للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: عبد العزيز محمد


أميل القرن التاسع عشر

الباب الثاني (الولد)
(١٤) من هيلانة إلى أراسم في ٣٠ أكتوبر سنة - ١٨٥
لا يزال (أميل) عاجزًا عن التكلم غير أن كلاًّ منا يفهم مراد صاحبه؛
لأن الأطفال قبل أن يصير في مقدورهم إخراج الحروف من مخارجها بزمن
طويل يعبرون عما يعروهم من الفرح والدهشة والخوف والألم بضروب من
الصياح والصراخ الفطري يندر أن تخطىء الأم في فهم معانيها , وهي إن لم
تكن لسانًا معروفًا فأقل ما فيها أنها لهجة تفصح عما في نفوسهم من الوجدانات
والأفكار , وإني لفي شك من أن الكلام يكون في إعرابه لي عن انفعالات ولدي
أكثر من هذه الأصوات بيانًا على أنني لا أخال أن صورة أخرى من صور
التعبير عما في النفس توافق حالته موافقة هذه لها.
لم يقتصر (أميل) على هذه اللهجة , بل إنه اخترع من بضع أسابيع
طريقة للمحادثة معي فإذا أراد أن يكلمني عن كلب البيت قلد نباحه بقدر ما في
أعضائه الضعيفة من الاستطاعة , وإذا حملته جورجيا وخرجت به للتنزه على
ساحل البحر فإنه عند عوده يخبرني بهبوب الرياح وذلك بأن ينفخ فيحدث
صوتًا مخصوصًا , وإذا صادف في طريقة قطيعًا من البقر أو الغنم؛ قص
عليَّ ما رآه بأصوات أفهم ما يريده بها , وإني على ما أجده في قصصه هذه
من اللذة قد أنشأت أقلق لحالته هذه وأحدث نفسي بأني أفرطت في إغفاله
وإسلامه إلى الفطرة , وأنه ربما كانت عاقبة ذلك حدوث بعض عاهات في قواه
النفسية أكون أنا السبب في حدوثها ولقد استفتيت في هذا الأمر السيدة
وارنجتون وكاشفتها بما أجده من الخوف لأنها لما كانت زوجة طبيب كان لها
هى أيضًا بعض الدراية في الطب فاجتهدت كثيرًا في محو هذا الفكر من نفسي
وفي تسكين روعي , وقالت لي: إن هذا الأمر عام في جميع الأطفال الذين
يربون في الأرياف.
وعلى كل حال فما أدرانا أن هذه الأصوات ليست هى أصل اللغات
الإنسانية؟ أقول هذا وأنا عارفة أنه ربما أضحكك , ولكن ما المانع في أن
الإنسان وهو في زمن طفوليته إذ كان يسكن الآجام والكهوف كان يتلمس
مبادىء الكلام في ألغاط الغابات وأصوات الحيوانات وغيرها من المخلوقات
اهـ.
((يتبع بمقال تالٍ))