للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


مشاكل الدول
(فرنسا) : في شغل شاغل من تأليف وزارتها، فلقد طال الأمد على
انحلالها، ولم يتيسر لأحد ممن عهد إليهم رئيس الجمهورية بتأليفها أن يؤلفها، وفي
ذلك غض من مقام هذه الأمة، ودليل على أن الشأو البعيد الذي بلغته من التمدن لم
يقو على الخلاف والشقاق المتأصل فيها، كما أن فيه مدحة لها بانتظام شؤونها
الإدارية، بحيث تستغني عن الحكومة بتهذيبها زمنًا مديدًا.
(إيطاليا) : لم تزل في قلاقل ومشاكل في داخليتها، ولم تنجح في تأليف
وزارة تحفظ النظام وتعيد الالتئام، ولعمري إن التلميذ المصري لم يبعد عن الصواب
في الحكم عليها بالسقوط من عداد الدول العظام، منذ محاربتها للحبشة، سئل ذلك
التليمذ عند امتحانه في فن تقويم البلدان (الجغرافيا) في إحدى المدارس الأميرية
عن عدد الدول العظام ومن هن؟ فقال: هن روسيا والدولة العلية وإنكلترا وفرنسا
وألمانيا وأوستريا. فقيل له: لم ذكرت الدولة العلية وأسقطت إيطاليا؟ فقال: ما
معناه: إن إيطاليا أسقطتها محاربة الحبشة، حيث تغلبت عليها دولة همجية،
والدولة العلية أظهرت عظمتها الحرب اليونانية حيث بهرت بقوتها وانتظامها جميع
الدول والأمم.
(روسيا) : حملت قساوة الأحكام الروسية بعض مسلمي فرغانة على التألب
على الحكومة، ومصادمة رجالها، فطير مكاتب روتر الأخبار في البرق بأن ذلك
ناشئ عن تعصب المسلمين، دفعهم إليه نشأة السرور بانتصار الدولة العلية على
اليونان. ثم بينت الجرائد الأوروبية أن الحركة كانت بدسيسة جماعة من رجال
الإنكليز جاءوا من الهند وغروا بعض المسلمين بلها مُوهِميهمْ أن ذلك يخفف عنهم
وطأة الأحكام الروسية الثقيلة. ولعمري إنه لا يعقل أن شرذمة من المسلمين تحاول
الانتقام من الروس الجبارين لمخالفتهم لهم في الدين.
(الصين) : قد فتحت هذه الدولة الشرقية بابًا جديدًا لامتلاك الغربيين بلاد
الشرق تحت أسماء لا تدل على الامتلاك، وهو باب الإجارة، فقد آجرت ثغورها
لألمانيا وروسيا وإنكلترا، فأمتلكوها باسم الإجارة، وعظم نفوذهم، وكثر تداخلهم
فيما لم يستأجروه من تلك البلاد، أراد الإنكليز أن ينظموا لها شؤون عساكرها البرية
والبحرية بضباط منهم يستلمون زمامها، وكان نقل أن الصين ترفض هذه المنحة،
فجاء بريد أوروبا يحمل إلينا تكذيب اللورد سالسبوري لما نقل من قبل ويثبت أنها لم
ترفض الطلب، وإنما تأبى إطلاق التصرف لضباط الإنكليز، وتجعل سلطتهم
محدودة.
وقد أنبأنا البرق أخيرًا باحتجاج وكيل روسيا في الصين على القرض الذي
عقدته حكومتها مع مصرف (بنك) هونغ كنغ لمد سكة الحديد من بكين إلى كين
وأن نظارة الخارجية الصينية أجابت روسيا بأنها تنازلت باستئجارها بور آرثر عن
التعرض لشؤون الصين الداخلية، وجهلت هذه الدولة الخرقاء أن وعود السياسة لا
وفاء لها وأن إيجارها سيكون سبب بوارها.
(الدولة واليمن) : هولت بعض الجرائد في حادثة اليمن، حتى زعمت أن
الثوار حاصرت صنعاء، وأن زعيم العصاة قام يطالب بالخلافة، وأن الإنكليز
يمدونهم، وقد بينت جرائد الآستانة العلية من قبل أن الاضطراب في اليمن نشأ عن
القحط، وامتد بعض الامتداد، فبادر لعلاجه مولانا السلطان الأعظم، أيده الله تعالى،
بإرسال القوت؛ لإشباع الجائع، والعساكر؛ لتأديب الشاغب، وقد جاء في أخبار
الآستانة: أن الدولة العلية قررت إرسال ١٦ ألف عسكري لليمن لإعادة الأمن،
ومن يستغرب حصول الشغب في اليمن من جراء القحط، وقد حصل في إيطاليا
أضعاف أضعافه، على أنه ورد في أنباء اليمن الرسمية أن زعيم الفتنة المسمى:
ناصر العمر قد خضع واستسلم للحكومة، وقد أرسل مع ابنه حمود وعشرة من
مشايخ القبائل إلى صنعاء، وهذا يعد مِنْ يُمْنِ طالع مولانا أمير المؤمنين وتوفيقاته
الإلهية.
(اليونان) : لم تطأ أقدام اليونانيين أرض غولوس بعد جلاء الجنود المظفرة
عنها، حتى طفقوا يعيثون في الأرض فسادًا، من هدم المساجد، وقتل المسلمين،
وحرق جثث البعض منهم، ونحن نستلفت الأنظار إلى التفرقة بين عساكرنا المهذبة
وما كان من أدبها مع انتصارها، وبين هؤلاء السفهاء وماذا يفعلون، مع خذلانهم،
وانكسارهم، ولا نملأ الدنيا صراخًا وعويلاً بالتنديد بالقوم، ورميهم بالتعصب الذي
ترمينا به جرائدهم، إذا قلنا: بلادنا أو.. وإنما نسأل كل عاقل عن رأيه في بغي
هؤلاء، لو انتصروا هل يصل خياله إلى تصوره وتحديده؟ وقد استاء الباب العالي
لذلك جدًا، وأرسل مذكرة شديدة اللهجة إلى حكومة اليونان، وأخبر سفراء الدول
بالأمر رسميًّا.