للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


الأخبار التاريخية

العيد السلطاني الفضي
أو ثلاثة أعياد في يوم واحد
في مثل يوم الجمعة الآتي الذي هو الحادي والثلاثون من شهر أغسطس سنة
١٨٨٦م بويع بالخلافة الإسلامية والسلطنة العثمانية مولانا أمير المؤمنين السلطان
الأعظم على جميع العثمانيين عبد الحميد خان أيد الله تعالى دولته وأنفذ شوكته
وأعلى كلمته فيكون قد تم له خمس وعشرون سنة شمسية أي ربع قرن كامل على
عرش السلطنة فهذا هو العيد الفضي على ما هو مشهور وذكرناه في الجزء الماضي
وأما العيد الثاني فهو عيد تذكار الجلوس السنوي الذي يحتفل به العثمانيون في كل
عام وأما العيد الثالث فهو يوم الجمعة عيد الأسبوع في الإسلام الذي تهتف به
الخطباء على المنابر الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها بالدعاء لهذا السلطان
الكريم نصره الله تعالى فلا غرو إذا تمثلنا بقول الشاعر:
عيد وعيد وعيد صرن مجتمعه ... وجه الحبيب ويوم العيد والجمعه
في هذا العيد الوطني الأكبر تحتفل الأمة العثمانية في دار السعادة العلية
ومصر وسائر الممالك المحروسة السلطانية احتفالاً لم يسبق له نظير ولا غرو
فإنه احتفال بسلطان لم يسبق له نظير. يحتفل العثمانيون على اختلاف مللهم
ونحلهم وأجناسهم وأقطارهم ويشاركهم المسلمون في الأقطار التي تحكمها الدول
الغير المسلمة. هؤلاء ومن يماثلهم في الاعتقاد برئيسهم الديني وأولئك برئيسهم
الدنيوي. قلنا ما هو عيد واحد ولكنه أعياد ونقول: ما هو احتفال واحد ولكنها
احتفالات فقد علم الناس أن الاحتفال بالشروع في مشروع سكة حديد الحجاز سيكون
في ذلك اليوم الأزهر والعيد الأكبر وسيحتفل فيه أيضًا بافتتاح كثير من المدارس
والمشروعات النافعة للبلاد والعباد.
ولله درّ المصريين فإنهم السابقون في هذا المضمار ولذلك نراهم منذ أيام قد
أنشئوا يستعدون للزينات العامة والخاصة فرفعت الرايات العثمانية. والأعلام
المصرية. وهيئت المواد النورانية. والمعازف العصرية. ونرجو أن لا يكون
للذين شذُّوا عن جمعية الاحتفال الوطنية التي يرأسها الوجيه الأمثل عزتلو حسن بك
مدكور تأثير في الإقبال العام على حديقة الأزبكية لمشاهدة احتفالها الذي يعلو كل
احتفال فإننا لم نسمع أحدًا من أصحاب الذوق والفهم يستحسن أن يكون الاحتفال
بالعيد السلطاني في فندق معد لنزول مسافري الأجانب فيه كما أن الجميع يستهجنون
أن يجمع في ذلك المكان بين قراءة القرآن الشريف وبين الأغاني والرقص والأكل
والشرب لغرض واحد.
فنرفع التهنئة سلفًا إلى سدة سيدنا ومولانا أمير المؤمنين بهذا العيد الحميدي
السعيد ضارعين إلى الله تعالى بأن يمنح سلطاننا وخليفتنا عبد الحميد خان من
صنوف التأييد والتسديد والتعزيز والتوفيق ما يصعد بالأمة على يديه إلى أوج العز
والرفعة. وأن يجعل سائر أيامه وأعوامه أعيادًا لها ومواسم إنه سميع مجيب.
المولد الحسيني
قد احتفل في الأسبوع المنصرم بهذا المولد الاحتفال المعتاد فكان أكثر بدعًا
ومنكرات مما سبقه على غير ما كنا نتوقع من مبادرة علماء الدين إلى السعي في
محو هذه الفضائح بالتدريج عامًا بعد عام.
حضرناه في ليلة غير الليلة الكبرى فرأينا وسمعنا ما لم نر ونسمع من قبل.
سمعنا صاحب (الفونغراف) ينادي في السوق بصوت ندي داعيًا للناس مرغبًا في
السماع وذكر فيما ذكره (غناج السرير) ولا يغيب عن فهم القراء أن مما يسمع في
الفونغراف أيضًا القرآن الكريم فما هذا الجمع الذي لم نسمع به إلا في المولد. ومما
شاهدناه من الفضائح عند بعض باعة التماثيل السكرية (التي هي من خصائص
الموالد تذكر من يعلم ويعقل أن هذه الاحتفالات والمواسم من العبادات الوثنية)
صور سرر على كل سرير منها زوجان يمثلان ما يكون في السرير ... ومثل هذه
الأمور كان يجب على الحكومة منعها محافظة على الآداب العمومية.
