للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


قليل من الحقائق عن تركيا
في عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

(تابع ما قبله)
من المدارس العليا التي تشهد اليوم في تركيا لما لجلالة السلطان من الميل إلى
تعليم الفنون الأدبية ميلاً صادرًا عن علم بفائدتها , ولما يبذله من العناية البالغة في
توسيع نطاق المعارف لموظفي حكومته - مدرسة العلوم السياسية التي ستضارع
نظيرتها في باريس.
المدارس التابعة لغير نظارة المعارف هي:

أولاً: ما يتبع منها لنظارة التجارة والأشغال والزراعة وهذا بيانه:
أ - المدرسة التجارية الحميدية المؤسسة في سنة ١٨٨٢ بعناية جلالة السلطان
عبد الحميد الذي أفاض على مملكته أنفع العلوم وأكفلها بتقدم الصناعة
والتجارة.
ب - مدرستا الصنائع والحِرَف , وتسميان بالمكتبين الصناعيين، إحداهما
للذكور، والأخرى للإناث , وهذه قد رتبت ترتيبًا جديدًا في سنة ١٨٨٣ ويصح أن تعد
نموذجًا في بابها , وفيها يتعلم البنات القراءة والكتابة وشغل الإبرة وتباع الأشياء التي
يصنعنها ليكون ثمنها لهن فيوضع ما يحصل منها في شبه مصرف توفير حتى يوزع
على متخرجاتها على حسب استحقاقهن.
ت - مدارس الحرف التي تقرر في سنة ١٨٨٤ إنشاء واحدة منها بكل ولاية
وتأسيسها الآن جار على التوالي.

ثانيًا: ما يتبع منها نظارة المالية وهو:
أ - مدرسة المعادن والغابات التي كانت قبل حكم جلالة السلطان عبد الحميد
مدرستين منفصلتين إحداهما للمعادن والأخرى للغابات، فضُمتا في حكمه
وجُعلتا مدرسة واحدة.
ب - مدرسة التلغراف التي بفضل رعاية جلالة السلطان صارت إلى ما
هي عليه الآن من الأهمية.
قبل الكلام على مدارس الطوائف الغير الإسلامية يجب علينا أن نخصص
بعض أسطر للمدارس الدينية الإسلامية , فنقول:
تنقسم العلوم التي تلقى في هذه المدارس إلى عشرة فروع وهي: النحو
والصرف والمنطق والفلسفة واللغة والبيان والإنشاء والمعاني والهندسة والهيئة ,
وبعد أن يقضي فيها الطلبة عشر أو اثنتي عشرة سنة يكون لهم الخيار بين أن
يعينوا قضاة أو مفتين أو أئمة , ومن أراد منهم التبحر في علم الشريعة وجب
عليه أن يمكث بعض سنين أخرى لدراسة مذاهب الفقه وتفسير القرآن والحديث ,
ويوجد غير هذه المدارس مدرسة الأيتام التابعة مثلها لمشيخة الإسلام المسماة
بمدرسة موجبات الشريعة , ومدرستا الأئمة والمؤذنين في استامبول وإسكودار
المؤسسة جميعها بفضل عناية جلالة السلطان في سنة ١٨٨٣ , في القسطنطينية
عدد عظيم من دور الكتب العمومية يزيد عن أربعين، وهي في الجملة مؤسسة في
المساجد وتابعة لها وتفتح للعامة في كل أيام الأسبوع ما عدا يومي الثلاثاء والجمعة،
وزيادة على هذه المكتبات العامة يوجد في العاصمة ما يزيد عن ألف مكتبة خاصة
ناتجة مما يوقف على المساجد.
مدارس الطوائف غير الإسلامية في المملكة العثمانية تدخل في قسم معاهد
التعليم العام التي يسميها القانون المدارس الحرة فإنه متى صرحت الحكومة بإنشاء
مدرسة منها وفتحها كانت إدارتها مستقلة استقلالاً تامًّا فلا يكون للحكومة إلا حق
النظر فيما إذا كان التعليم فيها لا يحتوي على شيء مغاير لأوضاع المملكة أو
للإدارة , وفيما إذا كان معلموها حائزين للشهادات التي تعطيها نظارة المعارف أو
المجلس العلمي في الولاية التي تكون فيها المدرسة أو الرؤساء الروحانيون للطائفة
التي بها المدرسة , فما خلا هذين الأمرين اللازم مراعاتهما حفظًا لحقوق الحكومة
تكون مدارس الطوائف الغير الإسلامية حرة بعيدة عن تداخل الحكومة , ولا شك في
أن هذا مثال حسن للتساهل والتسامح من الحكومة العثمانية لغيرها من الأمم , ولا
يسع أحدًا إلا أن يعترف بعلو مكانة أخلاق هذه الحكومة.

أهم مدارس الطوائف الغير الإسلامية هي:
مدارس الروم الأرثوذكس من حيث عددها ودرجة العلوم فيها وانتفاع الطلاب
منها , وهي تنقسم إلى ثلاثة أقسام , وهي: المدارس الخورنية والمدارس الأهلية
والمدارس العالية المركزية , فالقسم الأول الذي يؤسسه الخوريون , وينفقون عليه
يشمل المدارس الابتدائية المشتركة بين البنات والبنين , والمدارس اليونانية
ومدارس البنات وهي تقابل مدارس الصبيان والمدارس الابتدائية والمدارس شبه
الرشدية , والقسم الثاني وهو المقابل للمدارس الابتدائية العالية هو المدارس المعدة
للتعليم الثانوي التي يؤسسها بعض الأفراد , والقسم الثالث يمكن تشبيهه بمدارس
الحكومة العالية , ومن هذا القسم تمتاز مدرسة الفنار الكبرى الأهلية ومدرسة
حلقي التجارية الدينية , ومكتبة المدرسة الكبرى الأهلية تحتوى على زهاء
عشرين ألف مجلد.
(لها بقية)
((يتبع بمقال تالٍ))