للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


الأحاديث الموضوعة
في العلم والعلماء
(تابع)

ومنها حديث: (من أراد أن يؤتيه الله علمًا بغير تعلم وهدى بغير هداية
فليزهد في الدنيا) . قال في المختصر: لم يوجد , ونقول: إنه مناقض للواقع
وللحديث المعقول وهو (العلم بالتعلّم والحلم بالتحلم) .
ومنها حديث: (الصلاة خلف العالم بأربعة آلاف وأربعمائة وأربعين صلاة) .
قالوا: وهو حديث باطل. ونقول: كأن واضعه كان يصلي إمامًا وأحب أن
يجذب إليه الناس لأنه يلبس لباس العلماء فويل لمثله من المصلين.
ومنها حديث: (إن لم يكن العلماء أولياء فليس لي وليٌّ) . قال في المقاصد:
لا أعرفه حديثًا , وروي بلفظ: (إن لم يكن الفقهاء أولياء الله في الآخرة فما لله
ولي) . نقول كما قلنا من قبل: إن لفظ ولي وأولياء بالمعنى الذي يفهمه الناس من
هذا القول لم يكن مستعملاً في عصر النبي صلى الله عليه وسلم , وإنما كان اللفظ
يستعمل في معناه اللغوي وهو الناصر والمُوالي , ونزيد الآن أنه لما حدث في
المسلمين الاعتقاد بأن في الناس صنفًا يسمّون الأولياء لهم شئون غيبية , ووظائف
في الدولة الروحانية , وتصرفات في العوالم العلوية والسفلية , وكان من علامتهم
عندهم إظهار التقشف والزهد في الدنيا وزيادة عبادات في الدين وغير ذلك - كبر
هذا الاعتقاد على العلماء , فمنهم من قاومه بالطرق العلمية كما يليق بالعلماء ,
ومنهم من حسد الصوفية والمتصوفة الذين تخصهم العامة بهذا الاعتقاد , فآذوا
الصادق منهم والكاذب والصالح والمنافق , ثم حاولوا إقناع الناس بأنهم هم الأولياء
فوضعوا لهم مثل هذا الحديث الآتي. ولا شك أن العلماء العاملين هم أولياء الله
وأنصار دينه.
ومنها حديث: (حضور مجلس عالم أفضل من صلاة ألف عابد) . ذكره
ابن الجوزي في الموضوعات. وفي معناه أحاديث كثيرة اعتنوا بها وأكثروا من
تناقلها فكثرت رواتها حتى اغتر بعض المحدثين فقال: إنها ضعيفة غير موضوعة.
منها حديث: (ما عند الله شيء أفضل من فقه في دين , وفقيه واحد أشد على
الشيطان من ألف عابد , ولكل شيء عماد , وعماد هذا الدين الفقه) . ولا تغتر
بقول المختصر أو المقاصد: إن أسانيد الحديث ضعيفة فحسبك عبارته دليلاً على
أن وضعه كان بعدما تنوعت العلوم الدينية في الملة , وصارت العناية منصرفة إلى
ما سموه (علم الفقه) , وهو علم الأحكام الظاهرية التي تنافسوا فيها وأكثروا من
التأليف ابتغاء المناصب والتقرب إلى الأمراء والسلاطين كما أوضحه الإمام حجة
الإسلام الغزالي رحمه الله تعالى. وينقل عنه أنه بعدما تصوف وانتهى إلى مقام
الكمال أراد أن يحرق جميع كتبه التي ألفها في الفقه , ولكنها كانت انتشرت في
الناس وقال: إننا ألفناها لغير الله , ويحكى أن بعضهم قال له: (فأبقها لله) , وقد
أوضحنا غير مرة أن الفقه بهذا المعنى هو أقل ما في الدين ولذلك لم يحتفل به
القرآن , ولم يرد منه في السنة الصحيحة أيضًا إلا القليل ولكنهم اعتنوا بجمعه فكثر.
وإنما عماد الدين وقوامه هو الاعتقاد الصحيح وتطهير العقول من لوث الخرافات
والأوهام وتزكية النفوس من أدران الرذائل والآثام لتكون أهلاً للقرب من الله تعالى
ومجاورة الروحانيين في الملكوت الأعلى ومقام القدس الأسمى. وما وضعت
الشريعة القواعد العامة لأحكام التشريع التي يسمّونها فقهًا إلا لتكون كاملة لا يحتاج
الآخذون بها في مدنيتهم التي يمنحها إياهم دينهم إلى قوانين الأمم الأخرى , ولا
يقاسون العناء في تعريبها وتطبيقها على مصالحهم , ولتكون أحكام القوانين
باستنادها على أصول الدين مسلطة على الضمائر. وحاكمة على السرائر. لا على
مجرد الظواهر. فيكون صلاح حال الناس بها أكمل , ومراعاتهم لها أتم. ولولا
ذلك لَمَا بَعُدَ أن يبيح النبي للمسلمين أن يأخذوا بأي قانون في أمور الدنيا لأن
المقصود الأهم من الدين وراء هذه الظواهر , ألا ترى أن من أصول الشريعة
تحكيم العُرف، واعتبرْ بحديث البخاري: (أنتم أعلم بأمور دنياكم) وقد سبح بنا
القلم في موضوع كان يجب أن يكتب فيه بالاستقلال.
ومنها حديث: (إذا مات العالم ثلم في الإسلام ثلمة لا يسدّها شيء إلى يوم
القيامة) . لم يثبت وقيل: إنه من كلام علي كرم الله وجهه , ولا أراه صحيح
النسب إليه إذ معناه غير صحيح , لأن موت العالم ثلمة يسدها وجود عالم آخر مثله
أو خير منه والإسلام إسلام.
ومنها حديث: (النظر إلى وجه العالم عبادة) . رواه الديلمي بلا سند وهو
كما ترى.
ومنها حديث: (مداد العلماء أفضل من دام الشهداء) . قال في المقاصد:
هو من قول الحسن البصري. ورواه ابن عبد البر عن أبي الدرداء مرفوعًا بلفظ:
(يوزن يوم القيامة مداد العلماء ودم الشهداء) وروى الخطيب عن ابن عمر:
(وزن حبر العلماء بدم الشهداء فرجح عليهم) , وفي إسناده متهم بالوضع وروى
لفظه من رواه: (دواة عالم أحب إلى الله من عرق مائة ثوب شهيد) قال في الذيل:
موضوع. والاعتبار فيه كما في حديث الأولياء.
ومنها حديث: (صرير الأقلام عند الأحاديث يعدل عند الله التكبير ... )
إلخ قال في الميزان: هذا باطل.
((يتبع بمقال تالٍ))