وأما العباد والذاكرون والذاكرات الذين في المسجد ورحابه وفنائه الذين يحتج
بعض الشيوخ على حل هذه الموالد بهم فربما كان بلاء بعضهم على الدين أشد
بلاء من أولئك المُجَّان والفوانك. وقفنا على زعنفة منهم امتزج نساؤها ورجالها
امتزاج الماء والراح فكان كل (ولي وولية) من الزعفنة يريد يستلفتنا إليه لأجل
الاستجداء باسم الدين فأقبلت بوجهي على رجل يتوسم فيه بعض الخير لشيبته
الرائعة وثيابه النظيفة وعمامته الحمراء فما كان منه إلا أن قال لي إنه هو (يقاول)
أصحاب الحاجات , أي يضمن لهم قضاء حاجهم بأجرة مخصوصة وسألني عن
حاجتي فقلت: كم تأخذ؟ فقال: الذي تعطي , فقلت: عشرين جنيهًا , فقال ما
معناه: رجل كريم وخير عظيم وأنا ضمن قضاء الحاجة. قلت له: وما وظيفتك؟
فقال: (عرص معرّص) يعني أنه لتواضعه يهضم نفسه وضجّ من حوله بالتعظيم
له والتبجيل على أن القذع بالألفاظ الفاحشة لا ينافي الولاية عند جماهير العامة اليوم
وإن ورد في الأحاديث الشريفة أن المؤمن ليس بفاحش ولا متفحش. ثم قلت له:
يسهل على كل إنسان أن يضمن لكل أحد قضاء حاجته بشرط أن يأخذ الجعل إذا
قضيت وأن لا يطالب بشيء إذا لم تقض لأنه إما أن يربح وإما لا يخسر ولا
يمكنني أن أجعل لك شيئًا إلا إذا كنت تضمن لي شيئًا يقابله إذا لم تقض حاجتي ,
فأعرض عن هذا وعَدَّه من فساد اعتقاد الناس بأهل الله.
هذا وإن المسجد كان كما نعهد في الموالد مملوءًا بالأقذار كقشر الفول وغيره
بحيث لا يمكن لأحد أن يصلي فيه إلا إذا كان معه سجادة يفرشها على تلك الأوساخ
ومع هذا كله ترى سادتنا وكبراءنا من العلماء الأعلام يغدون ويروحون هناك يهنىء
بعضهم بعضًا بهذا المولد (الشريف) والموسم العظيم كما تهنئهم الجرائد بذلك
إسلامية ومسيحية. أليس الأجنبي معذورًا إذا اعتقد أن هذه الموالد من لباب دين
الإسلام ومَقَتَ الدين لأجلها.

المدرسة العثمانية في بيروت
الحمد لله رب العالمين والصلاة على أشرف المرسلين. سيدنا محمد وعلى آله
وصحبه أجمعين. أما بعد فلما كانت الحاجات تختلف باختلاف الأوقات. وكان هذا
العصر الحميدي السعيد قد تنوعت فيه العلوم واللغات. واشتدت الحاجة إليها
فكثرت فيه المدارس. وبادر كل جماعة وطائفة بافتتاح مكاتب ومدارس خاصة بهم
كي لا ينطبع في أذهان أطفالهم ما يتعذر محوه مما هو مباين لتربيتهم الدينية وكان
يلزم هذه الأمة الإسلامية ما يلزم سواها من المحافظة على تربيتها وأخلاقها الملية
وآدابها العثمانية رأينا من الواجب علينا خدمة للدين المبين وقربى لرب العالمين
ومرضاة لأمير المؤمنين أن نقوم بافتتاح مدرسة إسلامية تكفل لأبناء الملة ما يلزمهم
من العلوم والآداب فوفقنا ولله الحمد لذلك وافتتحنا مدرستنا المسماة بالمدرسة
العثمانية , ولما علم القاصي والداني ما نتج عنها من الفوائد الجمة والمنافع المهمة
تكرر إلينا الطلب وتعددت أنحاؤه من جهات شتى بأن نجعل لها فرعًا داخليًّا يمكن
كل من رام الدخول إليها أن يجتني من ثمارها اليانعة فعزمنا بعد الاتكال على الله
أن نجيب سؤالهم ونلبي طلبهم متضرعين إلى واجب الوجود أن يجعل عملنا هذا
خالصًا لوجهه وأن ينفع به إنه ولي التوفيق.
