للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


فخر نساء العرب

خرجت العجفاء بنت علقمة السعدي مع ثلاث نسوة من قومها , فاتَّعدن
بروضة يتحدثن فيها، فوافين بها ليلاً في قمر زاهر، وليلة طلقة ساكنة، وروضة
معشبة خصبة , فلما جلسن قلن: ما رأينا كالليلة ليلةً ولا كهذه الروضة روضة
أطيب ريحًا ولا أنضر , ثم أفضن في الحديث , فقلن: أيُّ النساء أفضل؟
قالت إحداهن: الخرود الودود الولود [١] .
قالت الأخرى: خيرُهنّ ذات الغناء، وطيب الثناء، وشدّة الحياء.
قالت الثالثة: خيرهنّ السَّمُوع الجَموع النفوع غير المنوع.
قالت الرابعة: خيرُهنَّ الجامعة (لأهلها) الوادعة الرافعة، لا الواضعة.
قلن: فأيُّ الرجال أفضل؟ قالت إحداهن: خيرهم الحظيُّ الرضيُّ غير
الحظال ولا التبال [٢] .
قالت الثانية: خيرهم السيد الكريم , ذو الحسب العميم , والمجد القديم.
قالت الثالثة: خيرهم السخيُّ الوفيّ الرضي الذي لا يغير الحُرَّة. ولا يتخذ
الضرّة.
قالت الرابعة: وأبيكنَّ إن في أبي لنعتكنَّ كرم الأخلاق، والصدق عند التلاق،
والفَلَج عند السباق، ويحمده أهل الرفاق، قالت العجفاء عند ذلك: (كل فتاة
بأبيها مُعجبة) فسيرتها مثلاً يضرب في إعجاز المرء برهطه وعشيرته وسائر ما
ينسب إليه.
وفي بعض الروايات أن إحداهن قالت: إن أبي يكرم الجار، ويعظم النار،
وينحر العشار بعد الحُوار، ويحمل الأمور الكبار [٣] .
فقالت الثانية: إن أبي عظيم الخطر، منيع الوزر، عزيز النفر، يحمد منه
الورد والصدر [٤] .
وقالت الثالثة: إن أبي صدوق اللسان، كثير الأعوان، يُروي السنان عند
الطعان.
وقالت الرابعة: إن أبي كريم النزال، منيف المقال، كثير النوال، قليل
السؤال، كريم الفعال، ثم تنافرن إلى كاهنة في الحيّ فقلن لها: اسمعي ما قلنا
واحكمي بيننا واعدلي , ثم أعدن عليها قولهن، فقالت لهن: كل واحدة منكن ماردة،
على الإحسان جاهدة، لصواحباتها حاسدة، ولكن اسمعن قولي: خير النساء
المبقية على بعلها، الصابرة على الضراء مخافة أن ترجع إلى أهلها مطلقة، فهي
تؤثر حظ زوجها على حظ نفسها، فتلك الكريمة الكاملة. وخير الرجال الجواد
البطل، القليل الفشل، إذا سأله الرجل؛ ألفاه قليل العلل، كثير النفل [٥] ، ثم قالت:
كل واحدة منكن بأبيها معجبة.

(المنار)
إذا قابلنا بين هؤلاء النساء وبين المتعلمات من نسائنا اليوم نعلم الفرق العظيم
بين الجاهليات الأميات وبين المسلمات المتعلمات , لا أقول في الفصاحة فقط ولكن
في الأدب وسمو الفكر.