للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: حسن البنا


الأحمدية
(القاديانية واللاهورية)

سيدي الأستاذ محرر المنار الأغر، حفظه الله:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فقد طالعنا في بعض الجرائد الإسلامية مقالات حول طائفة القاديانية، وحول
وجود بعض من ينتسبون إليها بالأزهر الشريف لطلب العلم، وأن فضيلة شيخ
الأزهر قد ألف لجنة من بعض كبار العلماء للتحري عن مذهب هذه الطائفة , ولم
نعلم نتيجة هذا التحقيق بعد، فنرجو التكرم ببيان موجز عن عقائد هذه الجماعة ,
وعن الفرق بين القاديانية والأحمدية، وعن نشأتهم، وعن واجب المسلمين إزائهم،
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
... ... ... ... ... ... ... ... ... محمد فهمي أبو غدير
... ... ... ... ... ... ... ... ... ... كلية الحقوق
الحمد لله، وصلى الله علي سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم:
(١) رأس هؤلاء الجماعة رجل هندي اسمه غلام أحمد، ولد عام ١٨٣٩م،
ومات عام ١٩٠٨ م بقاديان من أعمال بنجاب الهند، ادعى أنه المسيح الموعود
به , وأن روح الله قد حلت فيه، وأنه المهدي المنتظر، وأنه أوحي إليه بكثير من
اللغات ومنها الإنكليزية، وخلط ذلك بكثير من الدعاوى الفارغة التي تتناقض مع
أصول الإسلام كل المناقضة، وقد وجدت السياسة الإنكليزية فيه مطية من مطاياها
في التفريق بين الشعوب، وأغرته، وأمدته بالمال والجاه، حتى كان قضاة المحاكم
الإنكليز يتساهلون معه في الأحكام في القضايا التي وقعت عليه وعلى أتباعه في
جرائم كثيرة، وفي نظير هذه المساعدات من الدولة الإنكليزية أصدر هذا المدعي
فتاوى صريحة بسقوط أحكام الجهاد، بل وصرح بأن من يرفع السيف في وجه
إنجلترا آثم مرتكب لأكبر الجرائم، وقد وقعت بينه وبين علماء الهند الفضلاء
مناظرات ومجادلات عدة، ووقعت بينه وبين صاحب المنار السيد محمد رشيد
رضا - رحمه الله - محاورات، وتناول السيد هذا الموضوع في كثير في أعداد
المنار، وترى بعض هذه المقالات في الأجزاء الخامس، والسادس، والسابع من
المجلد الحادي والثلاثين.
وقد كان من عادات هذا المسيح المدعي أن يدعو مناظريه إلى المباهلة، وأن
يجعل موت خصمه قبله دليلاً على انتصاره وبالعكس، وقد مات سنة ١٩٠٥ بعد
أن زعم قبل ذلك أن أجله قد انتهى، فمكث بعد هذا الزعم ثلاث سنوات، وقد بنى
مقبرة بقاديان وادعى أن من دفن بها سيدخل الجنة بشرط أن يتبرع بربع ماله.
وأبقى الله فضلاء العلماء الذين قاموا ببيان زيفه وغلطه، فما كانت هذه التمويهات
لتكون دليلا ً على حق، أو هادمة لباطل، ولكنه الإفلاس من الدليل، وقد قام
برياسة جماعته من بعده ابنه بشير محمود، ومقره الآن قاديان من البلاد الهندية،
وتنسب الطائفة إلى أبيه فتسمى الطائفة الأحمدية.
