها حكمًا مستمرًّا ما فيه من حكمة اجتماعية، ولم
يوجد وضعًا لإبطال الرقيق بالتدريج السريع، ولكن الرقيق يبطل بطبيعته إذا دخل
كافة الشعوب في الهداية الربانية، فوجدوه وعبدوه واتبعوا النور الذي أنزل على
محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله.
* * *
أول كتاب من حضرة صاحب السعادة
هارون سليم باشا أبو سحلي
(مدير المنوفية في ذلك المعهد)
سيدي الأستاذ الأجلّ السيد محمد رشيد رضا
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فقد وصلني كتاب الوحي المحمدي الطبعة الثانية يوم سفري في رحلة بحرية
إلى مرسيليا، وكانت فرصة لمطالعته كله، وقد خرجت منه بأنه خير ما أخرج
للناس في موضوعه، وقد أعطيت التعليمات لمجلس المديرية لطلب ٦٦ نسخة
ليكون في كل مدرسة أولية وابتدائية نسخة، ولما كان واجب كل مسلم نشر هذا
الكتاب بأوسع ما يمكن أرجو أن ترسلوا باسمي ٣٠٠ ثلثمائة نسخة على محطة
شبين الكوم لتوزيعها، وثمنها ٣٠ جنيهًا حسب البيان الوارد في كتابكم، نرسلها
عند إتمام التوزيع، وأختم كتابي هذا بتوجيه واجب الشكر لكم تلقاء هذا المجهود
العظيم المضني، وإني في انتظار الجزء الثاني، ولكم وافر التحية من المخلص.
... ... ... ... ... ... ... ... هارون سليم
... ... ... ... ... ... ... في ٣١ أغسطس سنة ١٩٣٤ م

(المؤلف) : إن هارون باشا هذا من خير رجال حكومتنا عناية بالدين علمًا
وعملاً، بل لا نعرف له في رجال الإدارة مثلاً، وقد طلب منا بعد ما تقدم مائتي
نسخة، ثم أرسل ثمنها، ولما كان المعهود من أمثاله رجال الإدارة أن يوزعوا على
وجهاء مديرياتهم كثيرًا من الكتب غير النافعة محاباة لأصحابها فيقبلها الوجهاء
إرضاء للمدير على كراهة موضوعها وغلاء أثمانها، وكان يعلم أن مثلي ينكر ذلك
عليهم - كتب إليّ أنه لم يتبع سننهم، وإنما بين للوجهاء موضوع الكتاب في إقامة
حجة الدين وبيان حقيقته، وأنه يعتقد أن قراءته واجبة عليهم وعلى أولادهم، ولا
سيما تلاميذ المدارس، ويخيرهم، وأني إذا شئت كتب إليّ أسماء من اشتروه لأسألهم،
فكتبت إليه: لا إنكار على من يدعو إلى الله فيما يتخذ من حض الناس على معرفة
عقيدتهم وأصول دينهم، فإنه يصدق على هؤلاء ما صح في حديث من (يقادون
إلى لجنة بالسلاسل) ، ثم اتفق أن رأيت نقيب الأشراف للمنوفية بمصر فأخبرني
مسلك المدير في الترغيب في الكتاب، وكيف تلقوه بالقبول شاكرين.
***
تقريظ جريدة حضارة السودان
أهدتنا إدارة مجلة المنار الغراء كتاب (الوحي المحمدي) الذي ألفه العلامة
المحقق مصباح الإسلام السيد محمد رشيد رضا منشئ مجلة المنار الغراء.
وقد جاءت مباحث هذا الكتاب كسائر مباحث مؤلفه الثمينة؛ سواء في تفسيره
القرآن الكريم، أو في مباحث مجلة (المنار) نورًا وهدى للناس في تبيان حقائق
الدين الإسلامي؛ فهو بلا ريب فتح جديد في الدعوة إلى هذا الدين الحنيف القويم،
وقد تمكن مؤلفه، وهو ذلك العبقري الديني الذي سيط دين الإسلام بلحمه ودمه،
من أن يوفق بين الدين والعلم بطريقة يعجز غيره عن الإتيان بها، فالرجل عالم
قوي الإيمان، وناهيك ما تنتجه قوة الإيمان إذا توافر معها العلم، والكتاب نفذت
نسخ طبعته الأولى قبل أن يحول الحول على طبعها لتهافت العوالم الإسلامية على
النهل والعلل من مورده العذب، وقد صدَّر طبعته الثانية بمقدمة استغرقت عشرة
مباحث هي وحدها تعد كتابًا، ثم أتى بعدها بفاتحة لها قد اشتملت على أربع مسائل،
ثم انتقل إلى الفصل الأول؛ وهو يشمل ست مسائل، فالفصل الثاني وفيه عشرة
مسائل، فالفصل الثالث وقد اشتمل على ١٧ مبحثًا، فالرابع وقد اشتمل على ستة
مباحث، فالفصل الخامس وقد اشتمل على ٧٥ مبحثًا. وما من مبحث من هذه
المباحث يمر عليه المطلع إلا ويشعر أنه في أشد الحاجة إلى تفهمه من الوجهتين
الدينية والمدنية.
