للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


قسم الأحاديث الموضوعة

العلم والعلماء

من الجلي الظاهر أن وضاع الحديث من صنف العلماء وقد وضعوا أحاديث
كثيرة لتعظيم شأن أنفسهم؛ ليعظمهم الناس ويعتقدون تفوقهم واستعلاءهم , ثم
استنبطوا فروعًا فقهية في هذا التعظيم لأنفسهم انتهى بهم الغلوّ فيها إلى أن حكموا
بالكفر على من يهين أحدًا من العلماء حتى قال بعضهم: من قال لبابوج العالم:
بويبيج؛ كفر , أي من صغر الحذاء المضاف إليه في اللفظ؛ يكفر حتى كأنه أشرك
بالله واعتقد أن لأحد غيره سلطة غيبية يضرّ بها وينفع ويتصرف في الأكوان فيما
وراء الأسباب , بل كثيرًا ما يتساهل المتساهلون في جزئيات من مثل هذا
ويروّجونها بالتأويل , ولا يتساهلون فيما يمس أشخاصهم أو منافعهم ولا أعني بهذه
المقدمة أن إهانة العلماء جائزة , حاشا لله أن أجيز إهانة من دونهم , ولكنني أنكر
على الغالين الذين جعلوا دين الله آلة لمنافعهم حتى كذبوا على رسوله صلى الله عليه
وسلم مع علمهم جميعًا بأنه قال: (من كذب عليّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار)
دون من أظهروا الحق.
فمن الأحاديث الموضوعة في العلم والعلماء حديث: (إذا كان يوم القيامة
وضعت منابر من ذهب , عليها قباب من فضة , مفضضة بالدر والياقوت والزمرد
مكللة بالديباج والسندس والإستبرق , ثم ينادي منادي الرحمن: أين من حمل إلى
أمة محمد صلى الله عليه وسلم علمًا يحمله إليهم يريد به وجه الله؟ اجلسوا عليها ثم
ادخلوا الجنة) . رواه الدارقطني عن ابن عمر مرفوعًا وفي إسناده كذاب.
ومنها حديث: (خير الناس المعلمون , كلما خلق (مثلث اللام ومعناه بلي)
جدَّدوه , أعطوهم ولا تستأجروهم فتخرجوهم , فإن المعلم إذا قال للصبي: بسم الله
الرحمن الرحيم فقال الصبي: بسم الله الرحمن الرحيم؛ كتب الله براءةً للصبي
وبراءةً لوالديه وبراءةً للمعلم من النار) . وهو موضوع.
ومنها حديث: (اللهم اغفر للمعلمين , وأطل أعمارهم , وبارك لهم في كسبهم
) رواه الخطيب عن ابن عباس وهو موضوع.
ومنها حديث: (اللهم اغفر للمعلمين لا يذهب القرآن وأعز العلماء لا يذهب
الدين) . وهو موضوع.
ومنها حديث: (من علم عبدًا آية من الكتاب فهو له عبد) قال الحافظ ابن
تيمية: هو موضوع , وقد رواه الطبراني.
ومنها حديث: (الأنبياء قادة , والفقهاء سادة , ومجالستهم زيادة) قال الصغاني
: موضوع , ونقول: إنه زاد في مدح الفقهاء على مدح الأنبياء , وظاهره أن
الواضع يريد المشتغلين بعلم الأحكام الظاهرة , ولم يكن يسمى هذا فقهًا في
العصر الأول كما أنه لم يكن يومئذ في المسلمين صنف يلقبون بالفقهاء.
ومنها حديث: (سأل النبي صلى الله عليه وسلم سائل عن علم الباطن: ما هو
؟ فقال: سألت جبريل عنه , فقال: يقول الله: هو بيني وبين أحبائي وأوليائي
وأصفيائي أودعه في قلوبهم , لا يطلع عليه أحد لا ملك مقرب ولا نبي مرسل) . ذكره
في الذيل عن حذيفة مرفوعا. قال الحافظ ابن حجر: هو موضوع. ونقول: إن فيه من
الضلالة أن الله يهب لهؤلاء الأولياء المعارف التي لا يهبها للأنبياء والملائكة على
الإطلاق , والظاهر أن واضعه من مشايخ الطريق الدجالين.
ومنها حديث: (من خرج في طلب العلم؛ حفته الملائكة بأجنحتها ,
وصلت عليه الطير في السماء والحيتان في البحار , ونزل في السماء منازل سبعين
من الشهداء) . قالوا: في إسناده كذاب.
ومنها حديث: (من تعلم بابًا من العلم ليعلمه الناس ابتغاء وجه الله؛ أعطاه الله
أجر سبعين نبيًّا) . قالوا: في إسناده متروك. ونقول: قاتل الله أمثال هذا الواضع
, فإنهم لم يزاحموا إلا الأنبياء عليهم السلام.
ومنها حديث: (إن أهل الجنة ليحتاجون إلى العلماء) إلخ ما هو مذكور في
الإحياء وغيره , قال الحافظ الذهبي في الميزان: إنه موضوع.
ومنها حديث: (طلب العلم ساعة خير من قيام ليلة , وطلب العلم يومًا خير
من عبادة ثلاثة أشهر) . في إسناده كذاب , وكأنه أراد أن يعتذر عن عدم عبادته.
ومنها حديث: (إذا جلس المتعلم بين يدي المعلم؛ فتح الله عليه سبعين بابًا
من الرحمة) إلخ , وهو موضوع.
ومنها حديث: (من زار العلماء فقد زارني، ومن صافح العلماء فقد صافحني،
ومن جالس العلماء فكأنما جالسني، ومن جالسني في الدنيا أجلس إليّ يوم القيامة) في
إسناده كذاب.
ومنها حديث: (الشيخ في قومه كالنبي في أمته) . جزم ابن حجر وغيره
بأنه موضوع. ومنها الحديث المشهور الذي يعلقه كثير من العلماء فوق رؤوسهم
بالخط العريض تنبيهًا للناس على علو مقامهم وهو: (علماء أمتي كأنبياء بني
إسرائيل) . قال ابن بحر الزركشي: لا أصل له.
(لها بقية)
((يتبع بمقال تالٍ))