للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: أحمد محمد شهاب


إلى فضيلة الأستاذ الأكبر
بمناسبة خطابه في حفلة التكريم

بسم الله الرحمن الرحيم
حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الأكبر الشيخ محمد مصطفى المراغي شيخ
الجامع الأزهر.
لله أنت فيما ملكت من القلوب، وما مُنحت من التوفيق، وما أُلقي إليك من
مقاليد الأمم الإسلامية وتربية ناشئتهم وكهولهم وشيوخهم، فالله حسبك، ونعم المعين.
يعلم فضيلة أستاذنا الأكبر أن قلوبنا بحبه خافقة، وعيوننا إليه شاخصة، أكفنا
بالضراعة إلى الله بتأييده منبسطة نطلب إليه تعالى دوام توفيقكم، وإطالة عهدكم،
والبركة في عمركم، حتى تجددوا للأمة الإٍسلامية شبابها، وتعيدوا إليها مجدها،
لكي تتبوأ في مشرق الكرامة مكانها، وتلقي إليها الدنيا بزمامها فتعيدها سيرتها
الأولى، فقديمًا أشرق نور الإسلام وارتفع به صوت الداعي، والأمم من ظلمات
الجهل في تداع، طمست البدعُ المعالم، وتنافست الأمم في المظالم، فهامت في
أودية الضلال {وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} (الرعد: ٣٣) .
والآن وقد دار الفلك دورته، لقد أرسلك الله في الناس داعيا إلى الصراط
المستقيم، هاديًا من طَغَتْ عليهم أوشابُ المدنية الحديثة إلى تفهم روح الدين
الصحيح تحقيقا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم ما معناه (إن الله ليبعث لهذه
الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها) وإن الأمة لتصيخ لقولكم
وتتهافت على إرشادكم فما من خطة تختطونها، أو حكمة ترسلونها، إلا هبطت
علينا هبوط الماء على الظمآن، والأمن والسكينة على الخائف اللهفان.
سيدي الأستاذ الأكبر: إن أحب الأمور إلى قلوبنا العمل على وحدة الدين
والقضاء على تلك الفروق الخيالية، والعصبيات المذهبية، فتلك من وساوس
الشيطان للإنسان، حتى انتهى الأمر بنا إلى ما أشرتم إليه فضيلتكم في خطابكم
البليغ في حفلة التكريم (من أن ولد الشافعي كفء) لبنت الحنفي، وما نرى من تعدد
صلاة الجماعة في المسجد الواحد، وما نسمع من الخلاف في التوسل والوسيلة،
وعذبات وطول اللحى، حتى أن بعض الطوائف لا تستحي اليوم من ترك مساجد
جمهرة المسلمين وتسعى لإنشاء مساجد خاصة) .
نعم لا يستحيون لأنه (لا حياء في الدين) إننا وأيم الله يا سيدي الأستاذ نرى
هذا بقلوبنا ونحسه بعيوننا ويحز في نفوسنا، وما شيء أحب إلينا من جمع كلمة
المسلمين والقضاء على أسباب التفرقة بينهم، وليس وراء قوله تعالى مزدجر {إِنَّ
الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} (الأنعام: ١٥٩) .
هذا بيت الداء، وأنتم أخبر بالدواء، ها هي (ذي) الأمة ألقت إليكم قيادها
وها أنتم (أولاء) وضعتم يدكم المباركة على سكان السفينة لتقودوها إلى شاطئ
السلامة إنه لا شيء أغلى وأعز من الدين (دينك دينك إنما هو لحمك ودمك) ألا
وإن الدين قد ذهب، ألا وإنه لم يبق منه إلا الصلاة كما أخبر الصادق المصدوق
(آخر ما يبقى من دينكم الصلاة فمن ضيعها فقد كفر) ألا وإننا قد أضعنا الصلاة،
ومن أداها فقشر ظاهر لا لب فيه، ألا وإن البدع تفسد العلم كما يفسد الخل العسل،
هذه البدع عمت المساجد وتخللت الصلاة، وإنني لا إخال فضيلتكم إلا ذاكرين ما
حدث من ابن عمر رضي الله عنه، ففي المأثور عنه أنه كان سائرًا بالكوفة فمر على
مسجد وسمع المؤذن ينادي بالصلاة فدخل وأخذ يركع تحية المسجد، فلما فرغ
المؤذن من الأذان، ورأى الناس خارج المسجد وقف ببابه وقال: حضرت الصلاة
يرحمكم الله، فسلم ابن عمر رضي الله عنه وخف وأخذ حذاءه وانصرف من
المسجد تاركًا الجماعة، قائلاً: والله لا أصلي في مسجد فيه بدعة، رحم الله ابن
عمر ماذا كان يبدي ويعيد لو بعث اليوم ورأى صلاتنا؟
سيدي الأجلّ: ليت الأمر وقف عند ابتداع البدع في المساجد والصلاة وما
يسبقها ويلحقها ولم يمس جوهر الصلاة، ولم يهدم أركانها هدمًا، ويطمس معالمها
طمسًا: تقصير مخلّ، نقر كنقر الغراب، يسرقون من صلاتهم فهم أسوأ الناس
سرقة، هذه منكرات يجب على من رآها أن يزيلها فإن لم يستطع فليزُل عنها.
