للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


آثار علمية أدبية

ننشر في هذا الباب نبذًا وجيزة من الفنون الطبيعية بعبارة سهلة التناول على
طلاب الأزهر وأضرابهم الذين لا يتعلمون شيئًا من هذه العلوم، ونبدأ بهذه النبذة
لأحد إخواننا الفضلاء وهي:
(الثلج المصنوع)
تمهيد: أحوال الأجسام:
أجزاء الأجسام الصغيرة جدًّا التي لا تقبل الانقسام بينها تجاذب وتنافر، فإذا
تغلب الجذب على النفور كان الجسم صلبًا، وإذا تساويا كان سائلاً، وإذا قوي
النفور على الجذب كان الجسم غازيًّا في قوام الهواء، وأكثر الأجسام تنتقل من حالة
الصلابة إلى السيولة، ومن السيولة إلى الغازيّة بالحرارة، وتنتقل من الغازيّة إلى
السيولة، ومنها إلى الصلابة بالضغط والتبريد، فالكبريت الذي هو جسم صلب في
الدرجة المعتادة يذوب ثم يتحول بخارًا بالحرارة، والماء الذي هو سائل في الدرجة
المعتادة يجمد بالتبريد ويصير بخارًا بالحرارة، ومتى تَمدّد الجسم بالحرارة يخف
ويتصاعد، فإذا سخن الماء على النار فالدقائق التي تسخن تصعد إلى أعلى الإناء،
ولهذه السُّنة الإلهية فروع منها حركة الهواء واختلاف الرياح.
موازنة الحرارة:
إذا تَلامس جسمان درجة حرارتهما مختلفة سرى جزء من حرارة أشدهما
حرارة إلى الثاني حتى تكون حرارتهما في حالة الموازنة، والشواهد على هذا
كثيرة منها: إذا جلس الإنسان على كرسي مثلاً أو نام في فراش؛ فإن شيئًا من
حرارة جسمه ينتقل إلى الكرسي أو الفراش فيسخن ويحس به الإنسان، ومنها أن
الداخل في حمام حار يحس بحرارة شديدة، فإذا طال مكثه فيه ضعف إحساسه
بالحرارة، وإذا انتقل من مكانه إلى آخر دونه في الحرارة؛ فإنه يحس ببرودة،
ومنها الإحساس ببرودة ماء الآبار في الصيف، وسخونتها في الشتاء مع أن
حرارته واحدة دائمًا.
الموضوع:
إذا انخفضت حرارة الماء إلى درجة الصفر؛ فإنه يجمد ويصير ثلجًا، فكل
واسطة تخفض بها حرارة الماء إلى درجة الصفر فما دونها يمكن أن تستخدم في
عمل الثلج المصنوع، وأسهل الوسائط وأيسرها وأقلها نفقة طريقة تحضير الثلج
بواسطة غاز النوشادر، ذلك أن هذا الغاز يسيل بالضغط وتنخفض درجة حرارته
إلى (٤٠ تحت الصفر) فإذا رفع عنه الضغط عاد غازًا كما كان بعد أن يأخذ من
حرارة الأجسام الملامسة له ما يحتاجه، وعلى هذه الخاصة أسس المُعلم (كاريه)
جهازه لعمل الثلج، وهو مؤلف من قِدر يُملأ إلى ثلاثة أرباعه بمحلول النوشادر
ويوضع على النار، ويوضع بإزائه إناء فيه ماء، وفي داخله إناء آخر على شكله
في وسط الماء مغلق من جميع جهاته، وفي أعلاه أنبوبة متصلة بالقِدر الذي فيه
محلول النشادر، فإذا أوقدت النار تحت القدر أخذ غاز النوشادر في الانفصال من
محلوله وصعد فلا يجد طريقًا يمر منه إلا الأنبوبة الموصلة إلى الإناء، فيجتازها
ويصل إلى الإناء الداخل المغلق، ومتى تراكم استحال إلى سائل قابل للتطاير
بالدرجة المعتادة، فإذا نُزع القِدر من التنور الذي فيه النار، وغمر في ماء بارد
استحال النوشادر السائل الذي في الإناء المغلق المحيط به الماء إلى غاز، ويرجع
إلى القِدر ويذوب في الماء الذي كان فيه أولاً، فيتكون محلول النشادر ثانيًا، وأما
الماء المحيط بالإناء الداخل؛ فإنه يجمد في الحال ويصير ثلجًا لامتصاص النوشادر
حرارته، فيؤخذ الثلج ويوضع بدله ماء ويعاد العمل هكذا بقدر الحاجة.
***
(الانتقاد على مقدمة ديوان حافظ)
يخطئ المتطفلون على موائد العلم والأدب والكتابة في المنظوم والمنثور، فلا
يلتفت أحد إلى خطئهم، ولا يرون كلامهم أهلاً للعناية بالانتقاد، وأما فرسان الكلام
والسابقون في حلبة الفضل؛ فإن الناس يَعْدُون على جيادهم الكبو والعثار، ويعنون
بانتقادهم ويرون في ذلك فائدة وفخرًا، وسمعة وذكرًا، ومن الناس من يغلو في
النقد، فيتجرم ويتذقح ولا يرضى بجعل الهفوات من الموبقات، حتى يُعِدَّ الحسنات
من السيئات، ويغلو آخرون في نقد النقد، ورد الرد، فيجعلون الخطأ صوابًا،
والصدق كذبًا.
