للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: عبد العزيز محمد


أميل القرن التاسع عشر

الباب الثاني (الولد) من كتاب
(٢٣) من هيلانة إلى أراسم في ١٤ يناير سنة - ١٨٥
قد لاحظت أن (أميل) كلما صحبني إلى دار السيدة وارنجتون , ووجد هناك
نسوة من المدينة اصطفى لمعرفته منهن عادة أحسنهن خلقًا , وربما دل ذلك على أن
للجمال تأثيرًا في نفوس الأطفال.
وقد بدا لي منه أيضًا أنه يحب الشيوخ , ولعل السبب فيه احتياج الأطفال إلى
كثرة التعلم. وميل الشيوخ إلى الإكثار من التكلم.
لكن لا يدعونك هذا إلى أن تتصور فيه أنه مثال لأترابه على أنني لا أريد أن
أفتات عليك بالحكم في هذا الأمر فأدعه لك تحكم فيه بنفسك.
أنا ألوم نفسي وأبكتها على استمتاعها دونك بما تجده في منتآي من السكينة
والدعة , وقد عزمت من أجل هذا أن أبذل نفسي لك كما بذلت من نفسك ,
فاستأجرت مخدعًا في سفينة ستقلع من بنزانس إلى ... فعليك إذن أن ترتقب لقانا.
اهـ
(٢٤) من أراسم إلى هيلانة في ٢٠ منه
ترددت حينًا في الكتابة إليك لأني لم أجد في نفسي من الإقدام ما يبعثني على
إخبارك بآخر بلاء أصابني , وإني على ما أعلمه الآن من أنك قد تطالعين خبر هذا
البلاء في الصحف أفضل أن أنبئك به على كل حال ذلك أنه قد صدر من حيث لا
أدري أمر بنقلي إلى....
ليس شأني كما تعلمين شأن المقضيّ عليه بعقاب , فهو يذوق عذابه لأن هذا
في قبضة القانون , وأما أنا ففي قبضة القوة تصرفني كيفما شاءت , فلست أدري
من ذا الذي قضى عليّ , وأمر اتهامي سرٌّ يعلمه الله , وأنا سألت: ماذا يراد بي؟
ومتى وأين ينتهي عقابي؟ وهل هذا النقل الحديث آخر مرحلة من مراحل سفري
الأليم الممض , فلا أجد جوابًا لواحد من هذه الأسئلة.
على أنه لا ينبغي أن ترتاعي لهذه المحنة الجديدة , فإن البحار تعرفني وأنا
أعرفها , وقد عشت في أقاليم مختلفة فأصبح في استطاعتي احتمال حرارة الشمس
ورطوبة السواحل.
وعليك الآن أن تكفي عن التمسك بأمل اللقاء , فإن بيننا بحرًا كالصحراء
وأرضين وبيئة , وأن تبذلي نفسك في سبيل تربية ولدنا , وعلينا جميعًا أن ندأب
في عملنا , وأن نتلقى كل ما يعترضنا من العقبات بعزيمة صادقة وقصد ثابت.
أرجو موافاتي بأخبار (أميل) متى تيسر لك ذلك.
إن فيما انطوت عليه أحشائي أمرين لو اجتمعت قوى البشر على أن تسلبني
إياهما لردت بالخيبة والخسار , ألا وهما: فكري وحبُّكِ فيكفيني ما لدي من البراهين
اليقينية على أني محق في تقويتي على احتمال ما ابتليت به من الاضطهاد والظلم ,
اهـ.
((يتبع بمقال تالٍ))