علوم المدرسة ولغاتها
(١) (العلوم الدينية) القرآن الشريف والتوحيد وعلم الفقه عبادات
ومعاملات وفرائض.
(٢) (قوانين الدولة العلية) التجارية والحقوقية والجزائية وما تمس
الحاجة إليه من ذلك.
(٣) (اللغة العربية) النحو والصرف وعلوم البلاغة المعاني والبيان
والبديع واللغة وقرض الشعر والإنشاء والتعريب وحسن الخط.
(٤) التاريخ والجغرافيا والحساب ومسك الدفاتر والجبر والهندسة والمثلثات
والمنطق والمواليد الثلاثة والكيمياء وحفظ الصحة وعلم خواص الأجسام والتهذيب
المدني.
(٥) (اللغة العثمانية) مفردات ومكالمات ونحو وصرف وإملاء وبلاغة
وإنشاء وترجمة وما يلزمها من اللغة الفارسية.
(٦) اللغة الإفرنسية النحو والصرف والفصاحة والإنشاء بأنواعه والترجمة.
(الفنون الاختيارية)
اللغة الإنكليزية بآدابها وفروعها والرياضة البدنية وفن الرسم والعلوم المهيئة
لمن يروم الدخول في المدارس الطبية مما فتح له فرع في المدرسة في هذه السنة
والمعارف التي لا يسع التاجر جهلها من علم مسك الدفاتر والتحريرات التجارية
والأقيسة والمكاييل والعملة (النقود) على اختلافها وغيرها مما قد فتح له فرع في
المدرسة أيضًا بحيث يمكن الطالب أن يتعاطاه ولا يمس بأوقات أشغاله.
ما يلزم أولياء التلامذة معرفته من قوانين المدرسة
(١) يجب أن يكون الطالب صحيح البنية أي سالمًا من العلل السارية لا
يقل سنه عن الثامنة ولا يزيد عن الرابعة عشرة.
(٢) أن المرتب على كل تلميذ في السنة المدرسية التي هي عشرة أشهر
سبع عشرة ليرة عثمانية يدفع منها في نصف أيلول شرقي (سبتمبر) الذي هو
ابتداء السنة المدرسية عشر ليرات وفي النصف الثاني سبع ليرات ولا يمكن قبول
تلميذ ما إذا لم يدفع القسط ومن تأخر عن دفع القسط الثاني بعد ثلاثة أيام يسرح من
المدرسة.
(٣) إذا خرج التلميذ أو أخرجته المدرسة لمخالفة قوانينها لا يسترجع شيئًا
بل يطالب بالمصاريف المستحقة عليه وتحفظ الأمتعة لوفاء المطلوب برمته.
(٤) كل تلميذ من خارج بيروت يجب أن يكون له وكيل مسئول بدفع
المعينات والمصاريف المدرسية في أوقاتها إلى المدرسة ويقوم بلوازمه من كسوة
ومصاريف خصوصية وخلافها.
(٥) أن الطلبة الذين يرغبون بتعلم بعض الفنون الاختيارية مكلفون بدفع
أجرة أستاذ الفن.
(٦) مصاريف التلامذة المعبر عنها بالخرجية يسلم إلى المدرسة ولا يسوغ
لأحدهم حمل الدراهم ولدى الاحتياج وفي أيام التنزه يعطى منها بقدر لزومه ولا
يبتاع شيئًا إلا بمعرفة الناظر والغرض من ذلك منع التلامذة من الإسراف وتناول ما
يَضُرّ بهم.
(٧) ثمن الكتب والأدوات الكتابية لا تلتزم بها المدرسة بل تكون على
حساب التلامذة ومن أراد أن يكفل المدرسة في ذلك يدفع أربع ليرات عثمانية في
كل سنة.
(٨) يلزم الطالب أن يكون مصحوبًا بلوازمه المنامية والتنظيفية وما يلزم
من أدوات المائدة وجميع ذلك معلوم بداهة.
(٩) من أراد من الطلبة أن يكون غداؤه في المدرسة يدفع عشر ليرات
عثمانية لقاء الغداء مع أجرة التعليم.
(١٠) أن المدرسة تعتني بانتقاء الطعام الموافق للصحة على حسب فصول
السنة بحيث أنها تقدم بالإفطار صباحًا حليبًا أو خلافه , وفي الغداء لونين مع فاكهة
أو نقل , وفي المساء لونين أيضًا، كما أنها تقدم في كل مدة مقتضية لونًا
من الحلوى.
رئيس المدرسة
أحمد عباس الأزهري
محل إدارة المجلة في أول درب الجماميز من جهة باب الخلق