وقد ذُيلت طبعته الثانية بنحو ٢٣ تقريظًا في مقدمتها تقريظًا للعاهلين العربيين
ملكي الإسلام: الإمام يحيى حميد الدين إمام اليمن، وصاحب العظمة السلطان عبد
العزيز آل سعود ملك الحجاز ونجد، في كتابين موجهين من لدنهما إلى المؤلف،
وتقريظ صاحب الفضيلة الأستاذ الأكبر الشيخ محمد مصطفى المراغي المصلح
الإسلامي الكبير المعروف لدى سكان هذه البلاد، وتقريظ أمير البيان المشهور
الأمير شكيب أرسلان، وغيرهم من الأئمة الأعلام ورجال العلم والدين.
وإنا لنرى أن هذا السِّفر واجب على كل مسلم وجوبًا عينيًّا أن يطلع عليه وأن
يتفهمه ليتذوق منه حلاوة الإسلام، ويرى بمرآته بهجة القرآن ونوره ساطعًا يهدي
إلى سواء السبيل.
... ... ... ... ... ... ... ... عن حضارة السودان
... ... ... ... ... ... ... بتاريخ ٢٩ أكتوبر سنة ١٩٣٤م
***
كتاب للفاضل الغيور الشيخ
محمد عثمان
- في إِلدورت - غنيا
بسم الله
حجة الله على العالمين فضيلة الأستاذ الأفخم، والمصلح الأعظم، السيد محمد
رشيد رضا، المجدد لدين الله والناشر لوحيه، أمد الله له في الحياة منصورًا، ولا
زال لإعلاء كلمة الله ظهيرًا.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فأرفع لفضيلتكم بأنه وافاني كتابكم (الوحي المحمدي) فخررت ساجداً لله
شكرًا عندما ظهر لي انتصار نوره الساطع، المنذر من لا يؤمن به بعذاب واقع،
ما له من دافع، وكم كان فرحي عظيمًا، وسروري جسيمًا، لا أستطيع أن
أشرحهما، فتلوته مرارًا، وكلما كررته ازداد شغفي حبًّا لتلاوة كتاب الله وتدبر
معانيه، وزادني همة ونشاطًا في تبليغه إلى أبناء وطني المهاجرين، وحضهم
على نشر الدين في هذه المستعمرة وأحيائها التي تقلص منها ظل الإسلام السائد
سابقًا، وتهدمت فيها لغة القرآن، وتقوض منها مجد الإسلام العربي الزاهر، في
العصر الغابر، بسبب تفريط مسلميه في نصرته، وركونهم إلى التوسل بأصحاب
القبور والتقرب إليهم بالقرابين والنذور، والآن بفضل الله وإرشاد مناركم الأغر،
شرعت تتلاشى البدع والخرافات، وتضمحل العقائد الفاسدة في أبناء الناطقين
بالضاد.
نعم يا صاحب الفضيلة، لقد أرهقتمونا بنعمكم الروحية، وتعاليمكم الدينية،
التي أخرستنا حيرة بأي لسان نقدم شكرًا، وجوارحنا وإحساساتنا كلها ألسنة شكر،
يا ليت شعري كيف أشكر، ويا ويح قلبي كيف أثني وأحمد بعد أن أثنت عليكم
نجوم الهدى، وكواكب الإرشاد، وشموس البلاغة، وأعلام الإسلام، وأرباب
الأقلام، وأمراء البيان، ولا يسعني والضعفاء إلا الدعاء لكم بما يحبه الله ويرضاه،
وأن أهنئكم بأصدق التهاني على نجاحكم الباهر في هذه المساعي الجليلة للإسلام
وأهله التي سيشتاقها كل سيد، ويقصر عن إدراكها المتناول، لاسيما إبرازكم لهذا
الوحي المحمدي المقدس أمام الأديان والملل نقيًّا من الخرافات والبدع التي ألصقها
بها علماء السوء المبتدعون، وكن عليه حجابًا من اهتداء العقلاء ومفكري الأمم
الراقية بهديه المبين، ووسائل لمطاعن الملحدين، ومثالب المكذبين، ولمَّا مزقت
هذه الحجب الجسام ببيانك، ودمغت حججهم ببلاغته السماوية، انقلبوا على أعقابهم
خاسئين، بتحدي آياته الكونية وعجائبه العصرية، ومعجزاته السرمدية؛ فأخرست
أفواههم عن الجدال، وبهرت أعينهم عن الاحتقار، ودككت عقائدهم عن النضال،
حتى آمنت القلوب، ولكن الألسنة والأفواه بآيات الله يجحدون ... إلخ.
