للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


تقاريظ
(كتاب الوجيز)
يَعلم القرّاء أن جمعية تألفت في القاهرة لطبع الكتب العربية النافعة لما في هذا
العمل من المساعدة على نشر العلوم وإحياء تصانيف سَلَفِنا الأولين الذين نقتبس من
أنوارهم ونفتخر بآثارهم، وقد كان باكورة عملها طَبْع كتاب (الوجيز) في فقه
مذهب عالم قريش الإمام الشافعي رضي الله عنه الذي صنفه حجة الإسلام الإمام
الغزالي رحمه الله تعالى، وإن نسبته إلى هذا الإمام كافية في تقريظه؛ لأن المشتغلين
بالفقه يعلمون أنه هو الذي حرر المذهب، وجمع شوارده وقيد أوابده، وأن كتب
الشيخين الرافعي والنووي مأخوذة من كتبه، ولكن لا بد في التقريظ من
بيان أمر تعرف به قيمة الكتاب، وهو أنه كان من رأي الإمام أن يؤلف في كل علم
وفن ثلاثة كتب: مختصر ومتوسط ومطول، يذكر في المختصر أمهات المسائل التي
لا بد منها لمحتاج ذلك العلم، وفي المتوسط ما يحتاج إليه من يريد أن يكون عالمًا به
من بسط المسائل وإيضاحها بالأدلة والشواهد، ويكون المطول جامعًا للنوادر
مستقصيًا أتم الاستقصاء ليكون مرجعًا عند الحاجة، وقد ألف كتبه الفقهية
الثلاثة (الوجيز والوسيط والبسيط) طبق هذا الرأي، وأشار بأن يكون المتعلمون
ثلاث طبقات: مبتدئون يقرأون الوجيز، ومتوسطون يقرأون الوسيط، وأن يكون
البسيط بمراجعة العلماء المنتهين.
ولا تحسبن الوجيز من الكتب المختصرة اختصارًا مخلاًّ التي قلنا من قبل أنها
كانت مبدأ ضياع العلم وفساد التعليم، والسبب في وضع الشروح والحواشي والتقارير
المضرة، كلا إنه سهل العبارة، وقد طبع في مجلدين، وكان الإمام المؤلف استطاله
على المبتدئين فألف لهم الخلاصة، وإن فيه كثيرًا من الفروع النادرة والمسائل التي
تكاد تقع، ولو أنه ألف هذه الكتب في نهايته بعد تأليف (الإحياء) ووقوفه التام على
مقاصد الشريعة لأدخل الفقه في طور جديد من الإصلاح، فإن انتقاده على الفقهاء
بالتوسع وغيره يصيب بعض ما في كتبه الفقهية، ولولا هذا ما اهتدى إلى ذاك، ومن
فوائد الوجيز: الإشارة بالرموز إلى خلاف الإمامين أبي حنيفة ومالك وخلاف
المزني من أكابر أصحاب الشافعي رحمهم الله أجمعين، وإلى الوجوه البعيدة
للأصحاب، والكتاب مطبوع في مطبعة الآداب والمؤيد بحرف جميل على ورق
نظيف وثمن النسخة عشرون قرشًا.
***
(المسامرة شرح المسايرة)
أما (المسايرة) فمتن في العقائد اختصر فيه العلامة الكمال بن الهمام الحنفي
الرسالة القدسية للإمام الغزالي، وزاد عليها مسائل كثيرة، فكان كتابًا مستقلاًّ،
وشرحه تلميذه العلامة الكمال بن أبي شريف الشافعي شرحًا لطيفًا، وكتب عليها
حاشية تلميذه المدقق الشيخ زين الدين قاسم، وقد طبع كتاب (المسايرة) مع شرحه
وحاشيته بمعرفة الفاضل الشيخ فرج الله زكي الكردي في المطبعة الأميرية
المصرية، فجاء المجموع كتابًا تزيد صفحاته على ٣٥٠ صفحة بالقطع الصغير،
والكتاب من أحسن المختصرات التي ألفت في العقائد تحقيقًا وتحريرًا، فنحث
المشتغلين بالعلم على الإقبال عليه.
***
(تهذيب الأخلاق)
إن الكتب العربية لدينا كثيرة في جميع العلوم والفنون التي ألف فيها سلفنا إلا
ما نحن في أشد الحاجة إليه، ولا نحيا الحياة الإنسانية الحقيقية إلا به، وهو
تهذيب الأخلاق، بل إن هذا العلم قد كان حظه أقل من حظوظ سائر العلوم في أمتنا
أيام كانت أمة عزيزة (إذا الناس ناس والزمان زمان) فكيف يكون شأننا
اليوم؟ ويسرنا أن نرى النهضة العلمية الحديثة قد نبهت فينا الشعور بجميع
ضروب الإصلاح الذي نحتاجه، ومن ذلك طبع كتب الأخلاق والتربية، فقد
طبع حديثًا الكاتب الفاضل عبد العليم أفندي صالح المحامي (كتاب تهذيب الأخلاق
وتطهير الأعراق) للفيلسوف الإسلامي أحمد بن مسكويه من علماء القرن الرابع
الهجري، وهذا الكتاب أحسن ما رأيت في لغتنا الشريفة في فلسفة الأخلاق (الحكمة
العملية) وقد عشقته عند اطلاعي عليه فطالعته غير مرة وانتفعت به، وقرأته درسًا
لبعض طلاب العلم، ولا أزال أحض كل مشتغل بالعلم ومحب للفضيلة على مطالعته
المرة بعد المرة، ومن فوائده أنه يعطي مطالعه مادة للكتابة، وعبارته بليغة يستفيد
المطالع من لفظها كما يستفيد من معانيها، وقد طبع في مطبعة الترقي ذات
الحروف الجميلة والإتقان المشهور، وفي مقدمته مقالة مفيدة للكاتب البليغ الأستاذ
الفاضل الشيخ عبد الكريم سلمان أحد الأعضاء في المحكمة الشرعية العليا في
القاهرة وفي مجلس إدارة الأزهر الشريف بَيَّن فيها وجه شدة الحاجة إلى مثل هذا
الكتاب، وتليها مقالة من إنشاء ملتزم الطبع في مقاصد المؤلفين، ونبذة في ترجمة
المؤلف، وثمن النسخة ١٥ غرشًا، وهي ليست بشيء في جانب فائدة الكتاب.