للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


البدع والخرافات والتقاليد والعادات

رمضان
هذا هو شهر الرياضة الروحية للمسلمين يكثرون فيه الصلوات والصدقات
وتلاوة القرآن الشريف ومدارسة العلم والإكثار من مجالس الوعظ. ولكن لم تسلم
عبادة من هذه العبادات من البدع والمنكرات كما سنشرحه , ولكننا ننبه الآن على
أهمها وأعظمها ضررًا , وهو انتشار الوعاظ الجهال في المساجد ينفثون سموم
التعاليم الفاسدة في أرواح العوام فيزيدونها مرضًا على مرض حتى تكون حرضًا أو
تكون من الهالكين. فنقترح على الأستاذين الكبيرين اللذين من وظيفتهما تلافي هذا
الأمر - شيخ الجامع الأزهر وشيخ المسجد الحسيني - أن يمنعا الجاهلين والدجالين
من الوعظ. ومن كان أمره مستورًا؛ يراقب من بعض أهل العلم بأمرهما حتى إذا
خلط وأساء يمنع. ونقترح على أفاضل العلماء أن ينتشروا في المساجد مذكرين
ومعلمين حتى لا يدعوا سبيلاً للقصاصين.
***
بدعة تعظيم القبور
معصية أم كفر
حديث أحمد والبخاري ومسلم في لعن الذين اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد
مشهور. وفي رواية لهم أخرجها النسائي أيضًا أنه قال عليه الصلاة والسلام:
(أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجدًا وصوروا فيه تلك
الصور أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة) ومن عجيب أمر المسلمين في
التلاعب في دينهم أنك في كثير من بلادهم (كهذا القطر) لا تكاد تجد مسجدًا إلاّ
وفيه قبر لأحد الصالحين ولكن الذين يلبسون لباس الدين يهوّلون أمر الصور وإن لم
تكن فيها أدنى شبهة تتعلق بالدين والعبادة ويؤولون للذين اتخذوا القبور أوثانًا وإن
عبدوها عبادةً حقيقيةً كما كان يعبدها الذين لعنهم النبي صلى الله عليه وسلم والتاريخ
شاهد عدل على ذلك , والأحاديث في لعن الذين يتخذون قبور الصالحين مساجد
والنهي عن ذلك كثيرة , ومنها في حديث الطبراني: (ألا وإن الأمم قبلكم كانوا
يتخذون قبور أنبيائهم مساجد وإني أنهاكم عن ذلك اللهم إني بلغت (ثلاث مرات)
ثم قال: اللهم اشهد (ثلاث مرات) .
وروى أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن حبان عن ابن
عباس رضي الله عنهما: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زائرات القبور
والمتخذين عليها المساجد والسرج. وأنت ترى لا سيما في هذا الشهر شهر العبادة
الشموع والسرج الغازية تزهر على القبور التي شيدت عليها المساجد والقباب وترى
النساء والرجال حتى بعض العلماء منهم يطوفون بها ويصلون إليها. سبحان الله ما
أقوى سلطان العادات الرديئة على الإنسان يستبيح ما يحظره دينه ويسميه بدعة
حسنة ثم يجعله من نفس الدين ثم يطعن في دين من يقف عند نصوص الدين
الصحيحة ويتمسك بعقائده الرجحية.
تساهل بعض الفقهاء بإنكار هذه الفتن التي كان النبي صلى الله عليه وسلم
يكرر النهي عنها في مرض الموت ويلعن فاعليها فأدى ذلك إلى جعلها من مهمات
الدين.
(١) اتخاذ القبور مساجد.
(٢) إيقاد السرج عليها.
(٣) اتخاذها أوثانًا.
(٤) الطواف بها.
(٥) استلامها.
(٦) الصلاة إليها.
