للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


قطع العلائق بين الدولة العلية وفرنسا

في الآستانة أرصفة أنشأتها شركة فرنسوية بامتياز مخصوص، ولبعض
التجار الفرنساويين دين على الدولة العلية كانوا من زمن طويل قدَّموا فيه أشياء
للعسكرية بربًا فاحش، وقد طال الزمان وهم عنه ساكتون لينمو بضم الربا في كل
عام إلى الأصل، وقد حصل الخلاف بين شركة الأرصفة وبين الحكومة العثمانية
في هذه الأرصفة، وطلب التجار أموالهم المتراكمة، فسلك الموسيو كونستيان سفير
فرنسا في حل الإشكال مسلك الخشونة والتهديد بقطع العلائق، فما زال مولانا
السلطان يمده بسياسته اللينة اللطيفة وهو يزداد عنفًا ونفورًا، حتى آذن الدولة بقطع
العلائق رسميًّا وخرج من الآستانة العلية، وآذنت نظارة خارجية فرنسا الدولة
العلية بأن لا يعود سفيرها منير بك إلى باريس، وكان مولانا السلطان لان لمطالب
السفير، وأمر بأن تظل شركة الأرصفة متمتعة بامتيازاتها بناء على غض النظر
عن ابتياعها، ولمَّا رأى هذه الخشونة أعرض بجانبه ولم يبال بقطع العلائق؛ ولكن
ورد أنه طلب من فرنسا إرسال سفير آخر للاتفاق معه، ويخاف الناس أن يُفضي
هذا الجفاء السياسي إلى الحرب بين الدولة العلية وفرنسا، وما كل جفاء سياسي
يستلزم الحرب وليست فرنسا كسائر الدول يثير الحرب فيها رجل متهور، فهي
جمهورية لا يمكن أن تعلن حربًا إلا بعد رضا الأمة بواسطة الأحزاب والنواب،
وإذا احتلت فرنسا بعض الثغور غير المحصنة كثغور سوريا تقوم قيامة الدول
وتكون الطامة الكبرى، لا خوف من هذا الجفاء إذا كان كما هو الظاهر قد جاء من
طبيعته؛ ولكن إذا كان هناك مواطأة بين روسيا وفرنسا على فتح باب الفتنة لمقاومة
نفوذ ألمانيا في الأناضول والعراق فهناك البلاء الأكبر، وهذا بعيد أيضًا؛ فإن
روسيا صارت أدهى وأحكم من أن تعرض أوربا كلها للدمار لأجل أطماعها، وقد
تعلمت أن الاستفادة بالسياسة أكبر ربحًا من الاستفادة بالقوة، والله أعلم.