للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: إسحاق طيلر


المسلمون في أفريقيا
لقسيس إنكليزي [١]

قرأ (القسيس إسحاق طيلر) بالأمس صحيفة قال فيها: إن الإسلام من حيث
هو دين تبليغي - أي جعل أساسه على تبليغ عقائده إلى الناس بطريق الدعوة،
وإقامة الدليل والحجة، وتفويض الأمر للنظر والفكر في الوصول إلى المطلوب
علمه من تلك العقائد، ولم يجعل أساسه على الإلزام بما لا يعقل بطريق جبري -
قد نجح في قطعة أرض عظيمة من العالم نجاح الديانة المسيحية (تحيُّر من
السامعين) .
الداخلون في الإسلام من الوثنيين لا أقول فيهم إنهم أكثر عددًا من الداخلين
منهم في المسيحية فقط، بل أزيد على ذلك أن المسيحية تخنس بالفعل بين يدي
الإسلام والمساعي المبذولة لتنصير الأمم المسلمة ترجع إلى الخيبة رجوعًا ظاهرًا،
ليس أمرنا واقفًا عند العجز عن إحداث مواطئ جديدة لأقدامنا فقط؛ ولكن المقام
الذي نحن فيه قد نعجز عن حفظه أيضًا، إن دين الإسلام قد انتشر آنفًا من
(مراكش) إلى (جاوا) ومن زنجبار إلى الصين وهو الآن ينتشر في إفريقية
بسرعة لا يأتي عليها الوصف، فقد ضرب هذا الدين بجرانه في أرض (كونغو)
و (زمبيسي) و (أوغاندا) فهذه المملكة القوية الزنجية صارت محمدية من زمن
قريب، التمدن الأروبي الذي يهدم الوثنية الهندية في الهند إنما يوطئ طريقًا جديدًا
للدين الإسلامي! فإن في أرض الهند مائتنين وخمسة وخمسين مليونًا من السكان،
فيهم خمسون مليونًا مسلمون، وليس بينهم من المسيحيين إلا النزر اليسير،
والمسلمون من أهالي أفريقيا يزيدون على نصف سكانها، لا يتعلق بغرضنا الآن
بيان كيفية انتشار الدين الإسلامي في بدايات أمره؛ ولكن علينا أن نبين حالته في
ثباته ودوامه وأخذه بقلوب المستمسكين به؛ فإن الديانة المسيحية أقل سطوة منه
على القلوب؛ لذلك ترى القبيلة الإفريقية تدخل في الدين الإسلامي، ثم لا ترتد إلى
الوثنية قط ولا تتنصر أبدًا.
نرى الإسلام أوفق ما يكون لتهذيب الأمم المتوحشة وترقية حالها، أما الديانة
المسيحية فهي أبعد من أن تنالها عقول السذج وهي على ما نعلم من دقتها.
الإسلام قد نفع التمدن أكثر من المسيحية (تعجُّب من السامعين) انظروا في
تقارير أرباب المناصب من الإنكليز أو العامة من السائحين تقفوا على فوائد الدين
الإسلامي في إصلاح الأعمال البشرية؛ فإن الديانة المحمدية إذا دخلت في قبيلة
زنجية محت من بينها الديانات الوثنية وعبادة الشياطين ورفعتها عن السجود
للأباطيل، وكرَّهت إليها أكل لحوم البشر، وذبح الإنسان وقتل الأولاد، ونزهتها
عن معاطاة السحر، وهيأت لها من ذلك كله خلاصًا أبديًّا، وأول ما يبتدئ به
الوحشيون بعد الدخول في الإسلام لبس الثياب والنظافة، ثم تنشأ فيهم عزة النفس
ويكسوهم الوقار، ويصير قري الضيف بمنزلة فريضة شرعية، ويندر السُّكر،
وينقطع القمار، ولا يبقى أثر للمراقص المخزية، ويحظر اختلاط الرجال بالنساء،
وتُعَدُّ العفة في الإناث من خلائق التقوى، ويُبَدَّل الكسل بالعمل، وتأخذ الشريعة
مكان الأهواء، ويتحكم النظام والكياسة، ويَحْرُم سفك الدماء وظلم العبيد والبهائم،
ثم يفشو التناصح بالإحسان والأخوة والإحساس بالوجدان الإنسي، أما الاسترقاق
وتعدد الزوجات فيأخذان وجهًا من الترتيب وتمحى مساويهما.