* * *
كلمة الأستاذ العلامة النقادة الشيخ
محمد البشير النيفر التونسي
(من علماء جامع الزيتونة الأعلام من كتاب طويل له في رمضان سنة ١٣٥٣)
وكنت في أثناء هذه المدة أطالع مناركم المنير، وما يتخلف عني من أعداده
أشتريه من إحدى المكتبات، وكان فيما قرأت من مباحث التفسير ما كتبتم عن
الوحي المحمدي، فحمدت الله أن كان في علماء المسلمين في هذا العصر مثلكم،
وكنت أقول: لو قرأ هذا منكرو الرسالة المحمدية بإنصاف وفهموه حق فهمه لآمنوا
بسيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - كلهم أجمعون.
وقد كنت قرأته في المنار متفرقًا، ثم أعدت قراءاته متصلاً في الجزء الحادي
عشر من التفسير، فجزاكم الله أفضل ما جزى به خادمًا لدينه، وبارك في عمركم
تخرجون للناس أمثاله، فتكون كلمة الحق هي العليا، وكلمة الباطل هي السفلى.
وما أنكرت فيه إلا كلمات في آيات الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - أذكر أنني
رأيت مثلها في إحدى مقالاتكم في (شبهات النصارى وحجج الإسلام) ا. هـ.
قد اختصرت في هذه الطبعة الثالثة أكثر التقاريظ التي نشرت فيما قبلها،
وحذفت بعضها لطولها وما فيها من التكرار ونقل بعض مسائل الكتاب للتنويه بها أو
مشاركة أصحابها لنا فيها، وبهذا وجدنا مكانًا لغيرها، ولم نتصرف بشيء من ذلك
بزيادة ما، ولا باختصار يغير المعنى.
* * *
حكمة نشر هذه التقاريظ
(ختمت بها تقاريظ الطبعة الثالثة)
الغرض من نشر هذه التقاريظ إعلام قراء الكتاب من غير المسلمين (ومن
الجامدين على تقليد المتقدمين منهم، الذين إذا رأوا كتابًا في الدين لمؤلف عصري
أعرضوا عنه ولم يقرءوه لظنهم أن الأحياء لا يوثق بعلمهم) أن ما فيه من أصول
الإسلام وحكمته متفق عليه ليس رأيًا مني فيه، وإن كان فيه ما لا يوجد في غيره.
ذلك بأن الأحرار المستقلي الفكر منهم يقيسون دين الإسلام على غيره من
الأديان فيظنون أنه أكثر عقائده وأصوله مسلمات غير متفقة مع العقل والعلم
الصحيح والمصالح العامة، ويظنون أن ما يسمعون من حكماء المسلمين موافقًا لذلك
هو رأي لهم، كما قال بعضهم في رسالة التوحيد للأستاذ الإمام إنها فلسفة الشيخ
محمد عبده سماها إسلامًا، وقال لي مستر متشل أنس الإنكليزي الذي كان وكيلاً
للمالية بمصر مرارًا عندما كنت أشرح له بعض أصول الإسلام وحكمته: هذا
فلسفة لا دين، حتى قال لي مرة: إذا كان علماء الأزهر يوافقونك ويوافقون الشيخ
محمد عبده على ما تقولون فأنا أعلن أني مسلم.
وهذا كتاب فيه من حكم الإسلام في أهم أصوله وفروعه أكثر مما في رسالة
التوحيد ومما كان يسمعه مني متشل أنس وأمثاله، وفيه من شواهد القرآن ما لا
يمكن أن يقال معها إنه من رأيي، وقد اتفق على الشهادة له العلماء والأدباء والكتاب
في الأقطار ومن جميع الطبقات، وفي مقدمتهم شيخ الأزهر بما هو صريح في
تفضيله على جميع الكتب في موضوعه (إثبات الوحي والنبوة وإعجاز القرآن
وأصول الإسلام الدينية والمدنية) ، وسيرون من فائدته في دعوة غير المسلمين إلى
الإسلام وفي تثبيت المسلمين في دينهم ما هو فوق ذلك - إن شاء الله تعالى - ولله
الفضل والمنة: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} (يونس: ٥٨) ، وصلوات الله وسلامه على رسوله محمد خاتم النبيين وآله
وصحبه الهادين المهديين، وجميع المهتدين بهديه إلى يوم الدين، وسلام على
المرسلين، والحمد لله رب العالمين.