للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: أحد الأفاضل في بتاوي الجاوه


الشكوى من ظلم هولندا
لأحد الأفاضل في بتاوي الجاوه

لقد سرَّني وسرَّ جميع المسلمين في هذه البلاد ما نشرته جريدة (معلومات)
في عددها١٣١ المؤرخ في ٢٣ ربيع الآخر من هذه السنة جوابًا عن الرسالة الواردة
إليها من جاوه بتاوي وقد أصابت الغرض الذي نرمي إليه، وجميع المسلمين واثقون
بقولها ومرتقبون لنتيجة ما كتبته في عدد ٩٤ في شأن التابعية العثمانية، وما تقرر
بين دولتنا العلية وهولندا، ويلهج بقرب وفاء الوعد النساء والأطفال فضلاً عن
الرجال، أما هولندا فقد زادها عُتوًّا ونفورًا، وأنشأت تموه وتعلن أن ما جاء في عدد
٩٤ من معلومات قول لا يقصد به الفعل وأمين بك شهبندر الدولة العلية ساكت على
ذلك فاعتُبر مُقِرًّا له، وفي الشهر الماضي كتبت جريدة (بنتغ بتاوي) في عددها
١٨٨ المؤرخ في ١٨ (أكوس) سنة ١٨٩٩م كلامًا أساءت فيه الأدب مع الحضرة
الشاهانية اقشعرت له قلوب العالم الإسلامي في هذه البلاد، وكتبوا عرائض الحال
للشهبندر أمين بك وقَدّموا له عدد الجريدة المشتمل على الطعن.
نشكر لجريدة (المنار) ما كتبته في عدد ٢٥ المؤرخ في ٢٦ ربيع الثاني
جوابًا على الرسالة الواردة إليها من (بتاوي - جاوه) وما ذكرت من العقبات التي
أمام دولتنا العلية -أعزها الله إلى آخر الدوران- المانعة لها من إنقاذ المسلمين من
ظلم هولندا، احتج (المنار) واعتذر عن الدولة العلية أولاً بأن أسطولها ناقص
يعوزه زيادة المدرعات، وثانيًا بأن هولندا بعيدة في البر عن حدود الدولة العلية،
وأنها لو كانت قريبة لدمرتها بمثل ما دمرت اليونان، ونحن معاشر الجاويين
المسلمين نظهر في (المنار) وبواسطة كل من له غيرة على المسلمين، أنه إذا
أرادت الدولة العلية إنقاذنا من ظلم هولندا ارتجّ لها العالم بأسره، ونطلب من الدولة
بمرأى ومسمع من معتمدها أمين بك أولاً أن تحارب هولندا بالحجة والإقناع، ثانيًا
أن باب المندب ليس ببعيد عن دولتنا العلية، وحياة هولندا وموتها هناك، ثالثًا
الضغط على رعاياها في الممالك المحروسة وإبطال امتيازات قناصلها حتى لا يبقى
لقنصل هولندا إلا المحافظة على بنديرة (عَلَم) دولته كما هو شأن قنصل الدولة
العلية في بتاوي، فإنه لا يفوه ببنت شفة أمام الهولنديين دفاعًا عن رعايا دولته
وحفظًا لحقوقهم.
فإننا تحت ظلم هولندا يكال ويوزن لنا بالموازين والمكاييل الناقصة، وقد
فضلت الهرباوين واليابان علينا في الموازين أعني القوانين والامتيازات. ونحن
نعتقد أن دولتنا العلية أقوى في جميع الوجوه من اليابان، وإن اليابانين منذ عهد
قريب حازوا الامتيازات من هولندا، وكانوا يعاملون مِثلنا ولمّا رفعوا شكواهم إلى
(الميكادو) أغاثهم حالاً وأنذر هولندا بأنها إذا لم تعامل رعاياه كمعاملة الهرباوين يعلن
عليها الحرب حالاً، وعندما وصل الإنذار إلى والي بتاوي أمر حالاً بأن يعامل
اليابانيون في جميع مستعمرات هولندا كمعاملة الهرباوين في جميع الامتيازات.