الجمعية الإسلامية هي المستعلية على الكل بشدة قواها واجتنابها للمسكرات،
أما انتشار التجارة الأوربية فليس إلا انتشار السُّكر والقبائح والأخلاق السافلة،
والإسلام يروج بين الناس تمدنًا في رتبة غير سافلة لاحتوائه على تعلم القراءة
والكتابة وستر العورة والنظافة والصدق والحياء، إن رواج الإسلام وحمله الناس
على التمدن من العجائب، وما أقل ما نجد لو طلبنا عوضًا للمبالغ الوافرة من
الأموال التي أسرفنا في تبذيرها في أفريقيا، فالمتنصرون يعدون بألوف،
والداخلون في الإسلام يعدون بملايين، تلك أحوال يسوءنا مرآها وجهلها حماقة.
فيجب علينا أن نتبصر أمرًا، وهو أن الدين الإسلامي لا يناقض الديانة
المسيحية، بل يتفق معها؛ فإن ذلك الدين صوت إيمان إبراهيم وموسى عليهما
السلام، وفيه كثير من الأصول المسيحية وهو يخالف اليهودية في أنها كانت خاصة
وهو دين عام لا يختص بأمة واحدة، بل يعم كل العالم.
المسلمون يعترفون بأربعة مرشدين كرام: إبراهيم خليل الله، وموسى كليم الله
وعيسى كلمة الله، ومحمد رسول الله، ولسيدنا عيسى مقام جليل في الأربعة،
ولو فرضنا أن الديانة الإسلامية لا ترمي مرامي تعليمات القديس بولس فهي لا
تخالف المسيحية، بل هي قريبة منها، وخير من اليهودية لإقرارها بمعجزات
المسيح ونبوته، كان فيما ينسب إلى الديانة المسيحية موضوعات خيالية وضعها
بعض الرؤساء من عند أنفسهم، فصارت بها الأقوام مشركين في أعمالهم يعبدون
جماعة من القديسين والشهداء والملائكة، وظنوا من بعض أحكامها أن الوساخة من
خصال القديسين، فجاء الإسلام وكسح مجموع هذه المفاسد والأباطيل، وأظهر
الأحكام الأساسية الدينية، وهي توحيد الله وتعظيمه، وبدَّل الرهبانية بالإنسانية،
وأرشد الناس إلى الأخوة الصحيحة ومعرفة الحقائق الأساسية للطبيعة الإنسانية،
الدين الإسلامي لا يفرض على الناس خلع سلطان الطبيعة البشرية من مقامه
الفطري، كما تفرض ذلك الديانة المسيحية - في نحو الأمر بمحبة الأعداء مثل
محبة الأصدقاء، وبالتجرد عن قنية الأموال وبإدارة الخد الأيسر لمن ضربك على
الخد الأيمن وما شابه ذلك - لكن يطالب العقول بما تحتمله كالاعتدال والنظافة
والعفة والقسط والثبات والشجاعة وإكرام الضيف، فإذا أكسبهم هذه الخصال سهَّل
لهم طريق الفضائل السامية وجنبهم جميع الرذائل والكبائر، الدين المسيحي يطالب
بمؤاخاة الناس كافة وتلك غاية لا تُنال؛ لكن الإسلام ينادي بمؤاخاة فعلية يستوي
فيها المسلمون عامة، وهذه الأخوة جعالة عظيمة يقدمها الإسلام للداخلين فيه، فمَنْ
قَبِل الإسلام دخل في جمعية مؤتلفة القلوب على الإطلاق، وصار عضوًا لمجمع
أخوة عددهم (١٥٠.٠٠٠.٠٠٠) والداخلون في الديانة المسيحية جديدًا لا ينظر إليهم
بين النصارى بنظر المساواة؛ لكن الأخوة الإسلامية أمر حقيقي (هذه أخلاق أهل
الإسلام في أفريقيا كما قال القس طيلر، وهي الجدير بها المسلمون كافة؛ ولكن من
الأسف أن المسلمين في جهات كثيرة فقدوا هذه الأخوة الحقيقة) .
عندنا يا إخوتي كثير من الأحبة في منبر الكنيسة؛ لكن قليلاً ما نشاهدهم في
المعيشة اليومية (ضحك) حق أن القرآن بشَّر بجنة جسمانية لكن لها في الفضائل
الإنسية التي لابد منها في هذا العالم أقوى تأثير، الإسلام لا ينقطع بالإنسان إلى
الروحانية المحضة كما ترشد إليه التعاليم المسيحية؛ لكنه المكتب الفرد الذي يمكن
أن يتربى فيه الإفريقي.
