للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


الشريعة والطبيعة
والحق والباطل

{أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَّابِيًا وَمِمَّا
يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الحَقَّ وَالْبَاطِلَ
فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ
الأَمْثَالَ} (الرعد: ١٧) .
إن لله تعالى خليقة منها جميع ما نعرفه من هذه الأكوان، وشريعة اختلفت
أحكامها باختلاف أحوال الاجتماع لنوع الإنسان، ثم ثبتت أصولها وقواعدها العامة
بالسنة الصحيحة والقرآن، على وجه ينطبق على مصالح البشر في كل آن، ولولا
هذا لم يصح أن تكون شريعة عامة لكل زمان ومكان، فالخليقة أو الطبيعة من الله
كما أن الديانة والشريعة من عند الله، فذلكم الله ربكم الحق، وكل ما كان من الحق
فهو حق، فمن قال: إن الطبيعة أوعلمها باطل، كمن قال: إن الشريعة أو العلم بها
باطل، كلاهما متجرئ على مقام الربوبية بنسبة الباطل إلى الحق تعالى عن ذلك
علوًّا كبيرًا.
ربما يستبعد بعض الناس هذا القول بالنسبة للطبيعة دون الشريعة، ولكن
الذين يتلون القرآن حق تلاوته أولئك يؤمنون به، واتل عليهم قوله عز وجل:
{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُوْلِي الأَلْبَابِ * الَّذِينَ
يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا
مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} (آل عمران: ١٩٠-١٩١) فإذا
كانت آيات الله تعالى في خلق العوالم العلوية والسفلية وحوادثها الطبيعية - كاختلاف
الليل والنهار- إنما يعرفها العقلاء باستمرارهم على التفكر فيها، فلا جرم أن أكثرهم
تفكرًا أكثرهم علمًا وأجدرهم بمعرفة الله تعالى وتعظيمه، والإيمان بقدرته وكمال
علمه وحكمته، وما شذوذ بعض الناظرين في علوم الطبيعيات والهيئة اشتغالاً
بالصنعة عن الصانع إلا كشذوذ الناظرين في علوم الشريعة المتوسعين فيها عن
العدالة في الأحكام والعفة في المعاملة، وهما روح الشريعة، فإننا نسمع الناس
يرمون رجالاً من أوسع العلماء والقضاة الشرعيين علمًا بالأحكام بما لا يرمون به
سائرهم، وما كان الزيغ والانحراف من هؤلاء وأولئك من علمي الطبيعة والشريعة
فيكونا باطلين، وإنما هو فساد في التربية زاد بالعلم فسادًا {فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ
فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً} (البقرة: ١٠) ومثل العلم يشقى به قوم ويسعد به آخرون
مثل الحنظل والبطيخ يسقيان بماء واحد فيزيد الأول مرارة والثاني حلاوة {يُضِلُّ
بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الفَاسِقِينَ} (البقرة: ٢٦) من حقيّة
الشريعة أن جميع ماجاءت به من العقائد والآداب والأحكام موافق لمصالح الناس
ومسعد لهم في معاشهم ومعادهم، ولذلك كانت كلياتها حفظ الدين والنفس والعقل
والعرض والمال، فإذا نسب إليها شيء فيه مفسدة أو منافاة لمصلحة، فهو ليس منها،
وإن أُسند إلى علمائها ودُوِّن في كتبها؛ لأن هذا من الباطل، ومن حقيّة الطبيعة أنها
قامت بقوانين ثابتة وسنن مطّردة (يسمونها نواميس) بحيث يتمكن الناس من
الانتفاع بها كلما زادوا علمًا بسننها وقوانينها، ولو كانت مختلة النظام تجري فيها
الحوادث بغير إحكام لما اهتدى الناس للانتفاع بها، ولما صح الاستدلال بها على
علم مُبدعها وحكمته وكمال قدرته ونفوذ مشيئته، فمن يرى في الطبيعة خللاً أو
فسادًا فإنما يريه إياه ضعف نظره أو ظلمة بصيرته، فليتْلُ عليه قوله تعالى: {مَّا
تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ البَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ * ثُمَّ ارْجِعِ
البَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ البَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ} (الملك: ٣-٤) .
