للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


الأخبار التاريخية

(السلك البرقي الحجازي)
وصل هذا السلك إلى المدينة المنورة في شهر رمضان المعظم , وورد منها
رسالة برقية على دولة الغازي مختار باشا تهنئه بشهر الصوم تصريحًا وتبشره
بوصول الخط تضمينًا. ويا لها من مأثرة تزين تاريخ مولانا السلطان الأعظم ثم
تاريخ حاجبه الأمين الذي تولى هذا العمل الجليل وأنجزه بأقرب وقت ألا وهو
صاحب السعادة الفريق صادق باشا العظم أكثر الله تعالى في الدولة من أمثاله.
***
(الإذن بالحج لمسلمي الجزائر)
قرأنا في جريدة المبشر الغراء (وهي الجريدة الرسمية لولاية الجزائر)
الصادرة في ٢١ رمضان أن والي الجزائر العام أصدر إذنه في ١١ يناير لمسلمي
الجزائرية بالحج بناء على أن الحالة الصحية في النواحي الشرقية تحسنت , وأن
المحجر الصحي في الطور بلغ درجة مرضية. ولا شك أن سيتلو هذا الإذن إذن
آخر لمسلمي تونس لأن العلة في المنع الرسميّ واحدة , وبذلك تدحض حجة الذين
يقولون: إن فرنسا تمنع رعاياها ومن تحت حمايتها من المسلمين من أداء الحج
بباعث التعصب الديني وقصد محو الشعائر الإسلامية.
***
(البوير والإنكليز)
عادت الحرب إلى شبابها، أو شبوبها بعد ما ظن الناس أنها خمدت نارها
ووضعت أوزارها , ورجع القائد العام للجنود الإنكليزية إلى إنكلترا وكثير من الجند
أيضًا , ويظهر أن هؤلاء البوير الذين أدهشوا العالم ببسالتهم ودهائهم لما رأوا من
عدوّهم كثرة الزحوف ومئات الألوف علموا أنه لا قبل لهم بمصادمتها فخلوا السبيل
بينهم وبين عاصمة بلادهم (بريتوريا) بعدما أخفوا السلاح وذهبوا بالخيول فلما
اغتر الإنكليز بدخول العاصمة ورأوا أن الرئيس كروجر المدبر العظيم خرج من
بلاده متظلمًا إلى أوروبا , وأعلنوا امتلاكهم لجمهوريتي الترانسفال وأورانج , وكان
من أمر قائدهم ما ذكرنا وفرقوا قوتهم في البلاد التي احتلوها - قلب البوير لهم
ظهر المجن , وأظهروا قوتهم الكامنة وزحفوا على مستعمرة الكاب الإنكليزية
يثيرون ثائرة إخوتهم في الجنس الهولندي من رعايا الإنكليز على مساعدتهم ,
وأنشأوا يناوشون الإنكليز من مواضع مختلفة فيحالفهم النجاح في الغالب ويقطعون
السكك الحديدية الإنكليزية وينهبون ما فيها , وظهر للإنكليز أن قائد البوير (دي
ويت) شيطان مارد لا نظير له عندهم ولا عند غيرهم وأن السلاح والخيول عند
العدوّ كثيرة جدًّا , وأن خيول البوير مضمرة ومعلمة بحيث تشبه خيول التتار الذين
أغاروا على المسلمين فمزقوا شملهم , فاضطر اللورد كتشنر إلى طلب الخيول
والجيوش من بريطانيا , وقد صار الحكم على هذه الحرب أحوج من قبل إلى كثرة
التروي وإلى الله تصير الأمور.
***
وفيات
(سعد الدين باشا القباني)
في يوم الجمعة ٢٧ رمضان وافت هذا الشيخ الجليل منيته عن ٨٨ سنة قضى
معظمها في خدمة الدولة العلية ما بين عسكرية وملكية. وهو كبير بيت القباني
الكريم في بيروت وشقيق زميلنا الفاضل الشهير صاحب السعادة عبد القادر بك
القباني صاحب جريدة ثمرات الفنون الغراء ورئيس البلدية في بيروت , فنعزي
شقيقه وسائر آله على فقده ونسأل الله تعالى أن يتغمد فقيدهم برحمته ويسكنه فسيح
جنته آمين.
