للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


دار علوم في مكة المكرمة

شكونا غير مرة في المنار من إهمال المعارف والفنون في البلدين المكرمين:
مكة والمدينة مهبط الوحي ومشرق أنوار العلم والحكمة تنبيهًا للدولة العلية
والحضرة السلطانية إلى تدارك ذلك , وقد ذكرت جريدة الرياض (التي سيأتي
تقريظها) المدرسة الصولتية التي تأسست في مكة المكرمة من نحو ربع قرن , وأنه
انحط شأنها الآن بسببين، أحدهما: موت النواب محمود علي خان صاحب رئيس
جهتاري من مضاف بلند شهر (رحمه الله تعالى) فإن ذلك الأمير الفاضل كان ركن
هذه المدرسة وعمادها ومبالغًا في إرفادها وإمدادها , وثانيهما: انتشار الطاعون في
بلاد الهند الذي حال بين مسلمي الهند وبين بلد الله الأمين , وقد كان للمدرسة في
كل عام وفد عظيم من أغنيائهم , وحاصل القول: إن المدرسة قد حيل بينها، وبين
موارد ثروتها , قال صاحب الرياض وأعضاء الشورى (أي في الهند) والمهتمون
بالمدرسة الصولتية يبتغون إقامة (دار علوم) في مكة المكرمة تجمع بين علوم
الدين وعلوم الدنيا حتى الحرف والصنائع ثم قال: (وكفى لمسلمي الهند فخرًا
يباهون به أن ينعقد بتوجههم دار العلوم في أم القرى , وأنا أردت أن أدور في جميع
أقطار الهند وبلادها وأمصارها لأحشد لها نقودًا, وأرصن بها بناء دار العلوم
لتعليمات الفنون الدنيوية والعلوم الدينية , وقد جعلني الجناب المولوي محمد سعيد
منتظم المدرسة الصولتية في بلد الله الأمين وكيلاً من قبله في بلاد الهند) ثم
ذكرنا أنه جعل جريدته داعية إلى هذا , وأنه يعطي لكل من يدفع له شيئًا من النقود
وصولاً (قسيمة) مختومًا بختم المولوي محمد سعيد , ويتكفل هو بإيصال النقود
إليه.

(اقتراح المنار)
نشكر لإخواننا مسلمي الهند الساعين بهذا العمل المبرور غيرتهم الدينية ,
ونعترف لهم بفضل السبق إليه , ولكن نحب أن يشاركهم فيه سائر إخوانهم
المسلمين في جميع أقطار الأرض , ونقترح على مسلمي كل قطر أن يؤلفوا لجنة
للاكتتاب وجمع المال لهذا العمل الشريف يرأسه في كل مصر أحد أهل الفضل
والوجاهة , وأن يحث عليه الخطباءُ وأصحابُ الجرائد عمومًا , وأن تكون اللجنة
العليا في مكة المكرمة نفسها , وأن يكون بينها وبين سائر اللجان اتصال بالمكاتبة ,
وأن تعهد كل لجنة من لجان الآفاق إلى بعض الفضلاء الذين يقصدون الحج
بحضور اللجنة العليا واكتناه شؤونها , وإذا اتفق السيد الشريف أمير مكة مع دولة
واليها على الإيعاز إلى خطباء الحرم الشريف وخطباء عرفة بحث الحجاج على
التبرع لهذا العمل المبرور فلا تسل عما يظهر من المكارم الإسلامية في تلك البقاع
القدسية , وقد كنا اقترحنا في المجلد الأول من (المنار) إنشاء جمعية إسلامية
كبرى في مكة المكرمة يكون لها شُعب في جميع بلاد الإسلام , وبينَّا هنالك أعمالها
ومزاياها , وأشرنا إلى الصعوبة التي أمامها , ولكن هذا العمل (إنشاء دار علوم)
لا صعوبة أمامه بل هو متيسر جدًّا إن شاء الله تعالى , وسيكون فاتحة خير لجمع
كلمة المسلمين بفضل الله تعالى , وبه يظهر المسلم الغيور ممن لا حظَّ له من الغيرة
على الإسلام إلا كثرة اللغط والكلام , وسنعود إلى الموضوع , ونرجو من المؤيد
الأغر , ثم من سائر الجرائد المصرية حث إخواننا المصريين على أن يسبقوا سائر
المسلمين إلى الانضمام إلى إخوانهم الهنديين , والله لا يضيع أجر المحسنين ,
وأقسم بالله العظيم رب البيت الحرام ومميزه على سائر البلاد بظهور نور الإسلام،
على جميع المقربين من سيدنا ومولانا أمير المؤمنين وخليفة المسلمين أن يبلغوه
خبر هذه المدرسة بالصفة الحقيقية التي ترضيه لكي تفيض عليها مكارمه الهامية ,
وتحوطها رعايته السامية , وعسى أن يهتم من يسمع له الكلام , من على ذلك المقام
كسماحة السيد أبي الهدى أفندي بأن يكون الواسطة بين المسلمين وخليفتهم في
أمنيتهم هذه , فيكون له عند الجميع شأن عظيم , وعند الله أجر كريم.