لولا الخليقة والطبيعة لم توجد الديانة والشريعة، فإن الله تعالى خلق الإنسان
في هذا العالم كثير الحاجات والضرورات، ميّالاً بفطرته إلى الكمالات وبلوغ
الغايات، وجعل له الوجدان والمشاعر والعقل ليهتدي بها إلى ما تطلبه فطرته
وتقتضيه خلقته، ولكنه جعل بين أفراده تباينًا في هذه المدركات تتباين بها مقاصدهم
وأعمالهم، والمباينة والتفرق في هذا هما منشأ اختلال المصالح الاجتماعية، فمن ثم
كان في أشد الحاجة إلى هداية رابعة تقرب المتباين وتجمع المتفرق، وقد منح الله
الإنسان هذه الحاجة بالشريعة، ومقاصد الشريعة وأسسها: (١) الاستدلال بالطبيعة
عامة على موجدها ومبدعها، وما اتصف به من صفات الكمال , و (٢) تقويم
الطبيعة الإنسانية بتهذيب أخلاقها وترويضها بضروب من العبادات؛ ليسهل على
الإنسان الوقوف في تصرفه بالطبيعة العامة على صراط الاعتدال , و (٣) تحديد
الحقوق والواجبات وبيان أحكام العمل بها , و (٤) تبشير من وقف من الأمم عند
الحدود بالسعادة في الدنيا ووعده بالمثوبة في الآخرة، وإنذار من تعداها بالشقاء
العاجل، ووعيده بالانتقام الآجل، فالعلم بالطبيعة مرتبط بالعلم بالشريعة , يكمُل
بكماله وينقُص بنقصه، فمن لا يعرف الكون ونظامه وطباع البشر وقواهم
العقلية والجسدية، وارتباط بعضهم ببعض، وما وصلوا إليه من العلم بطبيعة الكون
وكيفية تصرفهم فيه على وفق مصالحهم ومنافعهم - لا يمكنه أن يعرف مقاصد
الشريعة، وكيف يؤخذ الناس - أو يأخذون بها - وهذا الأمر واضح بنفسه وإن
ضل عنه كثير من المنتمين إلى علم الدين، المتوهمين أن شرع الله يعرف
بالاستنباط من ألفاظ المؤلفين، وكمال العلم به يكون بالجهل بالخليقة وأحوال الخلق
أجمعين.
نتيجة هذا كله أنه يجب أن لا يكون في الدين والشريعة شيء مخالف لما في
الخلق والطبيعة؛ لأن كلاًّ من عند الله وحاشا أن يصدر عن تلك الذات العلية
التناقض والاختلال، وأي أمر ينافي الكمال، وما عساه يوجد في الكتب الدينية أو
يجري على ألسنة رجال الدين من قول يذم علوم الخليقة أو يرمي إلى بطلانها، أو
ينهى عن تعلمها - فهو من الناس لا من الله، ألصقوه بالدين لشبهٍ عرضت لهم
أكثرها لفظية أو لمحض الجهل، على أنه يوجد في كتب العلوم الطبيعية مثلما يوجد
في كتب العلوم الشرعية من الأقوال والآراء المبنية علي الظن والخرص.
واليقيني من مسائل العلوم الطبيعية، وما يلحق بها هو ما ثبت
بالمشاهدة والاختبار أو البراهين القطعية كالبراهين الرياضية على الكسوف
والخسوف، وكثير من مسائل الهيئة الفلكية وغيرها، ولا يطلقون اسم العلم في
هذا العصر إلا على ما ثبت بالتجربة والاختبار العملي.
واليقيني من مسائل الدين هو ماثبت بنصوص القرآن والسنة المتواترة
كأصول الاعتقاد والأركان الخمسة، وسائر المجمع عليه المعلوم من الدين
بالضرورة، فهذه المسائل اليقينية لا ينافي شرعيها طبيعيها أبدًا، ومتى نافى
قطعي من قسم منها ظنيًّا من القسم الآخر يترك الظني للقطعي إلا إذا أمكن الجمع
بينهما، وإذا تعارضت الظنيات نرجح الشرعي علي غيره.