ست بدع سماها ابن حجر في الزواجر كبائر مع أن بعضها من الشرك , وقد
بحث فيها بعد إيراد الأحاديث الصحيحة الواردة في حظرها بحثًا نذكره حجة على
المخذولين الذين يقترفون هذه الموبقات , ولا يقبلون نصوص الكتاب والسنة في
التشديد فيها زعمًا منهم أن المقلد لا يأخذ إلا بقول الفقهاء. قال هذا الفقيه الشهير
رحمه الله تعالى ما نصه:
(عَدُّ هذه الستة من الكبائر وقع في كلام بعض الشافعية , وكأنه أخذ ذلك مما
ذكرته من هذه الأحاديث. ووجه أخذ اتخاذ القبر مسجدًا منها واضح؛ لأنه لعن من
فعل ذلك بقبور أنبيائه وجعل من فعل ذلك بقبور صلحائه شر الخلق عند الله يوم
القيامة ففيه تحذير لنا كما في رواية (يحذر ما صنعوا) أي يحذر أمته بقوله لهم
ذلك من أن يصنعوا كصنع أولئك فيلعنوا كما لعنوا , واتخاذ القبر مسجدًا معناه
الصلاة عليه أو إليه , وحينئذ فقوله: (والصلاة إليها) مكرر إلا أن يراد باتخاذها
مساجد الصلاة عليها فقط. نعم إنما يتجه هذا الأخذ إن كان القبر قبر مُعَظَّم من نبي
أو ولي كما أشارت إليه رواية (إذا كان فيهم الرجل الصالح) , ومن ثم قال
أصحابنا: تحرم الصلاة إلى قبور الأنبياء والأولياء تبركًا وإعظامًا. فاشترطوا
شيئين أن يكون قبر معظم , وأن يقصد بالصلاة إليه - ومثلها الصلاة عليه -
التبرك والإعظام. وكونُ هذا الفعل كبيرة ظاهر من الأحاديث المذكورة لما علمت.
وكأنه قاس على ذلك كل تعظيم كإيقاد السرج عليه تعظيمًا له وتبركًا به. والطواف
به كذلك. وهو أخذ غير بعيد سيما وقد صرّح في الحديث المذكور آنفًا بلعن من
اتخذ على القبر سرجًا. فيحمل قول أصحابنا بكراهة ذلك على ما إذا لم يقصد به
تعظيمًا وتبركًا بذي القبر.
وأما اتخاذها أوثانًا فجاء النهي عنه بقوله صلى الله عليه وسلم: (ولا تتخذوا
قبري وثنًا يعبد بعدي) أي لا تعظموه تعظيم غيركم لأوثانهم بالسجود له أو نحوه.
فإن أراد ذلك الإمام بقوله: واتخاذها أوثانًا هذا المعنى اتجه ما قاله من أن ذلك
كبيرة بل كفر بشرطه. وإن أراد أن مطلق التعظيم الذي لم يؤذن به كبيرة ففيه
بُعْد [١] .
نعم قال بعض الحنابلة: قصد الرجل الصلاة عند القبر متبركًا بها عين
المحادّة لله ورسوله , وإبداع دين لم يأذن به الله للنهي عنها ثمَّ إجماعًا فإن أعظم
المحرمات وأسباب الشرك الصلاة عندها واتخاذها مساجد وبناؤها عليها. والقول
بالكراهة محمول على غير ذلك , إذ لا يليق بالعلماء تجويز فعل تواتر عن النبي
صلى الله عليه وسلم لعن فاعله. وتجب المبادرة لهدمها وهدم القباب التي على
القبور إذ هي أضر من مسجد الضرار لأنها أسست على معصية رسول الله صلى
الله عليه وسلم؛ لأنه نهى عن ذلك , وأمر صلى الله عليه وسلم بهدم القبور المشرفة
وتجب إزالة كل قنديل أو سراج على قبر , ولا يصح وقفه ونذره انتهى) .
هذا ما جاء في الزواجر بحروفه , وفيه إلجام لمنافقي هذا الزمان الذين
يسهلون على الناس هدم دينهم وحمل لعنة النبي صلى الله عليه وسلم , بل يوقعونهم
في خطر المروق من الإسلام ومحادة الله ورسوله (معاداتهما) لأجل قليل من
الحطام الذي ينالهم من النذور فيأكلونه سحتًا {اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَصَدُّوا
عَن سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (التوبة: ٩) .