للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


الهدايا والتقاريظ
(المحاماة)
سِفر جليل ظهر في هذه الأيام من تأليف القاضي الفاضل والكاتب البارع
صاحب العزة أحمد فتحي بك زغلول رئيس محكمة مصر الأهلية. والذي أدهش
الناس من أمر مؤلفه أنه على كثرة أعماله في المحكمة يتحف قراء العربية في كل
عام بكتاب من أنفع الكتب إما من تأليفه وإما من ترجمته , وقد قلنا هذه الكلمة من
قبل كما قالها غيرنا وإنما نعيدها الآن لنقرن بها ما يلي:
ذكر التاج السبكي في طبقات الشافعية الكبرى أن من أنواع الكرامات كثرة
التآليف في الزمن القليل , وضرب المثل على هذا بكثيرين منهم والده قاضي القضاة
تقي الدين السبكي (رحمهما الله تعالى) فإنه ألف كتبًا كثيرة مع اشتغاله بالقضاء
والتدريس بحيث لا يكون له من أوقات الفراغ ما يفي بنسخها. ولكننا نقول: إنها
همة الرجال تجعل الوقت كالمادة المرنة القابلة للتمدد أضعاف مساحتها , على أن
أكثر تآليف العلماء في تلك القرون المتوسطة كانت من قبيل النسخ لأن كل واحد
ينقل عمن قبله فيختصر أو يطيل ويضيف إلى القول أقوالاً ولو من غير الفن الذي
يؤلف فيه , وليس بين أيدينا من الكتب العربية التي يصح أن يقال: إن ما فيها نابع
من صدور مؤلفيها وفائض من سماء عقولهم، إلا العدد القليل كإحياء العلوم
وكالموافقات والاعتصام للعلامة الشاطبي ومقدمة ابن خلدون وغيرها , والأكثر ما
بين منسوخ وممسوخ. وهذا النسخ والمسخ لا يحتاج إلى زمن طويل. وقد كان
العلماء المشتغلون بالعلوم النقدية يستعينون بتلامذتهم وبالكتاب المستأجَرين على
التأليف فيدلونهم على ما يرون نقله وهم ينقلونه لهم , وإنني أعرف رجلاً من
المعاصرين ينسب له من المؤلفات ما يزيد على ثلاثين كتابًا ورسالة كتبت في مدة لا
تزيد على العشرين سنة إلا قليلاً مع أن له بغيرها شغلاً كثيرًا , ولكن هذه الكتب
الكثيرة ليست له فيها إلا الدلالة على الكتب والإيماء إلى المقاصد المطلوبة له وليس
فيها شيء من العلم الحقيقي يصح أن ينسب للمؤلف فيعد من بنات فكره أو من
استنباطه.
أما مثل كتاب المحاماة فهو كتاب لم يسبق المؤلف أحد للكتابة في موضوعه
فهو مبتكر، وأما استمداده فليس من كتب موجودة بين الأيدي قد سبق أنه طالعها
فسهل عليه أن يراجعها , ولكنه استمد من أوراق الحكومة ودفاترها الرسمية فاحتاج
إلى زمن طويل في التنقيب والتفتيش يعزّ على من ليس له مثل همته أن يختلسه من
أيدي الشواغل الكثيرة المنوطة به , وليس شأن القضاء في هذا العصر كشأنه في
الزمن الماضي فإنه لم يكن أمام حكم القاضي في الغالب إلا طلب البينة أو اليمين
عند فقدها , وأما الآن فرب قضية واحدة لا يتأتى للقاضي أن يحكم فيها إلا بعد
قراءة مئات من الصحائف، فهل يسهُل على الإنسان أن يؤلف كتابًا من هذه الكتب
الملفقة قبل أن يقرأها ويفهمها؟ ناهيك بالأعمال الإدارية المطلوبة من رئيس محكمة
مصر. فنسأل الله مع السائلين أن يكثر من أمثال مؤلف كتاب المحاماة في الأمة إذ لا
يمكن أن تجاري الأمم الحية إلا بأمثال هؤلاء الرجال العاملين. وسنعود إلى تقريظ
الكتاب بعد ما تتسنى لنا مطالعة كله أو جّله.
***
(خريطة الكرة السماوية)
أتحفتنا جريدة المبشر الغراء بنسخة من خريطة الكرة السماوية مطبوعة باللغة
العربية جاءت ملحقة بالجريدة , وقد سررنا بهذا الأثر النافع بقدر حاجتنا إليه فإننا
لم نظفر بهذه الضالة بالعربية قبل الآن ويا حبذا لو كان طبعها على ورق نظيف
متين ليطول زمن الانتفاع بها بطول مكثها.