علمنا أن الشريعة والطبيعة كليهما حق من الله تعالى، والحق لا تكون آثاره
ونتائجه إلا صالحة وثابتة بثباته، والباطل لا يكون إلا مضطربًا ومتزعزعًا،
وآثاره تفنى بفنائه وتزول بزواله، فإذا تصارع الحق والباطل لا يلبث الحق أن
يصرع الباطل: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى البَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ} (الأنبياء:
١٨) ، وفي الزبور الذي في أيدي أهل الكتاب ما مثاله أن الذي تكون مسرته
وغبطته في الناموس الإلهي ينجح في عامة أعماله، ويكون كالشجرة عند مجاري
المياه تثمر في أوانها ولا يذبل ورقها، وأما الأشرار فهم كهشيم تذروه الرياح لا
يثبت لهم في طريق الدين قدم؛ لأن الرب يعلم طريق الأبرار، أما طريق الأشرار
فتهلك.
والأمثال على هذا في القرآن كثيرة، ومن أبلغها وأظهرها الآيات التي
افتتحنا بها هذه المقالة، ثبات الحق وزهوق الباطل ثابت في الطبيعة كما هو ثابت
في الشريعة ويسميه الحكماء الذين اهتدوا إليه (الانتخاب الطبيعي) يعنون أن
طبيعة الوجود تقتضي بقاء الأصلح الأنفع في الكون وتلاشي ما سواه.
والأصلح في الطبيعة ما كان جاريًا على سننها ومندرجًا تحت نواميسها،
والأصلح في الأمور الشرعية ما كان موافقًا لأصول الدين وقواعده وأحكامه من
حيث إنها هادية للأرواح في شؤونها الروحية ومصالحها الاجتماعية، فيمكننا على
هذا أن نستدل من الشريعة والطبيعة معًا على أن الأمة المخذولة المهضومة الحقوق
المغلوبة على أمرها لا بد أن تكون على الباطل، أي زائغة عن صراط الشريعة
متنكبة سنن الطبيعة {وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلاَ يَخَافُ ظُلْماً وَلاَ
هَضْماً} (طه: ١١٢) .
كأني بأكثر القرَّاء من إخواني المسلمين، وقد انتهوا إلى هذه المسألة
فاضطربت أفكارهم وانفعلت أرواحهم، وسبق الوسواس إلى أذهان بعضهم بأن
قصارى هذا القول طعن بالإسلام؛ لأن أهله مخذولون في هذا الزمان في كل قطر
ومكان، واعتراف بأحقية أديان أخرى ثبتت سلطة أهلها، واستقام أمرهم ونجحوا
في أعمالهم وعلت كلمتهم على المسلمين، ومنهم الوثني ومن لا يدين بدين، مهلاً
مهلاً، استوقف أيها المنتقد سربك واستغفر ربك، ولا تَقْفُ ما ليس لك به علم، فإن
بعض الظن إثم، واعلم أن ما تراه من الباطل ثابتًا قويًّا، فإنما ثباته بالتوكؤ على
أركان من الحق كالنظام ومراعاة سنن الله في الخلق والأخلاق والسجايا الفاضلة
كالصدق والأمانة، فالحق ثابت في نفسه، والباطل ثابت به أو شبيه بالثابت، فلو
تداعت أركان الحق عند هؤلاء لسقط الباطل، بل لتبين زهوقه وبطلانه، ولما ثبت
بنفسه قط، وما تراه من خذلان المسلمين واضمحلال سلطتهم مع حقيّة دينهم فسببه
عدم السير على منهاج دينهم، وهذا كتابهم ينطق عليهم بالحق: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ
مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} (الرعد: ١١) {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً
أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} (الأنفال: ٥٣) وقد كتبنا في (منار)
السنة الأولى مقالة تحت عنوان قوله تعالى: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ القُرَى بِظُلْمٍ
وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} (هود: ١١٧) أتينا فيها بالقول الفصل في دعوى المسلمين