(٢) وقد انقسمت هذه الطائفة الأحمدية إلى فريقين: فريق اعتقد النبوة
لغلام أحمد وصدق بكل ما قاله، وهؤلاء هم أحمدية قاديان، ورئيسهم ابنه بشير،
وفريق اعتقد فيه أنه مصلح مجدد، وأخذ ببعض مزاعمه دون البعض على حد
اعترافهم وقولهم - والله أعلم بحقيقة ما يضمرون، وإن كانت كل أعمالهم تدل على
أنه لا فرق بينهم وبين إخوانهم السابقين - وهؤلاء هم أحمدية لاهور، ولسانهم
الناطق السير محمد علي صاحب ترجمة القرآن، وهو غير مولانا محمد علي
رحمه الله. وكلام الفريقين بعيد عن أصول الدين؛ فإنه إذا كان غلام أحمد قد
صرح بأنه نبي، وبأنه يوحى إليه، وصرح بغير ذلك من الطوام والفظائع، فهل
يغني شيئًا عن اللاهوريين أن يقولوا إننا نعتقد أنه مجدد؟ وأي القولين يصدق
الناس، قول المتبوع الذي يصرح بنبوة نفسه، أم قول التابعين الذين لا يبلغون به
هذه المرتبة؟ لو كان هؤلاء صادقين لرجعوا إلى الحق، ولوافقوا جمهور أئمة
المسلمين، ولبرءوا إلى الله من هذا الرجل براءة الذئب من دم ابن يعقوب.
(٣) والغريب في أمر هذه الجماعة أنها تلبس على المسلمين بأمرين: أولهما
نشاطها في الدعوة إلى نحلتها بزعم أنها دعوة إلى الإسلام، وتشجيع الإنكليز
وإغراؤهم من وراء ذلك، وإلا فلما لا يبرز هذا النشاط قويًّا إلا في بلاد الإنكليز
وما يلحق بها؟ والثاني مجادلتهم للمبشرين وهدمهم لمزاعم دعاة النصرانية، وهم
في هذا مهرة مجيدون، وهدم الباطل سهل ميسور، وهم يستغلون هذا الانتصار
ليقولوا للمسلمين إننا أخلص الناس للإسلام، وها أنتم ترون كيف نهزم دعاة
النصرانية، ويخفون عنهم أنهم إن هدموا عقائد النصرانية فهم لا يبنون عقائد
إسلامية؛ ولكن عقائد خيالية لعل النصرانية خير منها، وفيما يلي نموذج من أقوال
رئيس هذه الطائفة في كثير من المسائل، وفي إسقاط الجهاد وتحريم رفع السيف
في وجه الإنكليز:
(١) قال غلام أحمد في رده على صاحب المنار بكتاب أسماه (الهدى
والتبصرة لمن يرى) يذم العلماء لأنهم لم يؤمنوا بمسيحيته الموعودة، ويعلن أن
رفع السيف على الإنكليز جرم عظيم:
(وقد أمروا أن يتبعوا الحكم الذي هو نازل من السماء، ولا يتصدوا له
بالمراد، فما أطاعوا أمر الله الودود، بل إذا ظهر فيهم المسيح الموعود فكفروا به
كأنهم اليهود، وقد نزل ذلك الموعود عند طوفان الصليب، وعند تقليب الإسلام كل
التقليب، فهل اتبع العلماء هذا المسيح؟ كلا، بل أكفروه وأظهروا الكفر القبيح،
وأصروا على الأباطيل، وخدموا القسوس، فأخذهم القسوس، وشجوا الرءوس،
وأذاقوهم ما يذيقون المحبوس فرأوا اليوم المنحوس. سيقول العلماء إن الدولة
البريطانية أعانت القسوس، ونصرتهم بحيل تشابه الجبل الركين لينصروا
المسلمين في جميع العالمين.
والأمر ليس كذلك، والعلماء ليسوا بمعذورين، فإن الدولة ما نصرت القسوس
بأموالها، ولا بجنود مقاتلين، وما أعطتهم حرية أكثر منكم ليرتاب من كان من
المرتابين، بل أنشأت قانونًا سواء بيننا وبينهم، ولها حق عليكم لو كنتم شاكرين.
أتريدون أن تسيئوا إلى قوم أحسنوا إليكم، والله لا يحب الكفارين الغامطين،
ومن إحسانهم أنكم تعيشون بالأمن والأمان، وقد كنتم تخطفون من قبل هذه الدولة
في هذه البلدان، وأما اليوم فلا يؤذيكم ذباب ولا بقة ولا أحد من الجيران، وإن
ليلكم أقرب إلى الأمن من نهار قوم خلت قبل هذا الزمان، ومن الدولة حفظة عليكم
لتعتصموا من اللصوص وأهل العدوان، وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟ ! وإنا
رأينا من قبلها زمانًا موحشًا من دونه الحطمة، واليوم بجنتها عرضت علينا الجنة،
نقطف من ثمارها، ونأوى إلى أشجارها؛ ولذلك قلت غير مرة إن الجهاد ورفع
السيف عليهم ذنب عظيم، وكيف يؤذي المحسن من هو كريم؟ ! من آذى محسنه
فهو لئيم) .