وأخيرًا نستلفت أنظار دولتنا العلية أن ترحمنا وترق لما نحن فيه من الظلم
وأن ترسل إلى مياهنا ولو سفينة حربية اقتداء بالدول كي تقرّ أعين المسلمين وتطمئن
قلوبهم برؤية الهلال والعساكر الأهلية وما ذلك عليها بعسير؛ فإنها هي المسئولة
عن ذلك بين يدي الله عز وجل بما لها من القوة في الوقت الحاضر، وجميع
المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها متمسكون بالسدة الملوكية، والمرجو من
حضرات محرري الجرائد التركية والعربية، والفارسية والهندية، ومن له غيرة
على المسلمين أن ينادوا ويحرروا ويعلنوا ما نحن فيه من الظلم والاعتساف من
هولندا؛ حتى يُسَخِّر الله لنا مَن يُحامي عنّا وأجر الكل على الله وحده، والسلام.
... ... ... ... ... ... ... ... ... محب الدولة والملة
... ... ... ... ... ... ... ... ... ناصر الدين
(المنار)
لو أن قناصل الدولة العلية في بلاد جاوه من الرجال المُحَنكين في السياسة،
الصادقين في الخدمة، لأمكنهم أن يُخففوا البلاء على المسلمين هناك، ويحملوا
حكومة هولندا على إعطائهم حقوقهم كلها أو بعضها، ولكننا بُلينا بقوم خونة يكون
أحدهم وكيلاً للدولة العلية ليحافظ على حقوق رعاياها فيتفق مع الحكومة المحلية
على أن يكتم عن دولته الحقيقة، ويخبر عما يجري بخلاف الواقع، يشتري بذلك ثمنًا
قليلاً {فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا يَكْسِبُون} (البقرة: ٧٩) أما
الوجوه التي ذكرها الكاتب فهي مما يُقال ويخطر بالبال، ولكن هولندا تجيب الباب
العالي إذا هو احتج عليها بضياع حقوق رعيته أو سائر المسلمين في جاوه بأن أخبار
الجرائد كاذبة، وأن الصحيح ما يقول القنصل الرسمي، وقد علمنا أن القنصل يكتب
لدولته ما تحب الحكومة الهولندية وترضى، وإذا وصل للدولة العلية خبر رسمي
صحيح ينطق بثبوت تلك المظالم واحتجت به تقابلها هولندا بالوعود الكاذبة حيث
هي آمنة من الإلزام بالقوة، وأما التعرض لمراكب هولندا في باب المندب فهو لا
يجوز إلا إذا وقعت بين الدولتين حرب رسمية، ولا مجال للحرب لما ذكرنا قبلاً
من بُعد بعض البلادين عن بعض وضعف أسطولنا، وأما الضغط على رعايا
هولندا في الممالك المحروسة فهو يفيد لو كان لهولندا رعايا في بلاد الدولة العلية،
ولكن هولندا دولة صغيرة إذا خرج بعض أهلها من بلادها للاتجار والكسب،
فإنما يقصدون مستعمرتهم أو أرضًا غنية أخرى يسكنها قوم من جنسهم كجنوبي
إفريقيا، ولا يوجد منهم في بلاد الدولة العلية إلا قليل، على أنه يصعب على
هولندا أن تحرمها الدولة العلية الامتيازات الممنوحة لغيرها من دول
أوروبا لما فيه من الإهانة لها، ولا نخال أن الدولة تفعل هذا، وأما اعتقاد الكاتب
وغيره أن دولتنا أقوى من دولة اليابان فهو إن صح لا يلزم منه أن تعامل الدولة
العلية كما تعامل اليابان؛ لأننا مُقِرّون بأنه لا سبيل للدولة إلى حرب هولندا للبعد في
البر وعدم استعداد أسطولنا لحرب البحر على أن بحرية هولندا ضعيفة أيضًا.
ونحن نرى أن يستصرخ إخواننا الجاويون العالم المتمدن بالكتابة في الجرائد
عامة والأوروبية خاصة بأن يبينوا فيها مظالمهم من غير تحامل، ويحددوا فيها
مطالبهم تحديدًا وأخال أنه يوجد فيهم من يحسن الكتابة في اللغتين الإنكليزية
والفرنسوية.
ومع هذا فإننا لا نأتلي أن نستصرخ لهم مولانا السلطان الأعظم، ونستنجد
عواطفه الشريفة، ونستغيث بمراحمه، ونستجدي مكارمه، ونرغب إلى سائر
الجرائد الإسلامية بمساعدتنا على ذلك، عسى أن يوفقه الله تعالى لحل هذا الإشكال
بطريقة لا تخطر على البال، فتتحقق بجلالته وبدولته الآمال، وعلى الله الاتكال.