(جمال الدين أفندي قاضي مصر)
في يوم عيد الفطر نزل القضاء الإلهي بهذا الرجل الفاضل الجليل بعد مرض
طويل , وكان من أصحاب رتبة قاضي عسكر التي هى أعلى الرتب العلمية في
الدولة العلية , وتولَّى منصب القضاء في بيروت وغيرها قبل مصر فكان مثال العفة
والاستقامة، ومكارم الأخلاق كما كان في السنين العشر التي قضاها في قضاء
مصر , ولا غرو فهو من بيوتات المجد المشهورة بالفضائل في الأستانة العلية ,
مات عن نحو ستين سنة تغمده الله تعالى برحمته وغفرانه وعوَّض مصر عنه خيرًا
بتوفيق مولانا السلطان الأعظم لتولية قاض عادل فاضل لمصر يقيم القسط، ويحفظ
شرف الشريعة.
***
(فكتوريا ملكة الإنكليز)

في اليوم الثاني من شوال و٢٢ يناير الماضي قضت نحبها هذه الملكة العظيمة
وفارقت ملكها الكبير ذا الشأن الخطير عن ثلاث وثمانين سنة ثلاثة أرباعها بل أكثر
على عرش الملك والعظمة ومستقر العز والقوة فقد كانت مدة حكمها ٦٤ سنة. أما
تاريخ حياتها وما نالته من السعادة , وعظم السيادة , فلا تفي به المجلدات. بله هذه
الورقات , ولا بد من إجمال قليل إذا لم يمكن التطويل بالتفصيل.
(مولدها ونشأتها)
هي ألكسندرينا فيكتوريا بنت دوق كنت بن الملك جورج الثالث ملك إنكلترا ,
وحفيد الملك جورج الثاني ابن الملك جورج الأول الألماني الأصل لأنه كان أمير
هنوفر. ولدت في ٢٤ مايو ١٨١٩ ووالدتها (لويزا فيكتوريا) بنت دوق ألماني
وأخت ليوبولد الأول ملك بلجيكا. ومات والدها وهي في السنة الثانية فقامت والدتها
بتربيتها أحسن قيام أهَّلها لإدارة ذلك الملك الواسع , وإذا قلت لإدارة كرة الأرض لم
تكن مغاليًا , وقد استعانت والدتها على تربيتها بمربية بارعة اسمها البارونة لهزن
لها معها شئون مدونة في الكتب يقرؤها الإنكليز للاقتداء والفكاهة والافتخار. ولما
تم لها ١١ سنة كانت تعلمت اللغات الألمانية والفرنساوية والإيطالية واللاتينية مع
آداب اللغة الإنكليزية , وتعلمت الموسيقى والرسم والتصوير وبعض الأشغال
اليدوية ونظرت في الفنون الرياضية وكان لها مزيد عناية بالدين. وكانت حسنة
الأخلاق لطيفة المعاشرة كاملة الآداب. وكانت والدتها ومربياتها عارفات بأن ملك
إنكلترا سيئول إليها لأن عمها جورج الرابع مات من غير ولد فخلفه عمها وليم
الرابع وكان له بنتان ماتتا في عهدها وهو حيٌّ فتلطفت معلمتها البارونة بإعلامها
أنها ولية العهد بالمواطأة مع والدتها بأن وضعت لها شجرة بيت الملك في كتاب
كانت تطالعه فلما رأتها قالت: إنني أقرب إلى الملك مما كنت أحسب. ثم قالت:
إن الملك عظيم ومجده كبير ولكن أعباءه أكبر. وقالت لمعلمتها: الآن فهمت سبب
إلحاحك عليّ بإتقان اللغة اللاتينية.
(جلوسها)
مات عمها ملك إنكلترا في ٢٠ يونيو سنة ١٨٣٧ بعد نصف الليل فأسرع
رئيس الأساقفة ومركيز كوننهام وأحد الأطباء الذين حضروا موته إلى قصر الأميرة
فيكتوريا فلما أيقظت وأعلموها طلبت من الأسقف أن يصلي ثم كتبت إلى امرأة
عمها كتاب تعزية لقبتها فيه بجلالة الملكة حتى لا تكون أول من يسلبها هذا اللقب.
وتلك نهاية الأدب. ونودي بها في اليوم التالي ملكة على الإنكليز وبعد سنة وثمانية
أيام احتفل بتتويجها أعظم احتفال.