هذا كلام المسيح الموعود عن طغاة الاستعمار المنكود، فهل يدافع الإنجليز
عن أنفسهم في كل مكان بأكثر من هذا الهذيان، اللهم إن هذا هو البهتان، وانظر
إليه كيف ينفي عن الإنجليز مساعدة المبشرين وهم أعضادهم في كل وقت، لا
ينكرون ذلك ولا يخفون ما هنالك، بل يساعدونهم في كل حين بأوقاف المسلمين،
وما أنباء التبشير في السودان الآن وفي غير السودان من قبل ببعيد عن هذا المسيح
الموعود؛ ولكن الغرض يعمي ويصم.
وقد نشرت مجلة الفتح الغراء في العدد ٦٦٤ بتاريخ ١٠ جمادى الآخرة سنة
١٣٥٨ استفتاء لعلماء الهند، جاء به كثير من أقوال هذا المدعي المكفرة، مثل قوله:
(إني نبي، وأنا المخصوص بالنبوة في هذه الأمة) من كتاب حقيقة الوحي،
ص ٣٩١ له.
وقوله: (خاطبني الله بقوله: اسمع يا ولدي) من كتاب البشرى، ص ٩٤
له.
وقوله (كان المسيح متعودًا على الكذب والافتراء) من كتاب ضميمة أنجام
آتهم، ص ١٧.
وهكذا من هذه التخريفات وقد أفتى علماء الهند الفضلاء بكفره لهذه الأقوال
الشائنة، وذيلت هذه الفتيا بتوقيعات كثير من الأفراد والطبقات العلمية في جميع
بلاد الهند تقريبًا، وفي كثير من بلدان الإسلام.
(٤) أما حادثة الأزهر، فخلاصتها أن طالبين ألبانيين ممن ينتسبون إلى
هذه الطائفة، اندرجا في سلك طلبة القسم العام، وتنبه لهما بعض اليقظين من
الطلبة، فأبلغوا أمرهما إلى الجهات المختصة في الأزهر، فأُجري تحقيق بمعرفة
شيخ القسم العام، ثم ألفت لجنة للكشف عن حقيقة هذا المذهب، وقد أمد بعض
الغيورين هذه اللجنة بكثير من كتب هذه الطائفة، التي تصرح بضلالها ومِحالها.
وكلمتنا لحضرات أصحاب الفضيلة علماء الأزهر الأجلاء - وعلى رأسهم
فضيلة الأستاذ الأكبر - أن الأمر أهون من ذلك كله، والحق واضح بيِّن، ووجود
هذين الطالبين بين الطلبة فيه خطر محقق، ذلك إلى أنهما يستخدمان نسبتهما
للأزهر وحملهما لاسم طلب العلم فيه استخدامًا خبيثًا في تأييد نحلتهما الضالة الهدامة.
وقد ذاع الأمر الآن في مصر وفي غير مصر من بلاد الإسلام، وعلى يد هذين
الطالبين وأمثالهما ممن يشايعهما في ألبانيا ذاع السفور والتحلل من عقدة الإسلام،
ورأي الأزهر رأي رسمي، يتخذه الناس حجة في كل أقطار العالم، فتبعة فتواه في
هذا كبيرة عظيمة، ومسئوليته في هذا لا يعلم مداها إلا الله.
نرجو أن تضع اللجنة نصب عينها هذه الحقائق، وأن تقذف هذه الفتنة بالحق
الواضح فتدمغها، فإذا هي زاهقة، وأن تأخذ بالحزم فتقصي عن حرم الأزهر كل
طالب لا خير فيه للإسلام، والله الهادي إلى سواء السبيل.
* * *
(في العدد القادم)
ورد علينا سؤالان: أحدهما خاص باستحضار الأرواح، والثاني خاص بما
قيل في خطيئة آدم عليه السلام، نرجئ الكلام فيهما إلى العدد القادم.