هذا ما حمل بعض المتمسكين بدينهم على الفرار بصلاتهم إلى مسجد من
أرض الله يقيمون فيه الصلاة: الصلاة التي صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم
ثم قال: (صلوا كما رأيتموني أصلي) وكقوله للرجل الذي صلى بين يديه مرات:
(ارجع فصلِّ فإنك لم تُصلِّ) فقال الرجل في الثالثة: والذي بعثك بالحق لا أحسن
غيرها فعلمني فعلمه. فالمسيء صلاته شر من تارك الصلاة، إذ تارك الصلاة
معترف بتقصيره عالم أنه ظالم لنفسه فترجى له التوبة والإنابة ويحظى بالمغفرة
{وَمَن يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَّحِيماً} (النساء:
١١٠) أما المسيء صلاته والمدخل فيها البدع فإنه يعتقد عن جهل أنه يتقرب إلى
الله تعالى بصالح الأعمال وأحبها إليه، غافلًا عن إساءته فيها وضلال سعيه، فأنى
ترجى توبته من عمل هو في نظره خير الأعمال؟ فيبقي كذلك حتى يلقى الله تعالى
وقد خسر عمله {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الحَيَاةِ
الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً} (الكهف: ١٠٣ - ١٠٤) فإن لم
يشملهم النص فلا يعدوهم الوعيد.
إن الصلاة لو أُديت على وجهها المشروع كان لها السلطان الأكبر على
النفوس ورقتها وهذبتها ووقتها شر الهلع والجزع، وأعدتها للقيام بجلائل الأعمال
والتحلي بجميل الخصال، والمثابرة في سبيل الحقوق المشروعة على النضال،
وجعلت كل مصلٍّ ينصف أخاه من نفسه، ويعمل لغده ويحاسب نفسه على أمسه.
بهذا تقل الجرائم ويغلق باب السجن ويستريح القاضي، ويكون الدين بحق مستودع
القوة التي ترهب الأشرار وتصد غارة الأشقياء، وتجعل الناس يحافظون على
حقوق بعضهم البعض، ولا يحتاج الأمر إلى قانون المراقَبين والمشبوهين، إذ الكل
يشعر بمراقبة العلي الكبير، فيحافظون على أموالهم، وأرواحهم وأعراضهم،
وينقرض الفساد، وتسود الطمأنينة البلاد] إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ
وَالْمُنكَر? [ (العنكبوت: ٤٥) .
والمأمول من فضيلتكم أن تبينوا كتابة وبواسطة الوعاظ والمرشدين حقيقة
الصلاة وما يجب أن تكون عليه الجماعات في المساجد وأئمتها ورؤساؤها وما يجب
عليهم من رعايتها وتطهيرها من مفاسد البدع، ومن الأدعية المبتدعة، واللغو
والتشويش على المصلين فيها.
إنك يا سيدي إن عملت ذلك - وأنت خير من يعمل - قدِمت إلى الله يوم
الدين بخير زاد {وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ * ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ * يَوْمَ لاَ
تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شَيْئاً وَالأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِّلَّهِ} (الانفطار: ١٧ - ١٩) .
فالأمر الآن بين يديك ولا سلطان في الدين لأحد عليك، وما المرء بمستطيع في
كل حال أن يقوم بجلائل الأعمال: فأئمة المساجد ورؤساؤها رعاتها (وكلكم راعٍ
وكل راعٍ مسئول عن رعيته) {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ
العَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ المُسْلِمِينَ} (الأنعام: ١٦٢ -
١٦٣) .
... ... ... ... ... ... ... ... أحمد محمد شهاب
... ... ... ... ... ... رئيس نقطة صفط الخمار ببوليس المنيا