العقبتان العظيمتان المانعتان من تنصر أهالي أفريقيا هما تعدد الزوجات
والاسترقاق، أما الاسترقاق فليس من لوازم العقيدة الإسلامية، لكن رخَّص فيه
الشرع المحمدي؛ لأنه شر اضطراري، كما رخَّص فيه موسى وماربولس، ويد
المسلم فيه أرفق وألين من يد المستعبدين في الممالك المتحدة، تعدد الزوجات
أصعب المسألتين على أنها لم ينه عنها في شرع موسى وعمل بها داود عليه السلام
والإنجيل لم يصرح بمنعها مع مخالفتها لأصوله، محمد (صلى الله عليه وسلم)
جعل حدًّا معينًا لعدد الزوجات، فخف شره ووجدت له منافع كثيرة، فهو الذي نسخ
قتل الإناث، وأقام لكل امرأة قيّمًا شرعيًّا؛ وبسببه خلصت البلاد المحمدية من
الفواحش الرسمية وهي أعظم شناعة في المسيحية من تعدد الزوجات في الإسلامية.
تعدد الزوجات على قواعده المنتظمة عند المسلمين أنجح تأثيرًا في صيانة النساء
عن الرذائل، وأخف ضررًا على الرجال من مخالطة امرأة واحدة لرجال كثيرين،
تلك لعنة البلاد المسيحية ولا وجود لها في بلاد الإسلام.
(انظر وتأمل) الإنكليز الذين يُجَوِّزون توارد رجال كثيرين على امرأة
واحدة في المواخير (أى محلات الفواحش) لا يليق بهم أن ينكروا على المسلمين
الناكحين مثنى وثلاث ورباع (أنصتوا أنصتوا) فلنخرج الجذع الكبير من أعيننا
قبل أن نهتم بإخراج القذى من عيون إخواننا.
إن أسقف لاهور في رؤساء آخرين أقدم على السماح لقوم بالتنصر مع إبقاء
زوجاتهم اللاتي كن في عصمهم قبل النصرانية؛ لأن من الظلم الفاحش أن يكلف
المتنصر بترك زوجته وقد تزوجها بنكاح صحيح في شريعته وجاءت منه بأولاد،
أيجوز أن أمهات أولاد الرجل يطلقن ويتركن للمعيشة في الرذائل، لا يمكن لرجل
يليق بأن يكون مسيحيًّا أن يقدم على عمل ظالم مخالف للفطرة مثل هذا.
إن الشرور الأربعة التي نعدها في البلاد المحمدية، وهي تعدد الزوجات
والاسترقاق والتمتع بالإماء وإباحة الطلاق - ليست من خصائص الإسلام، بل كان
معمولاً بها على أشنع صورها في الممالك المتحدة، وهي أرض مسيحية وسكانها
من الإخوة الإنكليز.
إن المعلمين الأوربيين لا يستطيعون أن يدخلوا أفريقيا في النصرانية، فهذا
شيء جُرِّب فلم يفد، فعلينا أن نعدل عن تهييج الخصام بيننا وبين المسلمين وتكذيب
نبيهم وتكفيرهم، ونجتهد في تفهيمهم أن المسيحية لا تخالف الإسلام، بل تشابهه
جدًّا، وعلينا أن نذكر أن الدين الإسلامي أشد تأثيرًا في إخضاع النفوس لمشيئة الله
وردعها عن السُّكر، وحملها على الصدق وتمكين عرى الألفة والأخوة الإيمانية
بينها، وأنفذ فعلاً مما عندنا فلنا فيهم أسوة حسنة، إذا اقتدينا بهم حسنًا.
إن الإسلام قد نسخ السُّكر والقمار والبغاء، ثلاث لعنات أهلكن البلاد المسيحية
(فليعتبر المقامرون حاسبهم الله) الإسلام قريب جدًّا من المسيحية، والمسلمون
كأنهم مسيحيون، فتعالوا بنا نساعدهم على الكمال في دينهم، ولا نسعى سعيًا عبثًا
لإبطاله لعلنا نجد في الإسلام مسيحية ونجد محمدًا (صلى الله عليه وسلم) آخذًا
بعضد المسيح في دينه (بشاشة من الحاضرين) .
((يتبع بمقال تالٍ))