للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


محبة الله ورسوله
في إعانة السكة الحديدية الحجازية

حب الله ورسوله - معناه ودليله وعلامته: بذل المال والنفس في سبيل الله.
سخط الله على من يبخل بذلك. سكة حديد الحجاز: المدافعة في الجهاد أشد وجوبًا
من المهاجمة.
بعض فوائد السكة: هي سنة حسنة سنها السلطان ومن أعان عليها فهو
شريكه في الأجر. {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ
وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُباًّ لِّلَّهِ} (البقرة: ١٦٥) {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي
يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} (آل عمران: ٣١) للحب أنواع كثيرة وضروب شتى أعلاها حب
الله ورسوله لأنه غاية كمال الإيمان الذي هو مشرق أنوار التهذيب ومنبع مكارم
الأخلاق وروح الفضائل الصورية والمعنوية، أرأيت كيف جعل الله سبحانه وتعالى
شدة حبه مقرونة بالإيمان الذي هو مصدرها حيث قال: {وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ
حُباًّ لِّلَّهِ} (البقرة: ١٦٥) .
وإن ترتيب الحكم على المشتق يؤذِن - كما قالوا - بعلية الاشتقاق. وقد
ورد في الحديث المشهور (لا يؤمن أحدكم حتى يكون الله ورسوله أحب إليه ممن
عداهما) وفي حديث آخر: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من أهله وماله
ومن نفسه التي بين جنبيه) أو كما ورد.
فما هو حب الله ورسوله؟ وما علامته وما دليله وبرهانه؟ الجواب عن
السؤال الأول هو ما يرشدنا إليه قوله تعالى: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي
يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (آل عمران: ٣١) وفي هذا
المعنى قال الشاعر:
تعصي الإله وأنت تظهر حبه ... هذا لعمري في القياس بديع
لو كان حبك صادقًا لأطعته ... إن المحب لمن يحب مطيع
وأما علامة هذا الحب ودليله فهو الاهتمام بما يرضي الله ورسوله من جميع
الطاعات , فكيف بالطاعة التي هي مختصة بحفظ بيت الله وقبر رسوله عليه أفضل
الصلاة والسلام؟ فكيف بالطاعة التي تسهل على عباد الله تعالى حج بيته وزيارة
رسوله صلى الله عليه وسلم؟ فكيف بالطاعة التي يتفرع عنها من الطاعات
والحسنات ما لا يحصى ولا يحصي ثوابه إلا الله سبحانه وتعالى وهو الذي بجزي
عليه الجزاء الأوفى؟
وأكبر علامات حب الله ورسوله بذل المال والنفس في طاعتهما ومرضاتهما
لأن المال والنفس أعز الأشياء على صاحبهما في حياته الدنيا فهو بالطبع لا يبذلهما
إلا فيما هو أعلى عنده منهما شأنًا وأرفع مكانةً , فمن يبخل بماله أو بنفسه في سبيل
الله فهو مفضل لهما على الله ورسوله ومهدد بالسخط والمقت والعقوبة وحرمان
الجنة والنعيم لأن الله اشترى من المؤمنين أموالهم وأنفسهم بأن لهم الجنة , وأمر من
قبل هذا الشراء بالوفاء , ولا شك أن كل مؤمن يقبله بل هو عنده أعز الأشياء
وأنفسها.
نحن الآن لا ندعو إلى بذل الأنفس وإنما ندعو إلى بذل شيء مما أنعم الله به
من المال في حب الله ورسوله وخدمة حرميهما مهبطي الوحي ومعهدي الدين القويم
فأي مؤمن يبخل بماله في سبيل الله؟ {وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَاللَّهُ الغَنِيُّ
وَأَنتُمُ الفُقَرَاءُ وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْما غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} (محمد: ٣٨) .
أي مؤمن يبخل ببعض ما أنعم الله عليه في سبيله ويتعرض لسخطه وعقوبته
في قوله عز من قائل: {قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ
وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ
وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ} (التوبة: ٢٤) ولا شك
أن إعانة مشروع السكة الحديدية الحجازية من أسباب سهولة الدفاع عن الحرمين
الشريفين إذا أراد العدوّ بهما سوءًا، ولا فرق في الجهاد بين أن يكون مهاجمة أو
مدافعة إلا بما تكون به المدافعة أشد وجوبًا وأقدس عملاً. ومن يقول أن دفع الخطر
وابتغاء الخطر (هذا بمعنى الشرف) في مرتبة واحدة , والشرع والعقل متفقان على
أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح؟
هذا وليست منفعة السكة الحجازية محصورة في الاستعداد لدفع الخطر ودرء
المفاسد , بل إن فيها من المصالح والمنافع الكثير الجم , وناهيكم بتسهيل أداء
فريضة الحج على إخواننا المسلمين الذين يقاسون من سوء معاملة الإفرنج في
السفن البحرية والمحاجر الصحية ما يقاسون. ويلاقون من تعدي العربان في البر
ما يلاقون , وهذه السكة تذهب بهذه النكبات وتزيل هذه المضرات.
الساعي بالخير كفاعله , وقد ورد في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم وغيره:
(من سن سنةً حسنةً فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة , ومن سن
سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة) وهذه السكة الحديدية
سنة سنها مولانا الخليفة والسلطان الأعظم وكل من أعان عليها فهو من أسباب
وجودها لأنها لا تتم إلا به فهو شريك في ثوابها فبادروا رحمكم الله إلى هذا الخير
العظيم والأجر الكبير {وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً
وَأَعْظَمَ أَجْراً} (المزمل: ٢٠) .
... ... ... ... ... ... ... ... ... محمد رشيد رضا