للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


فائدة الانتقاد
لايخفى على عاقل أن الانتقاد ذريعة الكمال، فإن الإنسان لإفراطه في حب
نفسه يعمى عن كثير من عيوبها مهما كان معتنيًا بتهذيبها وتكميلها، ولذلك يود
العقلاء والفضلاء أن يُنتَقدوا من أهل النظر الصحيح ليظهر لهم تقصيرهم فيجتنبوه،
بل عد بعضهم أن للأعداء فائدة؛ لأنهم يبحثون عن العيوب الخفية فيظهرونها،
فينزع عنها صاحبها، فقال قائلهم:
عداتي لهم فضل عليّ ومنة ... فلا أذهب الرحمن عني الأعاديا
هم بحثوا عن زلتي فاجتنبتها ... وهم نافسوني فاكتسبت المعاليا
والانتقاد نصيحة وذكرى، وفي الحديث الصحيح: الدين النصيحة. وقال عز
وجل: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ المُؤْمِنِينَ} (الذاريات: ٥٥) وليس من
غرضنا أن نذكر ههنا فوائد الانتقاد والانتفاع بالذكرى تفصيلاً، وإنما نريد أن نجعل
هذه الكلمات مقدمة للثناء على حضرة الشاب الأديب الشيخ حسين الجمل الأزهري
حيث أحلَّ انتقادنا على قصيدته محل القبول وانتفع بالذكرى وكتب إلينا في ذلك
ما نصه:
حضرة الفاضل صاحب جريدة (المنار) الأغر:
إني أشكر لحضرتكم أن شرفتم قصيدتي بالتنويه عنها في مناركم السَّامي،
وعنايتكم بذكر اسمي، وإن سقط الاسم في الطبع، كما أشكر لكم انتقادكم على ما فى
القصيدة من ذكر النساء بالحالة التي يخرجن عليها، فإن انتقادكم أرقى مما تخيله
فكري من أن السامعين إذا طرق آذانهم وصف حالة النساء حين يخرجن بأنواع الحلي
والزينة أخذتهم الغيرة من ذلك، وهبوا إلى منعهن عن الخروج، وعلى الأقل عن
التبرج بالزينة حين الخروج، وفاتني أن التحذير إغراء، وأن ذلك الوصف
مشوق.
فأقدم لحضرتكم أجل الشكر حيث جعلتموني موضع العناية بانتقادكم عليّ، فإن
الانتقاد أصل من أصول الإرشاد، وأرجوكم أن تنشروا عني هذا؛ ليُعلم أن الانتقاد
إن صادف المحز قبله المنتقد بالارتياح والشكر، فلا زال مناركم الشامخ مشرقًا
لسطوع أنوار الرشاد من خلال سطور الانتقاد.
... ... ... ... ... ... ... ... ... حسين محمد الجمل
وليس الشيخ حسين بأولى من حضرة الشيخ زكي الدين سند رئيس جمعية
(مكارم الأخلاق) بقبول النصيحة والانتفاع بالذكرى، فعسى أن يكون أقلع عن تلك
الأوصاف والنعوت التي كان يتمادى فيها بذكر أوصاف الراقصات والمسافحات،
والله الموفق.