للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


زيارة القبور والمدرس المغرور
حدَّثنا غير واحد عن شيخ يقرأ كتاب (الدر المختار) درسًا أنه بلغ من أيام
الكلام على زيارة القبور من كتاب الجنائز، فخبط في الكلام خبط عشواء في
مدلهمة ظلماء؛ إذ أنشأ يأوِّل للعوام ما يأتونه من البدع والمنكرات عند زيارة قبور
الصالحين، من ذلك أنه أوَّل دعاءهم إياهم في المساجد لقضاء الحوائج، ودفع
المكاره، واستعانتهم بهم في المهمات، وإن كانت من الموبقات، بأن هذا من باب
طلب الدعاء منهم. قال: (كأنهم يقولون: نحن ندعو الله تعالى وندعوكم لأن تدعو
معنا) . ولو كان كل عامي فقيهًا بحيل الحنفية، وقاضيًا في المحكمة الشرعية،
لأمكنه أن يهتدي إلى هذا التأويل، عندما يضل سواء السبيل، وإن لم يعتقد بقلبه،
أنه ينفعه عند ربه، لأنه تعالى يقول: {فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً} (الجن: ١٨)
ويقول: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (الفاتحة: ٥) ولم يرد في الكتاب، ولا
في السنة، ولا في سيرة سلف الأمة أن الدعاء يطلب من الموتى، وحديث البخاري
في الاستسقاء بالعباس حجة على بطلانه.
وإذا علم القراء أن هذا المدرس هو الذي دارت بيننا وبينه المناظرة في هذا
الموضوع في المسجد الحسيني المنشورة في العدد الخامس من المجلد الثاني،
وتذكَّروا أن مبدأ المناظرة أن الشيخ المدرس عندما رأى الزائرين يطوفون بقفص
قبر سيدنا الحسين عليه السلام والرضوان، ويقبِّلونه قرأ قوله تعالى: {مَا هَذِهِ
التَّمَاثِيلُ الَتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ} (الأنبياء: ٥٢) وأشار إليهم؛ لعجبوا من تلوّن
الشيخ ومخاطبته كل أحد بما يظن أنه يقبله ليعظم في نفسه ويكبر في عينه، وإذا
علموا بعد هذا أنه كان رئيس محفل ماسوني يزول ذلك العجب؛ لأن الناس لا
يعجبون من ألوان الحرباء. وإذا علموا أنه هو الذي كتب في المؤيد يذم علوم
الحساب والهندسة وتقويم البلدان، وجعل توقيعه (ثابت بن منصور) وتذكروا
كيف فنَّد مزاعمه أحد المجاورين - يعلمون درجته في العلم، وأنه فيه غير ثابت ولا
منصور، بل لو علم حاضرو درسه كل ما تقدم لما اكتفى بعض نبهاء الطلاب بالرد
عليه في وجهه.
وقد كتبنا هذه الكلمات تنبيهًا له على قدر نفسه، ونهيًا له عن المنكر من غير
تصريح باسمه، عساه ينتهي عن ذلك التدليس، ويترك ذياك التلبيس، ويأخذ
بطريقة السلف الصالحين، ويترك الخوض بأهل الحق واليقين؛ فإنهم لهم الثابتون
المنصورون {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى البَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الوَيْلُ مِمَّا
تَصِفُونَ} (الأنبياء: ١٨) .