وإن مقدمة ديوان حافظ في علو أسلوبها وانسجام تركيبها، جديرة بعناية الناقد،
وموضع لحسد الحاسد، وقد انتقدها أحد الكتبة في بعض الجرائد الإخبارية فأبعد في
القول، ومال كل الميل، انتقد كلامه في وصف الشعر، وقوله إنه يوجد في المنظوم
والمنثور، وظاهر السياق يشهد بأن حافظًا يتكلم في روح الشعر وسره والغرض منه
بوجه عام على طريق المبالغة الشعرية، ولعمري ما الشعر إلا تخيل وتصوير،
يقصد به الوجدان بالتأثير، ليكون الكلام مقبولاً، وما يأمر به مفعولاً، وهذا هو الذي
عناه سيدنا حسان بن ثابت شاعر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين قال له
ولده: لسعني طائر، وكان لسعه زنبور، قال صفه لي، فوصفه بقوله: (كأنه ملتف
في بُرْديْ حِبَرَة َفقال حسان: (قال ابني الشعر ورب الكعبة) والذي عناه سيدنا عمر
رضي الله عنه بقوله: (الشعر جزل من كلام العرب تسكن به النائرة، ويبلغ له القوم
في ناديهم) وهذا ما يعنيه حافظ أفندي في مقدمته.
أصاب المنتقد في تخطئة قول المقدمة (ولقد ترجل لبيت منه جيش بالأندلس)
والصواب أن الجيش كان في أفريقيا وهو جيش المعز العبيدي صاحب مصر،
وكأن السهو جاء صاحب المقدمة من كون الشاعر أندلسيًّا - وهو ابن هانئ - فسبق
قلمه ونسب الجيش إلى الأندلس بدلاً من نسبة الشاعر إليها، وقد علمت أنه تنبه إلى
هذا قبل طبع المقدمة في الديوان فأصلحه.
وقد نبهته على خطأ تاريخي أقوى من هذا كله لم يذكره المنتقد؛ لأنه لا
يعرفه وهو نسبة الشاهنامة إلى القاآني وقوله إن أبياتها سبعون ألفًا، والصواب أن
الشاهنامة للفردوسي شاعر السلطان محمود الغزنوي وأبياتها ستون ألفًا، وهي
بمكان من البلاغة يعز الارتقاء إليه، وأما القاآني فهو شاعر متأخر مجيد.
ولم يبعد المنتقد كثيرًا في مؤاخذته صاحب المقدمة على قوله: (ولقد كان هم
الشعراء في الجاهلية مصروفًا إلى التقاط الألفاظ الغريبة) إلى آخره وغرض حافظ
أفندي أن الشعر بعد حضارة الإسلام كان أحسن ديباجة، وأسلس عبارة، وأعلى
معنى، وهذا صحيح؛ ولكنه بالغ في نسبة شعراء الجاهلية إلى العناية والتعمد في
التقاط الغريب؛ حتى جعل معانيهم في مبانيهم كالحسناء تحت الأطمار، وأقول إن
الألفاظ العربية التي كثر استعمالها بعد ظهور الإسلام أكثرها من لغة قريش؛ لأن
السبب في حفظ العربية وضبطها هو الاستعانة على فهم القرآن والأحاديث، وقد
صرنا نعد من الغريب كل ما لم نألفه في الاستعمال، وليس هذا بصواب.
هذا ما رأيناه جديرًا بالتنبيه عليه، والله تعالى يقول في كتابه العزيز: {وَلَوْ
كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً} (النساء: ٨٢) فحسب حافظ
أفندي فخرًا أن ما عُدَّ عليه أقل القليل، وعلى الله قصد السبيل.
***
السينوغراف
ألعوبة الصور المتحركة
مصطفى صادق الرافعي
كيف فؤادي والهوى شاغل ... يهيجه المنزل والنازل
ما زلت أخفيه وأخفى به ... في الناس حتى فضح العاذل
فعادنا المطل وعدنا له ... رحماك فينا أيها الماطل
كل امرئ أيامه تنقضي ... لا أمل يبقى ولا آمل
وما (السنوغراف) وما مثلت ... إلا صدى ينقله الناقل
تبعث فيها أمة قد خلت ... وتجتلي في (لندن) (بابل)
كم مثلت من طلل ماثل ... فكاد يحيى الطلل الماثل
تريك من ينأى كان قد دنا ... ومن دنا كأنه راحل
كأن فيها للهوى منزلاً ... فكل قلب عندنا نازل
تلهو به عطبولة خاذل ... وقد بكت عطبولة خاذل
وعانق العاشق معشوقه ... فاجتمع المقتول والقاتل
يا ليت شعري هل رؤى نائم ... أم خطرات ظنها غافل
لا تضحك الجاهل في نفسه ... إلا بكى في نفسه العاقل
مواعظ مثلها هازل ... ورب جد جره الهازل
كالنفس إن تنس الردى مرة ... فليس ينسى الأجل العاجل
يزول ما فيها إلى عبرة ... وكل شيء غيره زائل
وهكذا الدنيا انتقاص وما ... يكون فيها فرح كامل