(تتويجها)
توّجت الملكة في كنيسة وستمنستر كما هي العادة المتبعة عند ملوك الإنكليز ,
فزينت الكنيسة الزينة التي تقتضيها عظمة الملك, وكان أول العمل أن وقفت أمام
رئيس الأساقفة ووضعت يدها على التوراة راكعة , وحلفت أنها تحكم البلاد بحسب
دستور مجلس الأمة (البارلمنت) وقوانين البلاد مع العدل والرحمة , وأنها تحافظ
على حقوق خدمة الدين , ثم قدم لها لورد ملبرن سيف المملكة , وافتداه بعد ذلك
بخمسة جنيهات حسب التقاليد , وألبست حلة الملك وخاتمه وأعطيت الكرة
والصولجان ودهنت بالدهن المقدس , وألبسها رؤساء الكهنة التاج وأجلست على
عرش الطاعة , وجثا أمامها رئيس الأساقفة , وقبل يدها وتلاه سائر رؤساء الكهنة
ثم خضع لها عمَّاها دوق سسكس ودوق كمبردج ثم سائر الأمراء. وكان ذلك اليوم
مطيرًا فاتفق أن تقشعت الغيوم وبرزت الشمس عند وضع التاج على رأسها فوقع
شعاعها عليه فتألقت جواهره وتلألات حتى كادت تخطف الأبصار فكان ذلك فألاً
حسنًا للحاضرين.
(زواجها)
كان الأمير ألبرت ابن خالها ليوبولد ملك البلجيك زار إنكلترا ورأته الأميرة
فيكتوريا فأعجبها جماله وكماله وعزمت على الاقتران به , ثم شغلها الملك وحقوقه
عن ذلك وما ذكرها به إلا زيارته لها في إنكلترا , وكان أهلهما يتوقعون اقترانهما؛
فكان. وبعد مشاورتها مجلس الأمة وإقراره على الزواج احتفل به في ١٠ فبراير
سنة ١٨٤٠ في كنيسة قصر سنت جمس. ومما يحسن ذكره هنا أن من التقاليد
عندهم أن يقرأ عند صلاة الاقتران فصل من الكتاب المقدس تؤمر فيه المرأة بطاعة
الرجل , فسأل الأسقف الملكة: هل تبيح له ذلك وتأذن به؟ فأجابته جواب العاقل
الحكيم: (إنني أقترن امرأة لا ملكة فلا تحذف شيئًا من كلام الكتاب) ، وكذلك
كانت تعامل زوجها بعد، وكان لها كما كانت له خير عون وظهير. وكانا تِرْبَين؛
لأن ولادته كانت في شهر ٥ أغسطس (آب) ، أي: بعد ولادتها بنحو ٣ أشهر
وعاش معها ٢١ سنة
(ستأتي بقية الترجمة)
***
أخبار الهند
(جريدة وطن)
وافتنا الأعداد الأُوَل من هذه الجريدة الإسلامية الجديدة التي تصدر في مدينة
لاهور من الهند لمنشئها الكاتب الفاضل محمد إنشاء الله محرر جريدة (وكيل)
سابقًا المشهور بمقالاته النافعة واقتراحاته المفيدة التي منها: مشروع سكة حديد بين
بورسعيد والبصرة الذي تكلمنا عنه في العدد الأول من المنار. ولهذا نراه في
جريدته الجديدة يحث مسلمي الهند على إعانة سكة حديد الحجاز بالمال حتى جعل
من لا يساعد هذا العمل بشيء من المال ممن لا حظ لهم في الإسلام , ولا ينبغي أن
يعد من المسلمين.
ومن أهم أخبار هذه الجريدة بل من بشائرها السارة أن أمير الأفغان المعظم
أعزه الله وأطال عمره أصدر أمرًا بتعميم التعليم الإجباري في المدارس , وأن لا
يكون التعليم بالإرهاب والغلظة لأن ذلك يطفىء نور الفطرة ويذهب بقابلية التعليم ,
وإنما يكون التعليم بالتعقل والتلطف. ومنع ضرب التلامذة منعًا قطعيًّا وجعل عقوبة
الضارب إدخاله في سلك الجندية.
(جريدة بيسه أخبار)
نشر الفاضل صاحب هذه الجريدة الكبرى فصلاً آخر فيما شاهده بمصر ذكر
فيه المطابع والجرائد فأثنى على مطبعة الترقي بالاتفاق الذي عرفه كما نعرفه نحن
وذكر المؤيد وما له من المكانة في نفوس العظماء، والوجهاء حتى ذكر أنهم
يخافونه , ووصف صاحبه الفاضل وصفًا صوريًّا معنويًّا حتى قال: إنه لا يعرف
اللغات الأجنبية ولكن عنده من يعرفها ويترجم له. وذكر اللواء شيئًا من سيرة
صاحبه منها قوله: (إنه شاب يلبس اللبس الأفرنجي ويعرف الفرنسوية وعنده
حميّة على وطنه وشهرته أكبر منه) , وذكر المقطم وتعقُّبه للمؤيد في الطعن
بالإنكليز , وقال: إنه يأخذ على ذلك أجرًا.