أن نجاحهم وارتقاءهم بدينهم، ودعوى الباحثين في طبائع الملل وعلوم الاجتماع
والعمران أن شقاء المسلمين وضعفهم العام إنما جاءا من قِبل دينهم لأنه لا شيء
آخر يناط به تأخرهم في جميع الأقطار، وأن ترقيهم إنما يكون باحتذاء أوربا
وتقليدها، وخلاصة ما هنالك أن كل واحد من القولين له وجه وفيه قصور،
والصواب أن الإسلام جامع لأسباب السعادة الدنيوية التي نالها الغربيون ومن تلا
تلوهم كاليابانيين على أكمل الوجوه، وزاد على ذلك بيان أسباب السعادة الآخرة،
ولكن المسلمين انسلُّوا مما أرشد إليه الدين من أسباب السعادة كاستقلال الإرادة
والرأي، وتطهير النفس من أدران الخرافات وصدأ الأوهام وصقلها بصقال الحجة
والبرهان في جميع ما تأخذ به، وإطلاق العقل من قيوده وتسريحه في عوالم
الطبيعة علويها وسفليها؛ ليبحث عن حقائقها وينتفع بها، فإن الله ما قال: {وَسَخَّرَ
لَكُم مَّا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مِّنْهُ} (الجاثية: ١٣) إلا ليرشدنا إلى
هذا - انسلوا من هذه الإرشادات كلها باسم الدين، وتبع هذا فساد الأخلاق والأعمال،
فلا غرو إذا قال القائلون: إن الدين هو الذي حال بينهم وبين الترقي، فإنهم يرون
أن دين الناس ما هم عليه، وبيّنا هناك أيضًا أن دين الإسلام هو دين الفطرة " أي
الخليقة والطبيعة " وأنه بيّن في القرآن سنته في هلاك الأمم بمثل قوله: {وَلَقَدْ
أَهْلَكْنَا القُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا} (يونس: ١٣) وقوله: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَن
نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا القَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً} (الإسراء
: ١٦) وبيّن سنته في نجاة الأمم وحفظها من الهلاك بمثل قوله: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ
لِيُهْلِكَ القُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} (هود: ١١٧) والمراد بالظلم هنا الشرك
خاصة؛ فإن من أشرك ظلم نفسه وفي الآية الأولى ما يعم الجور في الأحكام
والأعمال نص. على ذلك المفسرون، وبه يرتفع التناقض، فقد بيّن أن المصلح لا
يهلك وإن كان مشركًا، وبيّن في آيات أخرى أن الصلاح والإصلاح سبب إرث
الأرض، وأن الله لا يصلح عمل المفسدين، وكل شيء فصلناه تفصيلاً.
فالقرآن بجملته حجة على المنتسبين للإسلام بأنهم على غير الحق الذي جاءهم
به، بل إن تعريف الدين عندهم بأنه سائق إلى النجاح في الحال والفلاح في المآل.
حجة عليهم فإنهم غير ناجحين، وأما الأمم الناجحة المرتقية فإنها أخذت بأسباب
الترقي الدنيوي التي أرشد إليها القرآن من طبيعية وشرعية، ولكن لا على أنها من
القرآن، بل على أنها نافعة في ذاتها معقولة بنفسها، والنتيجة في الدنيا واحدة،
وابتغاء مرضاة الله تعالى بالأعمال النافعة يجعلها نافعة لذويها في الآخرة أيضًا، فإذا
كانوا قد ربحوا بهذا سلطة الدنيا وسعادتها، فنحن قد خسرنا بتركه الدنيا والآخرة،
وذلك هو الخسران المبين، ولا ينكرن عليّ هذا أحد شم رائحة الإسلام؛ إذ لا يجهل
أحد أنه قرن مصالح الدنيا والآخرة بعضها ببعض، وجعل غايته سعادة الدارين،
ففقد إحداهما من مجموع الأمة دليل على فقد الأخرى، ولا التفات للآحاد، فإنما
كلامنا في الأمم، فتدبروا وتذكروا أيها المسلمون، ولا يخدعنًّكم المؤوِّلون الغاشّون،
ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون.