للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


التبرك وشفاء الأمراض

في مصر بئر من الآبار المقدسة يستشفي بها المصدوعون وغيرهم ولها
سادن يتولى الأعمال التي يكون بها الشفاء كتدلية الأطفال فيها , ومسح أعضاء
المرضى بمائها ويأخذ أجره وشيئًا آخر للبئر نفسها يكون تقدمةً كالهدية أو الرشوة أو
الجزاء وهو قطعة كبيرة أو قطع من السكر تلقى في الماء , والإقبال على هذا عظيم
والناس يتنافسون في كثرة السكر الذي يقدم لسادن البئر وناهيك بالنساء , وإذا لم
يحتل السادن على أخذ السكر بأن يجعل في البئر وعاء يقع فيه ثم يستخرجه في
حالة غيبة الناس فيقرب أن يكون ماء البئر صار حلوًا لا سيما إذا كان قليلاً , وإذا
تسنى للسادن أن يبيع منه في هذه الحالة يجمع بين موارد الرزق الروحانية
والمادية.
إن شفاء الأمراض بالوهم الذي يثيره الاعتقاد القوي أمر معروف عند جميع
الأمم , واستخدمه رجال الدين من سائر الملل ما استخدمه الأطباء والحكماء
ويستخدمونه في أوروبا , وأميركا حيث بضاعة الطب رائجة وأسواقه نافقة , ولو
أن سادن البئر يدعي أن فيها خاصية طبيعية تشفى بها الأمراض كما يوجد في
الآبار والينابيع المعدنية والبخارية؛ لما كان لنا أن نندد به وننفر عنه ولا أن نذكره
في الخرافات ونعده من الأباطيل. ولكن إيهام الناس بأن فيه أسرارًا إلهية وقوة
غيبية بها تشفى الأمراض وتزول الأسقام هو ضرب من الاعتقادات الوثنية التي
سرت إلى أهل الأديان السماوية من الوثنيين بالوراثة وبالمعاشرة والمخالطة , ثم
صبغوها بألوان من دينهم وقربوها منه بالتأويل والتحريف.

باب المتولي
ومن قبيل البئر الباب الكبير الذي بجانب جامع المؤيد المشهور المسمى
(بوابة المتولي) ترى الناس نساءً ورجالاً يتمسحون بهذا الباب آناء الليل وأطراف
النهار يلتمسون البركات وتفريج الكربات وشفاء المرضى ودفع المصائب ورد
النوائب. وتراهم يقبلون مسامير الباب الحديدية ويربطون بها الخرق من آثار الذين
يلتمسون شفاءهم من أسقامهم أو عطف قلوب معشوقيهم عليهم , ونحو ذلك مما
سيأتي تفصيل القول فيه بالتدريج , ونبين مفاسده ورد شبهة الذين يروجونه بدعوى
الكرامات وما هو من الكرامات ولكنه من الضلالات والخرافات.