ثم ذكر المجلات فوصف الهلال وأثنى عليه ولم يذكر المقتطف , وأطال في
ذكر المنار ما لم يطل في ذكر غيره فقال ترجمته ملخصًا.
(صاحب جريدة المنار رشيد أفندي شاب عالم فاضل , وكثيرًا ما كنت أرى
في الجرائد الهندية مقالات مترجمة عن المنار. وكتابته في المسائل الإسلامية في
الدرجة العليا , وهو يحاول الرجوع بالمسلمين في دينهم (أي لا في دنياهم لأن
أحوال الدنيا تختلف باختلاف الأزمنة والأطوار) إلى سيرة الصحابة الكرام عليهم
الرضوان) ، ثم قال:
(واجتمعت بالسيد محمد أفندي عبده مفتي الديار المصرية بواسطته وفي
داره وهو أجل الفضلاء في العلوم الدينية , وليس بغافل عن أحوال الزمن الحاضر
وشؤون العصر. وهو ركن من أركان كثير من مجالس الحكومة ومحب للنفع العام
بحمية صحيحة متقدة في قلبه) اهـ.
***
(المدنيتان الإسلامية والأوربية)
نقلت الجرائد أن الجيش الأوروبي المختلط في الصين قد خرج عن القواعد
الموضوعة في الحرب فهتك الأعراض ومثَّل بالقتلى وفتك بمن لا تجيز القوانين
الفتك به كالنساء , ولا بدع في هذا فإن الأوروبيين لا يحترم بعضهم بعضًا إلا
لتكافؤ القوى ومبادلة المنافع ودرء المضار وهم إلى الآن لم يصلوا إلى عشر معشار
الآداب الإسلامية في أول نشأتهم حيث حرم الدين عليهم مقاتلة من لا يقاتلهم كالنساء
ورجال الدين والأطفال والشيوخ وحرم عليهم التمثيل وهتك الأعراض. وما أباح
لهم سبي النساء والتسري بهن إلا ليكون لنساء القتلى ونحوهم كافل شرعي يقوم
بشؤونهن كنفسه , وإذا رأى الإمام المصلحة بخلاف هذا يأمر به فليس الاسترقاق
من فروض الدين.
ألا إن المدنية الصحيحة قوامها الدين ولولا ما دخل على المسلمين من البدع
والانحراف عن صراط الإسلام لدخل فيه معظم الغربيين , وسيكون هو المحقق
أمنية فلاسفة الاجتماع بوحدة البشر وكمال مدنيتهم ولو بعد حين.
***
(تهنئة الوطن)
نهني لواء طرابلس الشام بإغاثة سيدنا ومولانا أمير المؤمنين (أيده الله تعالى)
لهم حيث أصدر إرادته السنية بعزل متصرفهم السابق بدري باشا الذي كان
يسومهم سوء العذاب حتى كاد يهلك هو وجنوده الحرث والنسل وبأخذه مهانًا تحت
الحفظ إلى الأستانة ليذوق وبال أمره وعاقبة استبداده حيث لا تنفعه سماحة ظهيره
ونسيبه الشيخ أبي الهدى أفندي ولا تغني عنه من عدالة مولانا الخليفة شيئًا.
ثم أنعم عليهم بمتصرف جديد محا معالم ذلك الاستبداد. وطمس رسوم ذلك
الفساد. ألا وهو صاحب السعادة الهمام عبد الغني باشا العابد شقيق أخلص
المخلصين. لسيدنا ومولانا أمير المؤمنين. عطوفتلو أحمد عزت بك العابد أشد
رجال المابين اجتهادًا في تحقيق رغبة مولاه في مشروع سكة حديد الحجاز وكفى
بها منقبة.
***
(سكة حديد الحجاز)
أرى المصريين قد فترت دون هذا المشروع العظيم هممهم. وتراخت
عزائمهم. وخمدت حميتهم. والمسلمون في جميع أقطار الأرض يزدادون همة
ونشاطًا في جميع الإعانات لإحياء البلاد المقدسة وتسهيل سبيل بيت الله على
قاصديه.
ما هو عذر المصريين وهم مشهورون بالسخاء وحب المباراة في المجد؟
عذرهم أنه لم يقم برياسة هذا العمل المبرور رجل عظيم كما قام صاحب الدولة
رياض باشا برياسة لجان الإعانة العسكرية الشاهانية. ولكن لماذا لا يبذل
المصريون المال إلا إذا كان طلبه تحت رياسة رجل عظيم؟ ثم ألا يوجد في كل
مديرية وجيه يوثق به فيدعو إلى هذه الإعانة؟ سنجيب عن هذا فيما يأتي إن شاء
الله تعالى.